صحة حديث ذو الوجهين

صحة حديث “إن شر الناس ذو الوجهين”

يعتبر الحديث النبوي الشريف “إن شر الناس ذو الوجهين” من الأحاديث التي أثارت جدلاً بين علماء الحديث، وقد جرى التطرق إليه في العديد من الكتب الدينية والتفسيرية، بالإضافة إلى تداوله بين الناس في كثير من الأحيان عند الحديث عن الأشخاص المتلونين أو الذين يظهرون بوجهين في تعاملاتهم. في هذا المقال، سنستعرض صحة هذا الحديث من مختلف الزوايا، بدءًا من دراسته في كتب الحديث والتفسير، وصولاً إلى شرح معناه وأبعاده الاجتماعية والدينية.

أولاً: نص الحديث

نص الحديث كما ورد في كتب الحديث هو:

“إن شر الناس ذو الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه.”

هذا الحديث يُنسب إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويُستخدم لتوصيف الأشخاص الذين يتنقلون بين المواقف والأشخاص متخذين وجوهًا متعددة، وذلك إما بهدف الكذب أو النفاق أو الخداع. ومن هنا يمكننا أن نرى أن الحديث يعبر عن رفض الإسلام للأشخاص المتلاعبين والذين يظهرون غير ما يبطنون.

ثانياً: تخريج الحديث ودراسته

لتحديد صحة هذا الحديث، يجب أولًا أن نبحث عن مصادره في كتب الحديث المعتمدة، مثل صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن أبي داود وجامع الترمذي وغيرها من المصادر الكبرى.

في صحيح البخاري ومسلم

عند البحث في صحيح البخاري وصحيح مسلم، لا نجد هذا الحديث في هذين الكتابين اللذين يُعتبران من أصح الكتب بعد القرآن الكريم. وهذا يثير تساؤلات حول درجة صحة هذا الحديث، خاصة أنه لم يُذكر فيهما.

في كتب أخرى

لكن، هذا الحديث ورد في بعض كتب السنن مثل سنن أبي داود، وسنن الترمذي، ومسند الإمام أحمد، وفي كل هذه الكتب ورد الحديث بنفس النص، ولكن مع تباين في الأسانيد.

وفي سنن الترمذي، قال: “هذا حديث حسن غريب”. وقد تم اعتبار الحديث صحيحًا بناءً على الأسانيد الموجودة، حيث أن الحديث يروي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما. ومن ثم فإن الحديث يُعتبر من الأحاديث التي تُصنف على أنها حسن لغيره. وبالرغم من ذلك، يعتبر البعض أن الحديث ليس في درجة الصحة العالية مثل الأحاديث التي توجد في الصحيحين.

معايير تحديد صحة الحديث

من أجل تحديد صحة هذا الحديث، يتعين التحقق من عدة عناصر:

1. سلسلة الأسانيد: يُعد التحقق من سلسلة الأسانيد أمرًا بالغ الأهمية. في حال كانت الأسانيد متصلة بأشخاص موثوقين في مجال الحديث، فإن ذلك يعزز من صحة الحديث.

2. حالة الرواة: نظرًا لأن هذا الحديث ليس من الأحاديث الواردة في الصحاح، فإن العلماء قاموا بفحص الرواة الذين نقلوه. في هذه الحالة، رغم أنه لم يُذكر في أصول الصحاح، لكن العلماء اتفقوا على أن الراوي الأساسي لهذا الحديث هو عبدالله بن عمر، وهو من الصحابة الثقات.

3. دراسة متون الأحاديث: لا ينبغي النظر إلى صحة الحديث بناءً على السند فقط، بل من خلال متنه أيضًا. وبما أن هذا الحديث يتفق مع ما ورد في القرآن الكريم وفي الأحاديث الأخرى بشأن تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من النفاق والتلون في القول والفعل، فإن متنه يتفق مع المباديء الدينية في الإسلام.

ثالثاً: تفسير الحديث

يتفق العلماء على أن الحديث “إن شر الناس ذو الوجهين” هو تحذير شديد من الأشخاص الذين يظهرون وجهًا مغايرًا لما يُبطنون، وهذا يعتبر من صفات المنافقين، الذين حذرهم القرآن الكريم في أكثر من موضع. يقول الله تعالى في سورة التوبة:

“إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ” (التوبة: 65)

النفاق هنا لا يتوقف على إظهار إيمان في الظاهر ثم إخفائه في الباطن فحسب، بل قد يشمل التلاعب بالمواقف والتلون في التعامل مع الآخرين، وهو ما يتجسد في حديث “ذو الوجهين”.

