شروط الاستطاعة في الحج

شروط الاستطاعة في الحج

يُعدّ الحج أحد أركان الإسلام الخمسة التي فُرضت على المسلمين، وهو فريضة تؤدى مرة واحدة في العمر لمن استطاع إليه سبيلًا، كما ورد في قول الله تعالى: “وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ” [آل عمران: 97]. فالاستطاعة شرط أساسي لوجوب الحج، وتُعدّ ضابطًا شرعيًا يحدد مَن يجب عليه أداء هذه الفريضة ومن لا يجب عليه. ولأهمية هذا المفهوم، تناول العلماء الاستطاعة بالتفصيل وبيّنوا شروطها وأركانها الجسدية والمالية والأمنية، سواء للرجل أو للمرأة.

في هذا المقال، نتناول بشمولية شروط الاستطاعة في الحج، موضحين معانيها وأنواعها، ومتى تتحقق وكيف يُعامل من لم تتحقق في حقه، مدعومًا بالأدلة الشرعية وآراء الفقهاء.

تعريف الاستطاعة في اللغة والاصطلاح

الاستطاعة في اللغة تعني القدرة والتمكن، وقد وردت في القرآن الكريم في عدة مواضع بمعنى الإمكان والطاقة.

أما في الاصطلاح الفقهي، فتعني امتلاك المسلم القدرة البدنية والمالية والأمنية على أداء مناسك الحج دون مشقة خارجة عن المعتاد، على وجهٍ يتمكن فيه من إتمام المناسك دون ضرر يلحق به أو بغيره.

أنواع الاستطاعة

قسم العلماء الاستطاعة إلى عدة أنواع تتفرع من بعضها، وهي:

1. الاستطاعة البدنية

وهي قدرة الإنسان على السفر وأداء المناسك من طواف وسعي ووقوف بعرفة ورمي الجمرات والمبيت في منى والمزدلفة. ولا تكون هذه الاستطاعة متحققة فيمن يعاني من مرض مزمن أو إعاقة دائمة تمنعه من أداء المناسك.

2. الاستطاعة المالية

وهي أن يكون لدى المسلم مال زائد عن حاجاته الأساسية (كالطعام، والمسكن، والملبس، ونفقة من يعول) يكفي لتكاليف الحج ذهابًا وإيابًا، مع تكاليف الإقامة والمعيشة في مكة والمدينة إن دعت الحاجة. كما يجب أن يكون المال من مصدر حلال.

3. الاستطاعة الأمنية

أي أن يكون الطريق إلى الحج آمنًا، ولا يوجد فيه خطر على النفس أو المال أو العرض. فإذا كان الطريق محفوفًا بالحروب أو اللصوص أو الاضطرابات، فإن الحج لا يجب على المسلم حينها حتى يأمن الطريق.

4. الاستطاعة بالنائب (الاستنابة)

وهذه الاستطاعة تخص من لا يستطيع الحج بنفسه لعذر دائم كمرض عضال أو كبر سن، لكنه يملك القدرة المالية لتوكيل من يحج عنه. ففي هذه الحالة يجب عليه أن ينيب غيره بالحج عنه، وهذا ما يسمى “الحج بالنيابة”.

شروط تحقق الاستطاعة

لكي يُعد المسلم مستطيعًا، لا بد من توفر الشروط التالية تفصيلًا:

أولًا: الشروط العامة

1. الإسلام

فلا يجب الحج على غير المسلم ولا يصح منه، لأنه عبادة لا تقبل إلا من مسلم.

2. البلوغ

الحج لا يجب على الصغير، وإن كان يصح منه إذا أداه لكنه لا يجزئه عن حجة الإسلام، ويجب عليه أداؤه مجددًا بعد البلوغ.

3. العقل

فلا يجب الحج على المجنون أو من يعاني من فقدان دائم للعقل، لأنه غير مكلّف شرعًا.

4. الحرية

لا يجب الحج على العبد المملوك، لعدم تمام ملكيته للمال وعدم قدرته على السفر دون إذن سيده. وإن حج فإنه يُعد تطوعًا لا يسقط عنه الفريضة إذا أُعتق.

5. الاستطاعة

كما ذكرنا سابقًا، وهي شرط وجوب وأداء معًا. فمن لم تتوفر فيه لا يجب عليه الحج.

تفصيل شروط الاستطاعة

1. وجود الزاد والراحلة

وهما المال والوسيلة التي تنقل الحاج إلى بيت الله الحرام وتعيده، مع القدرة على النفقة في الطريق وأثناء الإقامة. وقد ورد في الحديث الشريف أن النبي ﷺ سُئل عن الاستطاعة فقال: “الزاد والراحلة” [رواه الترمذي].

الزاد

هو كل ما يحتاجه الحاج من طعام وشراب ومأوى طيلة رحلة الحج، بحيث لا يقع في فقر أو مشقة مفرطة تؤثر على صحته أو أمنه.

