صحة حديث الوضوء وفضله

صحة حديث (من توضأ فقال سبحانك اللهم وبحمدك)

الوضوء من أعظم الطقوس التي حث الإسلام على الاهتمام بها، فقد جعله من شروط الصلاة الصحيحة وأساس من أساسيات العبادة. والحديث عن الوضوء يتطرق إلى العديد من الجوانب الدينية والفكرية التي تعكس جمال الشريعة الإسلامية في تعاملها مع الإنسان والطهارة الجسدية والنفسية على حد سواء. ومن بين الأحاديث التي تتعلق بالوضوء، يوجد حديث نبوي قد نال اهتمامًا واسعًا في أوساط العلماء والفقهاء، وهو الحديث الذي جاء فيه: “من توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، فُتِحَتْ له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء”.

يعد هذا الحديث من الأحاديث التي تراوحت بين صحة وضعف في آراء علماء الحديث، ولذلك نجد العديد من الأبحاث والفتاوى التي تطرقت إلى تصحيحه وتوضيح المقصود به. وللتعرف على صحة هذا الحديث، لابد من تحليل نصه، مناقشة درجته عند أهل الحديث، وتقديم بعض التفاصيل عن أوجه الاختلاف بين العلماء في فهمه.

نص الحديث:

الحديث في سياقه الكامل جاء كما يلي: “من توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، فُتِحَتْ له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء”. وقد ورد الحديث بلفظ مختلف في بعض المصادر الحديثية. ورد في مسند الإمام أحمد وفي سنن الترمذي، لكن بعض المراجع تحمل اختلافات طفيفة في صياغة الحديث.

درجات الحديث عند علماء الحديث:

1. درجة الحديث عند الترمذي:

كان الترمذي من أبرز العلماء الذين صنفوا الأحاديث بناءً على قوتها وضعفها، وفيما يتعلق بهذا الحديث، قال الترمذي: “حديث حسن غريب”. هذا التصنيف من الترمذي يعني أن الحديث ضعيف إلى حد ما، ولكنه لا يصل إلى درجة الضعف الشديد الذي يجعل من غير الممكن الاستشهاد به في الأبحاث الفقهية أو الدعوية.

2. درجة الحديث عند ابن حجر:

ابن حجر العسقلاني، وهو من كبار علماء الحديث، قد ذكر هذا الحديث في كتابه “فتح الباري”، وقال عنه إنه حديث ضعيف. وقد لاحظ أن الأحاديث التي وردت بهذا اللفظ لا تخلو من بعض الضعف في سلسلة السند، خاصة في ما يتعلق بتوثيق بعض الرواة.

3. درجة الحديث عند الألباني:

أما بالنسبة للعالم المعاصر الشيخ ناصر الدين الألباني، فقد صنف الحديث في كتابه “صحيح وضعيف سنن الترمذي”، وقال إن الحديث ضعيف. وقد أشار إلى أن بعض الرواة الذين ورد عنهم الحديث لم يكن لديهم درجة عالية من الحفظ أو العدالة، مما أثر في صحة الحديث.

4. مخالفات الرواة:

يجب على المسلم أن يعي أن الأحاديث النبوية تعتمد على سلسلة من الرواة الذين نقلوا الخبر عبر الأجيال. وفيما يخص هذا الحديث، فقد كان بعض الرواة، مثل “محمد بن عبد الرحمن” الذي نقل الحديث، محل نقاش بين العلماء بسبب ضعف ذاكرتهم أو وجود بعض الشكوك حول موثوقيتهم. هذه الأسباب تؤدي إلى تصنيف الحديث ضمن الأحاديث الضعيفة.

تفسير الحديث ومعانيه:

1. الوضوء كطهارة روحية وجسدية:

الوضوء في الإسلام ليس مجرد طقس جسدي للتحضير للصلاة، بل هو عملية تطهير شاملة تهدف إلى تطهير النفس والروح. ويعد الوضوء خطوة مهمة في تحضير المسلم للصلاة التي تمثل أقرب لحظات الاتصال بالله سبحانه وتعالى. ومن ثم، فإن ما يقال بعد الوضوء من دعاء له دلالة عميقة في النفوس، فهو يشهد لله بالوحدانية ويطلب المغفرة والرحمة.

2. الدعاء المرافق للوضوء:

الدعاء الذي يقال بعد الوضوء، والذي ورد في الحديث المشكوك في صحته، هو بمثابة تأكيد على توحيد الله واستغفاره والتوبة إليه. الكلمات التي يتلوها المسلم بعد أن يتم وضوءه تعتبر بمثابة شكر لله على نعمة الطهارة التي أتاحها له، وهي فرصة لتعميق العلاقة الروحية مع الله.

3. الفتح بأبواب الجنة:

إذا كانت صحة الحديث محل نظر، فإن الفكرة الأساسية التي يقدمها لا تزال مهمة. فالمعنى المجمل هو أن هذا الدعاء بعد الوضوء هو بمثابة دعوة لفتح أبواب الجنة أمام المسلم. حيث يُقال أن الشخص الذي يدعو بهذه الكلمات قد يكون له نصيب في دخول الجنة، ولديه القدرة على الدخول من أي باب من أبوابها الثمانية.

المواقف الفقهية المختلفة حول الحديث:

1. الاستحباب أو الوجوب؟

من بين الأمور التي تناقشها المدارس الفقهية حول هذا الحديث، هو مدى استحباب الدعاء بعد الوضوء. على الرغم من أن الحديث ضعيف السند، فإن الفقهاء يختلفون في الرأي حول ما إذا كان الدعاء مستحبًا أو واجبًا. فبعض العلماء يرون أن الدعاء بعد الوضوء مستحب، ومن ثم فلا يوجد أي ضرر في عدم تكراره، بينما يرى البعض الآخر أنه يجب قول هذا الدعاء إيمانًا بحكم الشرع.

2. توجيه الدعاء:

كما ورد في الحديث أن الشخص الذي يقول هذا الدعاء بعد الوضوء تُفتح له أبواب الجنة، فإن الفقهاء قد استندوا إلى هذه المزايا في بعض التفاسير. ومع ذلك، يرى البعض أن الدعاء يكون مستحبًا كجزء من الطهارة الروحية، لكنه ليس شرطًا لدخول الجنة.

3. الاستفادة من الدعاء:

حتى إذا كان الحديث ضعيفًا من حيث السند، فإن المسلم قد يجد فائدة روحية في تكرار هذا الدعاء بعد الوضوء. فالدعاء بعد الوضوء يعتبر تذكيرًا دائمًا للمسلم بتوحيد الله واستغفاره، وهو بمثابة تأكيد على أن المسلم في حالة من الاستعداد والتطهر للوقوف بين يدي الله في الصلاة.

الختام:

إن الحديث عن صحة حديث “من توضأ فقال سبحانك اللهم وبحمدك” يفتح بابًا من النقاش حول أهمية النية والروحانية في طقوس الطهارة، سواء كانت صلاة أو وضوء. ورغم أن الحديث يعتبر ضعيفًا في نظر عدد من العلماء، فإن مغزاه يبقى ذو قيمة بالنسبة للمسلمين، حيث يعزز الوعي بالعبادة والتوجه إلى الله. ومع ذلك، يجب على المسلم دائمًا أن يعتمد على الأحاديث الصحيحة والمثبتة في كل ما يتعلق بالعبادات والطاعات.

المراجع:

1. جامع الترمذي

2. فتح الباري لابن حجر العسقلاني