شروط العمرة عن الحي والميت

شروط العمرة عن الحي والمتوفى

العمرة من العبادات العظيمة التي شرعها الله سبحانه وتعالى لعباده تيسيراً عليهم في نيل الأجر والمثوبة، وهي عبادة مستقلة عن الحج، ولها شأن عظيم في الشريعة الإسلامية لما لها من فضل عظيم، حيث ورد في الحديث الصحيح: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما». وقد أجاز الشرع الحكيم أداء العمرة عن الغير سواء كان حياً أو ميتاً بشروط وضوابط محددة، لاسيما إذا كان الشخص غير قادر على أدائها بنفسه لعذر شرعي دائم أو توفاه الله. في هذا المقال المطول سنتناول بشيء من التفصيل الضوابط والشروط المتعلقة بأداء العمرة نيابة عن الحي، وكذلك عن المتوفى، مع بيان الأحكام الفقهية وآراء العلماء المدعمة بالأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.

أولاً: مفهوم العمرة النيابة

النيابة في العمرة تعني أن يقوم شخصٌ مسلم بأداء مناسك العمرة عن شخص آخر، سواء كان هذا الآخر على قيد الحياة أو قد توفي، وذلك تبرعاً منه أو بأجر متفق عليه، ويُشترط في هذه الحالة أن تتوافر عدة شروط حتى تُعد العمرة صحيحة ومقبولة بإذن الله تعالى. وقد جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في الحج عن الميت والمريض، ومن باب القياس الصحيح أجاز العلماء العمرة كذلك.

ثانياً: حكم العمرة عن الحي

أجمع العلماء على جواز العمرة عن الحي إذا توفر فيه شرط العجز الدائم، وذلك كالشيخوخة أو المرض المزمن الذي لا يُرجى شفاؤه. أما إذا كان الشخص الحي قادراً على أداء العمرة بنفسه، فلا يصح أن يُعتمر عنه، لأن ذلك يُخالف المقصد الشرعي من التكليف.

شروط العمرة عن الحي:

1. العجز الدائم عن السفر لأداء العمرة بنفسه: ويشمل ذلك العجز الجسدي كالشلل أو الشيخوخة، أو العجز الصحي كالمصاب بمرض عضال.

2. أن يكون المعتمر قد اعتمر عن نفسه أولاً: لا يجوز للإنسان أن يؤدي العمرة عن غيره قبل أن يؤديها عن نفسه، والدليل ما ثبت في الحديث الصحيح: «ابدأ بنفسك».

3. إذن من الحي: لا بد من وجود إذن صريح من الشخص الحي المراد الاعتمار عنه، لأنه لا يُتصرف في شؤون الغير دون علمه، خاصة في الأمور التعبدية.

4. أن تكون العمرة بنية صادقة خالصة: فالنية هي أساس العبادة، ولا بد أن يُنوي الشخص أنه يعتمر عن فلان بن فلان من الناس.

5. أن يكون النائب بالغاً عاقلاً: لأن العمرة عبادة تتطلب إدراكاً كاملاً للمناسك وشروطها وأركانها.

ثالثاً: حكم العمرة عن المتوفى

اتفق جمهور العلماء من المذاهب الأربعة (الحنفية، المالكية، الشافعية، الحنابلة) على جواز أداء العمرة عن الميت، سواء أوصى بذلك قبل وفاته أو لم يُوصِ، ما دام النائب قد اعتمر عن نفسه سابقاً. واستندوا في ذلك إلى حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: “إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: نعم، حُجّي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين، أكنت قاضيته؟ اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء”. وهذا يدل على جواز النيابة في العبادات المالية والبدنية لمن عجز عنها أو مات قبل أن يؤديها.

شروط العمرة عن المتوفى:

1. أن يكون النائب قد اعتمر عن نفسه أولاً: وهذه قاعدة فقهية مقررة، فلو اعتمر عن الميت قبل أن يعتمر عن نفسه فإن عمرته لا تصح، لقوله صلى الله عليه وسلم: «حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة».

