شروط الاستجمار في الإسلام

شروط الاستجمار

يُعدّ الاستجمار أحد الطُرق المشروعة للتطهر بعد قضاء الحاجة، ويُعتبر بديلاً مشروعاً عن الاستنجاء بالماء، شريطة توافر جملة من الشروط التي تضبطه وفق ما قررته الشريعة الإسلامية. ويُستدل على مشروعية الاستجمار بآيات وأحاديث كثيرة تدل على أن الإسلام دين يُراعي أحوال الناس ويسّر عليهم في الطهارة والنظافة، فشرع الاستجمار بالحجارة أو ما يقوم مقامها إذا تعذر وجود الماء، أو لم تكن هناك حاجة ملحّة لاستخدامه.

في هذا المقال، سيتم استعراض المفهوم العام للاستجمار، وأهميته، وأحكامه، مع التركيز الشديد على الشروط التي تجعل منه وسيلة صحيحة ومعتبرة شرعًا للتطهر.

أولاً: تعريف الاستجمار

الاستجمار في اللغة مأخوذ من “الجَمْر”، وهو الحصى، وأصله استعمال الحجارة في إزالة النجاسة، ثم توسع المعنى ليشمل كل ما يقوم مقام الحجارة من مواد طاهرة جافة تُنقِي المحل من النجاسة. وفي الاصطلاح الشرعي، يُعرَّف الاستجمار بأنه: إزالة الخارج من السبيلين بمُطهِّر غير مائع، كالحجارة أو المناديل الورقية وما شابهها، بشرط تحقق الطهارة.

ثانياً: الفرق بين الاستنجاء والاستجمار

لفهم شروط الاستجمار بدقة، من المهم التمييز بينه وبين الاستنجاء:

• الاستنجاء: إزالة النجاسة بالماء.

• الاستجمار: إزالة النجاسة بجامد طاهر، كالمناديل أو الحجارة.

وقد دلّ الحديث الشريف على جواز الاقتصار على الاستجمار إذا استوفى شروطه؛ كما في حديث سلمان رضي الله عنه: قال له المشركون: “قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة!”، فقال: “أجل، نهانا أن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار”.

ثالثاً: حكم الاستجمار

الاستجمار جائز شرعاً، بل هو كافٍ في التطهر إذا تحققت شروطه كاملة. وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن الاستجمار يُجزئ إذا أنقى المحل، ولا يُشترط الجمع بينه وبين الاستنجاء بالماء، إلا إذا لم يُحقق الإنقاء. وقد روى الإمام مسلم في صحيحه أن النبي ﷺ كان يستجمر بالحجارة ويكتفي بها، مما يدل على جواز الاقتصار عليها.

رابعاً: شروط الاستجمار

لقد بيّن الفقهاء جملة من الشروط الواجب توفرها في الاستجمار ليكون صحيحًا، وتُقسَّم هذه الشروط إلى نوعين: شروط متعلقة بالمُستَعمَل في الاستجمار، وشروط متعلقة بالمحل (أي موضع النجاسة).

1. أن يكون المُستَعمَل طاهراً

يُشترط أن يكون الشيء الذي يُستخدم في الاستجمار طاهراً، فلا يجوز الاستجمار بنجس كالعظام أو الروث أو أي مادة ملوثة. والدليل على ذلك قوله ﷺ: “لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام، فإنه زاد إخوانكم من الجن” (رواه الترمذي وأحمد).

2. أن يكون المُستَعمَل جامداً

يُشترط أن يكون المادة المستخدمة في الاستجمار جامدة، فلا يصح الاستجمار بمائع كالعسل أو الزيوت أو غيرها من السوائل، لأن هذه لا تُحقق المقصود من إزالة النجاسة بطريقة تمتص وتُزيل دون أن تزيد الأمر سوءًا.

3. أن يكون له قدرة على الإنقاء

يجب أن يكون ما يُستَعمل في الاستجمار قادرًا على إزالة عين النجاسة، أي أن يُحقق الطهارة المعنوية والحسية. فإذا استُعمل شيء لا يُزيل أثر الخارج من السبيلين، فإن الاستجمار لا يصح ولا يُجزئ.

4. أن يكون من غير المُحرَّم استعماله

لا يجوز الاستجمار بشيء له حرمة ذاتية ككتب العلم الشرعي، أو بما فيه ذكر الله، أو أشياء لها احترام في الشرع. وكذلك لا يُجزئ الاستجمار بشيء مغصوب أو مسروق.

5. عدد المسحات أو المواد لا يقل عن ثلاث

من الشروط المهمة أن يُستعمل في الاستجمار ثلاث مسحات على الأقل، كما جاء في الحديث: “من استجمر فليوتر” (رواه البخاري). ومعنى ذلك أن أقلّ عدد يُجزئ في الاستجمار هو ثلاث مسحات، فإن لم يحصل الإنقاء بها، زاد رابعة وخامسة حتى يُنقّى المحل، ويُسنّ أن يُجعل العدد وتراً: ثلاث، خمس، سبع، وهكذا.

