شعر في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم

شعر عن الرسول صلى الله عليه وسلم

منذ فجر الإسلام الأول، وعندما نزل الوحي على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدأ المؤمنون يتغنون بمناقب رسول الله في الشعر والأدب، سائلين الله أن يكون لهم نصيب في حب هذا النبي الذي أخرج الأمة من ظلمات الجهل إلى نور الهداية. كان الشعراء في الجاهلية والإسلام، يصفون محاسن النبي، ويذكرون سيرته، ويحثون الأمة على محبتها واتباع نهجه. فهذا الشعر الذي تعود جذوره إلى الحقب الإسلامية الأولى، وارتبط بشكل وثيق برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، تعبير صادق عن محبة الأمة وإيمانها به، وهو يحاول أن يحيي في النفوس الذكرى العطرة لهذا النبي الكريم.

1. مكانة الرسول في الشعر العربي:

لا شك أن مكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأدب العربي كانت رفيعة للغاية، فقد شكلت سيرته مصدر إلهام لكثير من الشعراء، سواء في العصور الإسلامية أو في الأزمان التي تلت. شعرهم كان ينبض بالحماسة والمشاعر الطاهرة تجاه هذا النبي الأمي الذي جمع بين العلم والحكمة. كانوا ينشدون له قصائد تخاطب قلب المؤمن، وتنير بصيرته، وتُشعل حبًا في قلبه تجاه هذا الرجل الذي خُلق في أكمل صورة، وجاء برسالة الله إلى البشرية جمعاء.

2. شعراء مدحوا الرسول صلى الله عليه وسلم:

من أبرز الشعراء الذين مدحوا النبي صلى الله عليه وسلم في شعرهم هو الشاعر حسان بن ثابت، الذي كان يُلقب بشاعر النبي صلى الله عليه وسلم. كانت أشعار حسان ذات قوة في التعبير، وحماس في الأداء، فقد وقف على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لينشد قصائده التي تتغنى بمزاياه ومعجزاته، وتؤكد على أنه نبي الله الحق. حسان بن ثابت كان أول من رفع راية الدفاع عن النبي بالأشعار ضد أعداء الدين، وواجههم بشجاعة في ساحات الأدب كما كانت ساحات المعركة.

وفي نفس السياق، نجد أن شاعراً آخر وهو كعب بن زهير، وهو من الشعراء الذين تغنوا بحب الرسول في قصائدهم. من أشهر قصائده التي ألقاها أمام النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أسلم هي قصيدته الشهيرة “بانت سعاد”. في تلك القصيدة، يمجد كعب النبي ويشيد بفضائله وصفاته، وهو يعبر عن مشاعر الإيمان التي تغمره بعد إسلامه. لم يكن الشعراء وحدهم من تكلموا عن النبي في قصائدهم، بل كان هناك العديد من الصحابة الذين شاركوا في هذا الميدان، مثل عبدالله بن رواحة، الذي كان من أبطال بدر وأحد، وكان شعره يمتلئ بالثناء على النبي والإشادة بكرمه وحكمته.

3. نماذج من شعر مدح الرسول صلى الله عليه وسلم:

قصيدة حسان بن ثابت:
قال حسان بن ثابت في مدح النبي صلى الله عليه وسلم:

أَغَرُّ عليهِ اللّٰهُ يَحْميهِ

وَمِنْ جَحْفَتِهِ رَاحَ فَمَّيْهِ

وَمُذْ هُجِرَ غَرَّ اللّٰهُ يَحْمِيَ

بِهِ لَمْ تَأْتِي رَحْمَتُهُ سِوَا تَحْنِهِ

في هذه الأبيات، يُعبّر حسان بن ثابت عن فضل النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان محاطًا برعاية الله ورحمتِه، حيث كانت صوته وصورة وجهه النبيلة تحمل البركة والشفاء للنفوس.

