شروط صلاة الجمعة عند المالكية
تُعد صلاة الجمعة فريضة عظيمة من فرائض الإسلام، ولها منزلة خاصة في الشريعة، إذ قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ [الجمعة: 9]. وقد أولى المالكية شأن صلاة الجمعة أهمية بالغة، وحرصوا على بيان شروطها وشروط وجوبها وصحتها بشكل دقيق ومفصل، مستندين إلى الكتاب والسنة وعمل الصحابة رضي الله عنهم.
في هذا المقال، سيتم تناول شروط صلاة الجمعة عند المالكية بالتفصيل، مع التمييز بين شروط الوجوب، وشروط الصحة، وشروط الإمامة، وشروط المكان والزمان، وذلك وفقًا لما جاء في كتب الفقه المالكي المعتمدة.
أولاً: شروط وجوب صلاة الجمعة عند المالكية
الجمعة لا تجب على كل أحد، بل اشترط المالكية شروطًا يجب أن تتوفر في المكلّف حتى تجب عليه الجمعة، وهي:
1. الإسلام
فلا تجب الجمعة على الكافر الأصلي، ولا تُطلب منه في حال كفره، لأنها من خصائص المسلمين.
2. البلوغ
فلا تجب على الصبي الذي لم يبلغ الحلم، وإن كانت صلاته صحيحة إن حضرها.
3. العقل
يشترط في وجوب الجمعة العقل، فلا تجب على المجنون ولا على فاقد الوعي، لأن التكليف مرفوع عنه.
4. الذكورة
المرأة لا تجب عليها الجمعة في مذهب المالكية، لكن إن حضرت وصلّت الجمعة فإنها تجزئها عن الظهر باتفاق.
5. الإقامة
الجمعة لا تجب على المسافر، وإنما تجب على المقيم المستقر الذي لا يُعدّ في سفر شرعي.
6. السلامة من الأعذار
كالمريض الذي يشق عليه الخروج، والخائف من ضرر محقق، كالمطر الشديد أو الخوف من الظلم أو السجن.
7. أن يكون داخل المِصر أو قريبًا منه
من الشروط الهامة عند المالكية أن يكون الشخص داخل المِصر الذي تُقام فيه الجمعة أو من توابعه القريبة بحيث يمكنه سماع النداء أو الإدراك بسهولة دون عناء أو مشقة.
ثانيًا: شروط صحة صلاة الجمعة عند المالكية
حتى تكون صلاة الجمعة صحيحة ومجزئة عن صلاة الظهر، يجب توفر شروط معينة:
1. الوقت
يشترط دخول وقت صلاة الجمعة، وهو وقت الظهر، أي بعد زوال الشمس مباشرة. ولا تصح قبل الزوال، وإن صلّيت قبل الزوال أعيدت ظهرًا وجوبًا.
2. العدد
المالكية اشترطوا حضور اثني عشر رجلاً على الأقل من أهل الوجوب والإقامة لإقامة الجمعة. ويكون هذا العدد غير الإمام، ويجب أن يحضر هذا العدد من بداية الخطبة إلى نهاية الصلاة.
3. الخطبتان
لابد لصحة صلاة الجمعة من خطبتين قبليتين، تُقامان قبل الصلاة، وتكونان باللغة العربية، ويجب فيهما ذكر الله والحث على تقواه، والصلاة على النبي ﷺ، وقراءة آية على الأقل، والدعاء للمسلمين.
4. الجماعة
الجماعة شرط لصحة الجمعة، فلا تصح أن تُصلى فرادى، بل يجب أن تُقام في جماعة، بحيث لا يقل عددهم عن اثني عشر كما سبق.
5. الإقامة بمكان الجمعة
يشترط أن تقام الجمعة في مكان معتاد للعبادة أو مكان عام داخل المصر أو ما يُلحق به عرفًا، ولا تصح في المنازل أو البوادي.
6. أن يتولاها الإمام المعتمد
من شروط الصحة عند المالكية أن يتولى الجمعة إمام مأذون له من السلطان أو من ينوب عنه في الولايات، ويُشترط فيه العدالة، وحسن القراءة، والمعرفة بشروط الصلاة والخطبة.
ثالثًا: شروط خطبة الجمعة عند المالكية
تعد خطبة الجمعة من أركان الصلاة عند المالكية، ولها شروط مفصلة تتعلق بمضمونها وصفتها:
1. أن تكون باللغة العربية
يشترط أن تُلقى الخطبة بالعربية، ولو لم يفهمها السامعون، لأن المقصود إقامة السنة وإظهار شعائر الإسلام.
2. اشتمالها على أربعة عناصر
-
ذكر الله تعالى: بأي لفظ يدل على تعظيم الله.
-
الصلاة على النبي ﷺ: ولو بلفظ مختصر مثل “اللهم صل على محمد”.
-
قراءة آية من القرآن: تكون تامة المعنى.
-
الوصية بتقوى الله: ويكون ذلك بأي لفظ يدل على الأمر بالتقوى.