الراحلة

هي الوسيلة التي تنقله إلى مكة وتعيده إلى بلده، بحسب العرف السائد، سواء كانت دابة في الزمن الماضي أو وسائل النقل الحديثة كالحافلات والطائرات اليوم.

2. أمن الطريق

يتطلب أمن الطريق أن يكون خاليًا من الحروب والفتن والقراصنة، وأي خطر يعرض الحاج للهلاك أو الخوف الشديد. فإن لم يتوفر الأمن لم يجب الحج.

3. صحة البدن

لا يجب الحج على من لا يستطيع التحمل البدني للمناسك، كأن يكون مصابًا بمرض مزمن أو يعاني من كبر السن الذي يمنعه من الوقوف الطويل أو السير لمسافات.

4. وجود المحرم للمرأة

يشترط في حج المرأة وجود محرم بالغ عاقل معها، سواء كان زوجًا أو قريبًا محرمًا لها (كأبيها أو أخيها أو ابنها)، وذلك لحمايتها من الأخطار المحتملة. وقد ورد أن النبي ﷺ قال: “لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم” [رواه البخاري].

ملاحظة

أجاز بعض العلماء المعاصرين حج المرأة مع رفقة آمنة في ظل وجود التيسيرات الأمنية والتنظيمية الحديثة، ولكن الأصل والأرجح هو اشتراط المحرم.

الحالات التي لا تتوفر فيها الاستطاعة

1. العجز الجسدي المؤقت

من كان يعاني مرضًا يمكن الشفاء منه، كمن أصيب بوعكة صحية أو خضع لجراحة، فإن الحج لا يجب عليه في تلك السنة، ويؤجل حتى يشفى.

2. العجز الجسدي الدائم

كمن يعاني من شلل أو كبر سن مفرط يمنعه من أداء الشعائر، فحينئذ يجب عليه توكيل غيره بالحج، بشرط أن يكون قد عجز عجزًا دائمًا لا يُرجى زواله.

3. عدم توفر المال

إذا لم يكن للإنسان مال زائد عن نفقاته الأساسية ونفقات من يعول، فلا يجب عليه الحج.

4. الديون الثقيلة

من عليه ديون مستحقة الأداء تُقابل ماله، فلا يجب عليه الحج حتى يسدد دينه، لأن حق الدائن مقدم على النفقات التطوعية.

حكم من حج دون استطاعة

من حج وهو غير مستطيع، كأن اقترض مالًا لا يقدر على سداده، أو حج على حساب نفقة أهله المحتاجين، فإن حجه صحيح إن تم بشروطه وأركانه، لكنه آثم لتركه الأولويات الشرعية. وأما من حج وهو لا يملك نفقات الحج ويعتمد على سؤال الناس، فقد ورد في ذلك نهي صريح عن التسوّل لأجل الحج.

الفرق بين الحج الواجب وحج التطوع في الاستطاعة

الحج الواجب: يشترط فيه الاستطاعة، ولا يُطلب ممن لا تتوفر فيه شروطها.

حج التطوع: لا يجب حتى لمن سبق أن أدى الفريضة، ولا يُستحب أداؤه إذا ترتب عليه إهمال حقوق واجبة كنفقة الأسرة أو سداد الدين.

الجدول التالي يوضح أركان الاستطاعة مقارنة بآثارها الفقهية:

أقوال الفقهاء في الاستطاعة

• المالكية: أكدوا أن الاستطاعة لا تتم إلا بعد قضاء الديون الضرورية وتأمين حاجات العيال.

• الحنفية: اعتبروا أن الاستطاعة تتحقق بالزاد والراحلة فقط.

• الشافعية: أضافوا شرط أمن الطريق والقدرة البدنية.

• الحنابلة: جمعوا بين كل ما سبق، واعتبروا أن توفر المال، وأمن الطريق، والقدرة، شرط مجتمعة.

الخاتمة

إن الاستطاعة ليست مجرد شرط في ظاهر النصوص، بل هي مبدأ مقاصدي يُراعي ظروف الناس وحاجاتهم ويحفظ التوازن بين أداء الفريضة ومراعاة الضرورات. وبغياب أحد عناصر الاستطاعة، لا يكون الحج واجبًا ولا يُؤثم المسلم بتركه، بل يُرجى له الأجر بنيته وصدقه إن كان ينتظر توفر شروط الاستطاعة في المستقبل. وقد أكدت الشريعة على عدم تكليف النفس بما لا تطيق، فجعلت من الاستطاعة شرطًا رحيمًا وميزانًا دقيقًا لتحديد من يُكلف بالحج ومن يُعذر.

المراجع

1. الشيرازي، المهذب في فقه الإمام الشافعي، دار الفكر.

2. ابن قدامة، المغني، دار الفكر للطباعة والنشر.