المعنى الاجتماعي للنفاق

في مجتمعاتنا الحديثة، يظهر ذو الوجهين عندما يتصرف الشخص بطريقة معينة مع مجموعة معينة من الأشخاص، بينما يظهر تصرفًا مختلفًا تمامًا عند التعامل مع مجموعة أخرى. هؤلاء الأشخاص يتسمون بالكذب والخداع، ويستخدمون ما يسمى الازدواجية في تعبيراتهم وتصرفاتهم.

ويُعتبر هذا النوع من الأشخاص من أسوأ الناس في المجتمعات البشرية؛ لأنهم يساهمون في تفكيك النسيج الاجتماعي ويفسدون العلاقات بين الأفراد. فهم يجعلون الناس يشعرون بعدم الأمان، ويغرسون بذور الشك في قلوبهم.

النفاق في الحديث الشريف

يُنظر إلى هذا الحديث أيضًا في إطار النفاق الاجتماعي، وهو النوع الذي يرتبط بتغير سلوك الفرد حسب المصالح الشخصية أو المواقف المختلفة. النبي صلى الله عليه وسلم حذر من هذا النوع من النفاق في أكثر من مناسبة، واعتبره صفة من أخطر صفات الإنسان، لأنها تؤدي إلى فقدان الثقة بين الناس.

رابعاً: علاقة الحديث بالنفاق في الإسلام

الإسلام يُعرف النفاق على أنه حالة من التناقض بين ما يُظهره الشخص من إيمان أو سلوك، وبين ما يُبطنه في قلبه من كفر أو نية سيئة. وقد ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تحذر من النفاق وتُبين عواقبه في الدنيا والآخرة.

في الحديث الذي رواه النبي صلى الله عليه وسلم، يُشير إلى أن المنافق هو الذي يتظاهر بالإيمان ويتحدث بكلام حسن ولكنه في باطنه يحمل نوايا سيئة. وهذه الصفة تتجسد بشكل واضح في حديث “ذو الوجهين”، حيث يبرز التناقض بين الظهور والواقع.

في التفسير القرآني

تُظهر العديد من التفاسير القرآنية، مثل تفسير الطبري والقرطبي، كيف أن النفاق لا يقتصر على كتمان الكفر، بل يشمل أيضًا التعامل المزدوج مع الناس بناءً على ما يحقق مصلحة شخصية. التفسير يربط بين هذا النوع من السلوك وبين شر الناس، باعتبار أن الشخص الذي يعيش في حالة من التناقض المستمر بين ظاهره وباطنه يشكل خطرًا على المجتمع.

خامساً: النظرة المعاصرة للحديث

في العصر الحديث، ما زال هذا الحديث يحمل معانٍ عميقة تتناسب مع التحديات الاجتماعية والسياسية التي نعيشها اليوم. نحن نعيش في زمن تزايدت فيه العلاقات المصلحية والتعاملات الخادعة. فمن يملك القدرة على التلاعب بالمواقف واستخدام أساليب الكذب والتزوير لتحقيق مكاسب شخصية يُعتبر من أسوأ الناس في المجتمع.

سادساً: الدروس المستفادة من الحديث

من الحديث الشريف “إن شر الناس ذو الوجهين”، يمكن استخلاص العديد من الدروس القيمة التي تساهم في تحسين حياتنا اليومية:

1. الصدق أساس العلاقات: الحديث يحث على الصدق والوضوح في التعامل مع الآخرين، وهو ما يعزز من الثقة بين الأفراد ويسهم في بناء مجتمعات صحية.

2. النفاق خطر اجتماعي: يوضح الحديث أن التلاعب بالمواقف والتصرفات المتناقضة يمكن أن يؤدي إلى هدم المجتمعات وزعزعة الاستقرار الاجتماعي.

3. الإخلاص لله في التعامل: الحديث يشير إلى أن المسلم يجب أن يكون مخلصًا في جميع تصرفاته وأقواله، سواء في العلن أو في الخفاء.

مصادر ومراجع

• صحيح الترمذي.

• تفسير القرطبي.

• تفسير الطبري.