في زمن القرن الثامن الهجري، تجلى صراع فكري وعقدي بين فئتين رئيسيتين هما أهل الأثر وأهل النظر، حيث تشكل هذه الصراعات أحد أهم الأحداث التي شهدها المجتمع الإسلامي في تلك الفترة الزمنية المحورية. يستعرض الكاتب ماجد الدرويش في كتابه المميز الذي يحمل عنوان “الصراع الفكري والعقدي بين أهل الأثر وأهل النظر وأثره على المجتمع في القرن الثامن الهجري وموقف الحافظ ابن كثير منه”، البُعد الأكاديمي والفلسفي لهذا الصراع وكيف أثر على المفهوم الديني والاجتماعي للمجتمع في تلك الفترة الزمنية المهمة.
ينقل الكتاب القارئ إلى عالم الفكر الإسلامي في القرن الثامن الهجري، حيث كانت هناك تيارات متضاربة تتعلق بفهم وتفسير النصوص الدينية. تأتي هذه التناقضات كنتيجة لاختلاف مدارك الناس وتباين طبائعهم، وبينما يتسم الدين بظنية الدلالة، يتفاوت فهم هذه النصوص من فرد إلى آخر. ومن هنا تنشأ المنازعات الفكرية التي تصل إلى ذروتها في الصراع بين أهل الأثر، الذين يعتمدون على السنة والتقاليد، وأهل النظر، الذين يميلون إلى التفكير الفلسفي والمنهجية العقلانية في تفسير الدين.
يتناول الكتاب بشمولية وعمق فترة (فتنة خلق القرآن)، التي تمثلت في خلاف بين المعتزلة وغيرهم من الفرق الفكرية حول كيفية فهم نزول القرآن وطبيعته. يبرز الكتاب أثر هذه الفتنة في تشكيل المشهد الفكري والاجتماعي للعصور اللاحقة، مما يضيف قيمة تاريخية وثقافية كبيرة للكتاب.
وفي هذا السياق، يسلط الضوء على موقف الحافظ ابن كثير، الذي يعتبر واحدًا من أبرز العلماء في تلك الفترة، وكيف قام بالتصدي لتلك الفتنة بحنكة علمية وفهم عميق للتراث الإسلامي. يرصد الكتاب تحليلاً دقيقًا لآراء ومواقف ابن كثير، وكيف تأثرت بالسياق الثقافي والفكري الذي كان يعيش فيه.
تتسم الكتابة بأسلوب سلس وتحليل عميق، حيث يقدم ماجد الدرويش رؤية متكاملة لهذا الصراع الفكري والعقدي، مشددًا على أهمية فهم السياق التاريخي والثقافي لتفسير هذه الصراعات. يتيح الكتاب للقارئ فهماً أعمق للتحولات التي شهدها المجتمع الإسلامي في القرن الثامن الهجري، وكيف تأثرت الفكرة الإسلامية بتلك التحولات، مما يجعله قراءة أساسية للباحثين والمهتمين بتاريخ الفكر الإسلامي.