صالح زغاري: عدسة فلسطينية مقاومة

صالح زغاري: رؤية فلسطينية من خلال عدسة الكاميرا

صالح زغاري هو واحد من أبرز المصورين الفلسطينيين المعاصرين الذين استطاعوا أن يتركوا بصمة مميزة في مجال التصوير الفوتوغرافي، خاصة في توثيق الحياة الفلسطينية بكل أبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية. من خلال عمله، يسلط زغاري الضوء على واقع الفلسطينيين، معبراً عن هويتهم وصراعاتهم وأحلامهم في ظل الظروف الاستثنائية التي يعيشونها.

خلفية عن صالح زغاري ومسيرته المهنية

ولد صالح زغاري في فلسطين ونشأ في بيئة متأثرة بالتوترات السياسية والاجتماعية التي فرضتها الاحتلالات والحروب المتعاقبة. منذ بداياته، وجد في التصوير الفوتوغرافي الوسيلة الأهم للتعبير عن نفسه وعن المجتمع الفلسطيني. تحولت عدسته إلى أداة لرصد اللحظات الإنسانية في فلسطين، بعيداً عن الصور النمطية التي غالباً ما تقدمها وسائل الإعلام التقليدية.

بدأ صالح مسيرته المهنية بالعمل على توثيق الأحداث اليومية، من حياة الناس البسطاء في المدن والقرى الفلسطينية إلى الاحتجاجات والمواجهات السياسية. لم يقتصر عمله على التوثيق فحسب، بل سعى لأن تكون صوره نافذة تطل على الحقيقة وتبرز القضايا الإنسانية والاجتماعية الملحة.

رؤية فنية تدمج بين الجمال والقضية

يمتاز أسلوب صالح زغاري في التصوير بقدرته على دمج الجانب الفني مع البعد السياسي والاجتماعي. فكل صورة يلتقطها تحمل في طياتها رسالة عميقة، تستند إلى سرد بصري يحكي قصص الفلسطينيين من منظور مختلف. هو لا يصور فقط الأحداث، بل يختزل في صوره المشاعر، الألم، الأمل، الصمود، والإنسانية.

استخدم زغاري في أعماله تقنيات متعددة في التصوير، بداية من الصور بالأبيض والأسود التي تضفي على الصور طابعاً درامياً قوياً، وصولاً إلى الصور الملونة التي تظهر الحياة بكل تفاصيلها النابضة. تنوع الأساليب والتقنيات التي يستخدمها يعكس رغبته في إيصال الرسالة بأقصى تأثير ممكن.

موضوعات التصوير عند صالح زغاري

تتنوع موضوعات صالح زغاري بشكل كبير، لكنها جميعها تدور حول القضية الفلسطينية من زوايا مختلفة:

• الهوية الفلسطينية: من خلال تصوير الناس في ممارساتهم اليومية، والمناسبات الثقافية، والأزياء التقليدية، يظهر زغاري كيف يحافظ الفلسطينيون على هويتهم رغم كل المحن.

• النكسة واللجوء: توثيق حياة اللاجئين الفلسطينيين في الشتات يعكس واحدة من أكبر محطات التاريخ الفلسطيني الحزينة. يحكي زغاري قصص التشرد والمعاناة، لكنه يظهر أيضاً قوة الإنسان الفلسطيني في مقاومة الألم.

• المقاومة والصراع: الصور التي تتناول المواجهات، والاحتجاجات، والاشتباكات مع قوات الاحتلال، ترسم صورة حية للصراع المستمر، ولكن مع التركيز على الجانب الإنساني في كل طرف.

• المرأة الفلسطينية: عبر تصوير النساء الفلسطينيات في أدوار مختلفة، من النشاط الاجتماعي إلى الحياة اليومية، يبرز زغاري دور المرأة في المجتمع الفلسطيني كعنصر فاعل في الصمود والبناء.