2. أن يكون الميت مسلماً: لا تجوز العمرة عن كافر، لأن العبادات لا تُقبل إلا من المسلم.

3. الإخلاص في النية: يُشترط أن تكون نية العمرة خالصة لله، وأن ينوِي المتعمر أنه يؤديها عن فلان بن فلان.

4. أن تُؤدى العمرة بالشروط الشرعية: أي بالإحرام من الميقات الصحيح، وأداء المناسك كاملة كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

5. عدم اشتراط الإذن: بخلاف العمرة عن الحي، فإن العمرة عن الميت لا تحتاج إلى إذن لأنه قد انقطعت تصرفاته بالموت.

رابعاً: المقارنة بين العمرة عن الحي والميت

خامساً: الأدلة الشرعية من القرآن والسنة

من القرآن الكريم:

• قال الله تعالى:
  
  ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: 196]
  
  أي أن العمرة عبادة مستقلة، والتأكيد على الإتمام يدل على أهمية أداء المناسك بإتقان.

من السنة النبوية:

• حديث ابن عباس رضي الله عنهما: “أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يستوي على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم” [رواه البخاري ومسلم].

• حديث عبد الله بن عباس: “أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن أبي مات ولم يحج، أفأحج عنه؟ قال: نعم” [رواه الترمذي].

سادساً: مسائل فقهية تتعلق بالنيابة في العمرة

مسألة 1: هل تجوز العمرة عن أكثر من شخص في سفرة واحدة؟

لا يجوز للمعتمر أن يُهدي عمرته لأكثر من شخص في نفس العمرة، لكن يمكن له أن يؤدي أكثر من عمرة في سفرته الواحدة، بحيث يُحرم من جديد بعد كل عمرة ويُهدي كل واحدة لشخص مختلف، إن كان في مكة فترة كافية.

مسألة 2: هل يجوز تقاضي أجر مقابل الاعتمار عن الغير؟

اختلف العلماء في ذلك، لكن جمهورهم أجاز ذلك إذا تم الاتفاق على الأجر بشرط ألا يكون القصد من العمرة هو المال فقط، بل لا بد من وجود نية صادقة لطلب الأجر والثواب أولاً.

مسألة 3: هل للعمرة عن الغير فضل كفضل العمرة للنفس؟

الفضل في الأجر والثواب يرجع إلى الله سبحانه وتعالى، لكن النية تلعب دوراً أساسياً، وإذا أخلص النائب النية فإن الله عز وجل يُثيبه كما يثيب من اعتمر لنفسه.

سابعاً: أمور يجب مراعاتها أثناء الاعتمار عن الغير

• الالتزام بالسنن النبوية في أداء المناسك: كالدعاء، والذكر، والطواف بخشوع.

• الدعاء أثناء المناسك للشخص المُعتمر عنه: وقد أفتى بعض العلماء بأن من الخير أن يدعو النائب للميت أو الحي الذي اعتمر عنه في مناسك العمرة.

• الابتعاد عن الرياء والسمعة: فالعبادة لا تُقبل إن لم تكن خالصة لله تعالى.

خاتمة

العمرة عن الحي العاجز أو عن المتوفى باب عظيم من أبواب البر والإحسان، فقد فتحه الله لعباده ليعوضوا من فاتهم أداء الشعائر لعذر أو لانتهاء الأجل. وهي من صور التعاون على البر والتقوى، وقد جاءت السنة النبوية بإقرار ذلك بشرط توافر الضوابط الشرعية التي ذكرناها. لذلك فإن النيابة في العمرة ليست فقط جائزة بل مستحبة في كثير من الحالات، خاصة إذا اقترنت بنية صادقة وإخلاص لله سبحانه وتعالى، وكانت ضمن حدود ما أباحته الشريعة.

المراجع:

1. ابن قدامة، المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل.

2. النووي، شرح صحيح مسلم.