6. أن لا يتعدى الخارج موضع العادة

يشترط لصحة الاستجمار أن يكون الخارج (البول أو الغائط) لم يتجاوز محل خروجه المعتاد، فإن تعدى إلى مناطق واسعة من الجسد، فلا يُجزئ حينها الاستجمار، بل يجب الاستنجاء بالماء. وذلك لأن الاستجمار مخصص للأذى الذي يبقى في موضعه المعتاد، أما ما يتعدى الموضع، فلا يُنقّى إلا بالماء.

7. أن لا يكون الخارج مائعاً نجساً كالبول فقط

إن كان الخارج هو البول فقط، فإن بعض العلماء يُفضلون الاستنجاء بالماء؛ لأن البول مائع ويتشرب بالجلد والثياب، بخلاف الغائط الذي يمكن إزالته بسهولة بالجوامد. ولكن القول الراجح أن الاستجمار يُجزئ للبول أيضًا إذا تحقق الإنقاء التام.

8. أن يتم الاستجمار فورًا بعد قضاء الحاجة

الفقهاء يشترطون أن لا يفصل بين قضاء الحاجة والاستجمار وقت طويل قد يؤدي إلى جفاف النجاسة والتصاقها بما يُصعِّب إزالتها بالجوامد، وبالتالي يُصبح الماء هو الخيار الواجب. فإن طال الفصل بين الفعلين وأدى ذلك إلى عدم تحقق الإنقاء، وجب الانتقال إلى الاستنجاء بالماء.

خامساً: الحالات التي لا يُجزئ فيها الاستجمار

• إذا لم يُحقق الإنقاء.

• إذا تم استعمال مواد نجسة.

• إذا وقع الخارج في غير محله المعتاد.

• إذا استُعملت مواد مائعة أو محرّمة.

• إذا تُرك الاستجمار لفترة طويلة بعد التبرز.

سادساً: آداب الاستجمار

بالرغم من أن الشروط تُركّز على الجوانب الفقهية، إلا أن هناك جملة من الآداب التي يُستحب مراعاتها أثناء الاستجمار، منها:

• استخدام اليد اليسرى فقط.

• الابتعاد عن الطرقات وأماكن الاجتماع.

• عدم الاستجمار بما فيه ذكر الله.

• اختيار الأماكن المستورة.

• الاقتصار على عدد وتري من المسحات.

سابعاً: مقارنة بين الاستنجاء والاستجمار من حيث الشروط والوسائل

ثامناً: أقوال الفقهاء في شروط الاستجمار

1. الحنفية:

اشترطوا أن يكون الاستجمار بثلاثة أحجار طاهرة، وأجازوا الاستجمار بكل ما ينقي، مع التنبيه على أن الماء أفضل في جميع الأحوال.

2. المالكية:

أكدوا على اشتراط الإنقاء دون الالتزام بعدد معين، ولكن رأوا أن العدد الوتر أولى، وأجازوا استخدام ما سوى الأحجار إن كان مطهرًا ومنقّيًا.

3. الشافعية:

يُشترط عندهم ثلاثة أحجار أو ما يقوم مقامها مع وجوب الإنقاء، وعدم تعدي الخارج المحل المعتاد.

4. الحنابلة:

رأوا أن الاستجمار جائز إن لم يُجاوز الخارج موضعه، واشترطوا الطهارة والإنقاء والعدد الوتر.

تاسعاً: أهمية الاستجمار في التشريع الإسلامي

شرع الإسلام الاستجمار تسهيلاً ورحمة بالناس، وخصوصًا في البيئات الصحراوية التي يندر فيها الماء. كما أنه يُبرز بوضوح شمولية الشريعة الإسلامية ومرونتها في التعامل مع الأمور الفطرية، حيث أعطت البدائل والخيارات بما يُراعي اختلاف الأحوال والظروف، دون أن يُخلّ ذلك بطهارة المسلم أو عبادته.

عاشراً: متى يُفضّل الجمع بين الاستنجاء والاستجمار؟

في بعض الأحوال، يُستحب أو يُفضّل الجمع بين الاستجمار والاستنجاء، أي استخدام الجوامد أولاً لإزالة عين النجاسة، ثم غسل المحل بالماء لإتمام الطهارة. وهذا ما يُعرف عند الفقهاء بـ “الجمع بين الطهورين”، وهو فعل يُثاب عليه المسلم إن فعله لما فيه من الاحتياط وتحقيق الكمال.

المصادر والمراجع

• ابن قدامة، المغني.

• النووي، روضة الطالبين وعمدة المفتين.