قصيدة كعب بن زهير:
أما كعب بن زهير، فقد قال في مدحه للنبي:

*بانت سعادُ فقلبي اليومَ مبتلى

منازلٌ بين أيدينا لا تُحاكى

تلك الكلمات التي يقول فيها الشاعر على لسان قصيدته عن انفصال حبيبه، بانت سعاد، لتتبدل بين السطور المحبة والإشادة لرسول الله، ليكون المتنفس بعد أسفار ومواقف وحروب.

قصيدة سيدنا عبد الله بن رواحة:
تعتبر من أروع القصائد التي قيلت في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد نظم فيها بن رواحة أبياتًا عظيمة، تتغنى بكل ما يتعلق بمحبته للنبي وصبره من أجل إعلاء كلمة الله. فكان في كل حرف من شعره دعوة صادقة للتمسك بالسير على نهج الرسول.

4. شعر المديح بين التراث والحديث:

ومع مرور الزمن، لم يتوقف الشعراء عن مدح النبي صلى الله عليه وسلم، بل استمروا في نقل شعور الأمة بحبها له من خلال الأبيات التي تضج بالحنين والافتخار بهذا الرسول الكريم. ومن ضمن تلك الأبيات، نجد الشعراء في العصر الحديث، مثل الشاعر المصري حافظ إبراهيم الذي قال:

*لولاك ما حلمتُ السمواتُ العُلى

**ولا كنتُ أدركُ السُّمُوَّ بغيركَ

تُعتبر هذه الأبيات من أرقى الأبيات التي قيلت في مدح الرسول، وتحمل في طياتها من المعاني ما يتجاوز مفهوم المدح التقليدي، بل ترتبط بشكل عميق بمفهوم التقدير والتكريم الذي لا يحده زمان.

شعر المديح يثير مشاعر الأمة:

تعتبر القصائد التي تُمجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيلة فعالة لربط الأمة بتاريخها العريق والمجيد. وما يجعل شعر المديح له مكانة عظيمة في نفوس الأمة أنه يذكرها بمسيرة النبي العطرة، ويُلهمها للتمسك بهدي النبي والاقتداء به في حياتها اليومية. فالنبي صلى الله عليه وسلم ليس مجرد شخصية تاريخية، بل هو مصدر الهداية وملاذُ الراحة للنفوس المرهقة.

إن الأبيات التي يتغنى بها الشعراء لا تقتصر فقط على التفاخر بمناقب النبي، ولكنها أيضًا دعوة مفتوحة للأمة للسير على خطاه، والعمل بتعاليمه وأخلاقه التي تعد نموذجًا للإنسانية جمعاء.

5. الأثر العميق لشعر المدح في الأمة:

شعر المديح يعبر عن حالة تفاعل حية مع ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم من أثر عظيم في التاريخ. فهي تعبيرات فنية عميقة تحتفي بجوهر الرسالة التي جاء بها النبي، وهي رسالته الإنسانية التي تتجاوز الحدود الجغرافية والزمانية. تعكس هذه القصائد الإيمان العميق والوفاء لشخصية الرسول، وتُعد بمثابة تجديد للولاء والانتماء لهذا الرجل الذي غير وجه العالم.

فالقصائد التي أُلفت في مدح النبي صلى الله عليه وسلم تعد بحق جزءًا من الهوية الثقافية والدينية للأمة الإسلامية، ولا تزال ترددها الألسنة في مختلف أرجاء العالم. ولا يقتصر هذا الترديد على الزمان الماضي فقط، بل هو مستمر عبر الأجيال، بما يعكس حب المسلمين لهذا النبي الكريم.

الخلاصة:

إن المدح في رسول الله صلى الله عليه وسلم عبر الشعر يعكس أعمق مشاعر الحب والتقدير لهذا النبي العظيم. فقد كانت الأشعار وسيلة للتمجيد بنبوته وأخلاقه، ولإحياء ذكرى سيرته العطرة التي لا تزال تؤثر في ملايين المسلمين في كل زمان ومكان. الشعراء الأوائل حملوا على عاتقهم مهمة إحياء ذكرى النبي وإبراز شخصيته الفذة وخصاله النبيلة، في حين يظل شعر المدح نبراسًا يهدي الأمة الإسلامية إلى الطريق القويم.