• الأماكن والتاريخ: يعيد زغاري من خلال تصوير المواقع التاريخية والقرى المهجرة والمنازل القديمة، إحياء ذاكرة المكان الفلسطيني الذي يحاول الاحتلال طمسه.

التأثير الثقافي والإعلامي لأعماله

لم تقتصر أهمية أعمال صالح زغاري على الجانب الفني فقط، بل تجاوزته لتصبح أداة ثقافية وإعلامية تؤثر في وعي الجمهور الداخلي والخارجي تجاه القضية الفلسطينية. تُعرض صوره في معارض دولية ومحلية، وتستخدم في الحملات الإعلامية والدراسات التي تهتم بالواقع الفلسطيني.

أدى عمله إلى تعزيز حضور الثقافة الفلسطينية في المشهد الدولي، مع تقديم سرد بصري بديل عن الصور السائدة التي غالباً ما تقلل من عمق المعاناة أو تضعف الجانب الإنساني للصراع. بهذا، ساهم زغاري في إحداث تغيير في كيفية قراءة العالم للواقع الفلسطيني، من خلال الصور التي تحمل صفة التوثيق والواقعية العالية.

دور صالح زغاري في تطوير التصوير الفلسطيني

إلى جانب عمله الفني، يلعب صالح زغاري دوراً بارزاً في دعم وتشجيع الجيل الجديد من المصورين الفلسطينيين. يقدم ورش عمل ودورات تدريبية، ويركز على نقل مهارات التصوير وأهمية دور الصورة في تعزيز الهوية الوطنية. يحرص على بناء مجتمع فوتوغرافي فلسطيني قوي، قادر على التعبير عن الذات الفلسطيني بأدوات حديثة ومهنية.

هذا الدعم المجتمعي والتعليمي يفتح آفاقاً جديدة للفنانين الشباب، ويعزز من تنوع الإنتاج الفني الفلسطيني في مجال التصوير، مما يسهم في إثراء المشهد الثقافي الفلسطيني بشكل عام.

نماذج من أعماله وتأثيرها

من أشهر أعمال صالح زغاري سلسلة الصور التي توثق يوميات الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث تظهر هذه الصور تفاصيل الحياة تحت الاحتلال، من البنى التحتية المتضررة إلى لحظات الفرح البسيطة وسط الظروف الصعبة. تعكس هذه الصور صمود الفلسطينيين وتمسكهم بحياتهم رغم كل التحديات.

أيضاً، كانت لسلسلة تصوير اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات الواقعة في لبنان وسوريا وفلسطين تأثير كبير في إثارة التعاطف الدولي، حيث أظهرت حجم المعاناة المستمرة لعقود، مما ساعد في زيادة الاهتمام الإنساني والدولي بالقضية.

الجدول التالي يوضح بعض المحطات المهمة في حياة صالح زغاري المهنية

خلاصة

صالح زغاري ليس مجرد مصور، بل هو راوي بصري يحمل على عاتقه مهمة توثيق الهوية الفلسطينية بكل تعقيداتها وآلامها وأحلامها. من خلال عمله المستمر والمتنوع، يقدم رؤية متكاملة تجمع بين الفن والواقع، لتشكل مصدر إلهام ودعم للقضية الفلسطينية في مختلف أرجاء العالم.

يبقى تأثير صالح زغاري بارزاً ليس فقط في عالم التصوير، بل في تعزيز فهم أعمق لقضية فلسطينية تحتاج إلى رواة حقيقيين يتمكنون من نقلها بحساسية ومهنية عالية، وهو نموذج يحتذى به في فن التصوير الفلسطيني والإنساني بشكل عام.

المراجع:

1. موقع وكالة الأنباء الفلسطينية – لتوثيق الأعمال الفنية الفلسطينية وتأثيرها الثقافي.

2. كتاب “الفن الفلسطيني المعاصر: التصوير الفوتوغرافي كأداة مقاومة” – تأليف مجموعة باحثين فلسطينيين.