3. الموالاة بين الخطبتين والصلاة
يشترط عدم وجود فاصل طويل بين الخطبتين، وبين الخطبة والصلاة. الفاصل اليسير لا يؤثر.
4. الدعاء للمسلمين
وهو من السنن المؤكدة في الخطبة الثانية، ويفضل أن يشمل الحاكم والرعية، والأمة جمعاء.
رابعًا: مكان إقامة الجمعة عند المالكية
للجمعة خصوصية في المكان عند المالكية، حيث نصوا على أنه يجب:
1. أن تُقام في المِصر
والمِصر هو البلد الكبير الذي فيه سوق دائم، ومسجد جامع، وسكان مستقرون، ويُقام فيه القضاء والولايات. ولا تصح في البوادي أو القرى الصغيرة ما لم تلحق بالمصر عرفًا.
2. لا تتعدد فيها الجمعة بلا حاجة
في الأصل، لا يجوز تعدد الجمعات في المصر الواحد إلا عند الحاجة، كضيق المسجد عن استيعاب الناس. فإن تعددت بغير حاجة، صحت الصلاة التي وقعت أولاً، وبطلت ما بعدها.
3. أن يكون المكان مهيأً للصلاة
ويُشترط أن يكون المكان الذي تُقام فيه الجمعة طاهراً، ومناسباً لأداء الصلاة، ولا مانع من كون الخطبة على منبر.
خامسًا: خصائص إمام الجمعة عند المالكية
إمامة الجمعة لا تصح من أي شخص، بل اشترط المالكية أن يكون الإمام متصفًا بعدة صفات:
| الصفة | التفصيل |
|---|---|
| الإذن من السلطان | أي أن يكون إمامًا معتمدًا رسميًا، أو مأذونًا له من طرف الحاكم أو من ينوب عنه. |
| العدالة | أن يكون عدلاً ظاهر العدالة، غير فاسق، معروفًا بصلاحه ودينه. |
| سلامة اللسان | أن يحسن النطق بالعربية قراءة وخطابة، دون لحنٍ مخلّ. |
| العلم الكافي | أن يكون عالمًا بأحكام الصلاة والخطبة وما يتعلق بهما من فقه. |
| الذكورة | لا تصح إمامة المرأة للرجال. |
| الإقامة | لا تصح إمامته إن كان مسافرًا، لأن الجمعة لا تجب عليه. |
سادسًا: السنن المؤكدة المتعلقة بصلاة الجمعة عند المالكية
رغم التركيز على شروط الوجوب والصحة، إلا أن المالكية أشاروا أيضًا إلى جملة من السنن التي ينبغي المحافظة عليها لما لها من الفضل الكبير، ومنها:
-
الاغتسال ليوم الجمعة: سنة مؤكدة عند المالكية.
-
التبكير إلى المسجد: وقراءة سورة الكهف.
-
لبس أحسن الثياب والتطيب.
-
الإكثار من الصلاة على النبي ﷺ.
-
الإنصات الكامل للخطبة وعدم العبث أو التحدث.
سابعًا: أحكام من فاتته الجمعة عند المالكية
إذا فاتت صلاة الجمعة على من تجب عليه، فإنه يصلي الظهر أربع ركعات، سواء فاتته بعذر أو بغير عذر. ومن دخل المسجد والإمام في الخطبة، فقد أدرك الجمعة، ويستمع للخطبة ثم يصلي، أما إذا دخل بعد رفع الإمام من الركعة الثانية، فيصلي ظهرًا ولا تُحسب له جمعة.
ثامنًا: رأي المالكية في تعدد الجمعات
من الأمور التي اهتم بها فقهاء المالكية مسألة تعدد الجمعة في البلد الواحد. فقد قرروا أن الأصل عدم التعدد، إلا في حال وجود ضيق أو بعد المسافة بين الأحياء. أما التعدد بدون سبب معتبر، فإنه يؤدي إلى بطلان بعض الصلوات، ما لم تُعرف الصلاة التي سبقت.
تاسعًا: الأعذار التي تسقط الجمعة عند المالكية
حدد المالكية عددًا من الأعذار التي ترفع وجوب الجمعة عن الشخص، منها:
-
المطر الشديد والبرد القارس.
-
الخوف من الظلم أو الفتنة.
-
المرض أو ضعف البدن.
-
الانشغال الضروري المُلِحّ كعلاج عاجل أو نجدة نفس.
-
عدم وجود العدد اللازم أو الإمام المأذون.
خاتمة علمية
صلاة الجمعة من شعائر الإسلام العظمى، وركن من أركان التعبد الجماعي الذي يجمع الأمة على الطاعة والذكر والموعظة، وقد أحاطها المالكية بشروط دقيقة تحفظ لها قدسيتها وتضمن صحتها. ومن خلال هذه الشروط يظهر مدى عناية المذهب المالكي بتفاصيل الأداء السليم للصلاة، من حيث الزمان والمكان والإمام والجماعة والخطبة، بما يجعل أداءها محققا للامتثال الكامل للشرع.
المراجع:
-
القرافي، الذخيرة في فقه المالكية.
-
خليل بن إسحاق الجندي، مختصر خليل مع شروح المالكية.
