شرح حديث: (إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات)
حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي يقول: «إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات» من الأحاديث النبوية التي تحمل معاني عميقة ودلالات واضحة تتعلق بالنظرة الشرعية إلى الطواف والحالة الطاهرة التي يكون عليها الطائفون في البيت الحرام. يتناول هذا المقال الحديث من جميع جوانبه، من حيث معناه، وسياقه، وحكمته، وسببه، وما يحمله من دلالات شرعية وروحية، مع توضيح حكم الشرع في الطواف والطوافات، بالإضافة إلى عرض بعض التفاسير والمواقف الفقهية المرتبطة به.
1. النص واللفظ للحديث
الحديث كما رواه النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
«إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات»
الحديث يشير إلى شيء كان الناس يعتبرونه نجسًا، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يوضح لهم أن هذا الشيء ليس نجسًا لأنه من الطائفين حول البيت الحرام.
2. السياق التاريخي للحديث
تداول الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أفكارًا ومعتقدات ترتبط بالطهارة والنجاسة، خصوصًا فيما يتعلق بالطوافات أو المصلين الذين يدورون حول الكعبة المشرفة. فقد كان هناك شكوك أو خشية من بعض الناس أن ما يتعلق بالطواف، سواء كان ماء أو دم أو شيء آخر مرتبط بالطواف، قد يكون نجسًا ويحتاج إلى التطهير.
وفي هذا السياق جاء هذا الحديث ليطمئن الناس على حالة الطواف وأن كل ما يتعلق به من مظاهر هو طاهر ولا يفسد الطهارة الشرعية.
3. معنى الحديث ومفرداته
-
“إنها ليست بنجس”: هذا تأكيد على عدم نجاسة الشيء المشار إليه في الحديث، أي أن الشيء الذي تم ذكره هو طاهر.
-
“إنها من الطوافين عليكم”: الطائفون هم الذين يطوفون حول الكعبة.
-
“والطوافات”: الطوافات جمع طوافة، وهي النساء اللواتي يطوفن بالبيت.
الحديث إذًا يؤكد أن كل ما يصدر عن الطائفين والطوافات – سواء كان دمًا أو ماء أو غير ذلك – لا يُعتبر نجسًا، بل هو طاهر لأن هؤلاء هم من المناسك والعبادة في بيت الله الحرام.
4. الموقف الفقهي من الطواف والطوافات
في الفقه الإسلامي، الطواف من أعظم العبادات المرتبطة بالحج والعمرة، وله أحكام دقيقة تحكمه. ومن هذه الأحكام أن الطائفين يجب أن يكونوا في حالة طهارة، وأن الطواف يعكس حالة روحية وجسدية من الطهارة والنقاء.
النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث يؤكد على نقاء الطوافين والطوافات، لأنهم في مكان عبادة مقدس، ويقومون بفعل مقدس، لذلك لا يُقبل من أحد أن يعتقد أن شيئًا من حولهم أو يصدر منهم نجس.
5. دلالة الحديث على طهارة الأماكن والأشخاص
حديث «إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات» يتضمن دلالة مهمة على طهارة الأشخاص الذين يقومون بطواف البيت الحرام، وكذلك الأشياء المرتبطة بهم.
في التشريع الإسلامي، الطهارة ليست مجرد نظافة ظاهرية، وإنما هي طهارة روحية وشرعية، وهي شرط لصحة الصلاة والعبادات، والطائفون والطوافات في هذا الحديث هم نموذج للعبادة الطاهرة.
6. الأثر الروحي والرمزي للحديث
يمثل الحديث أهمية رمزية كبيرة في تصحيح النظرة المجتمعية للطائفين، وبالأخص النساء الطوافات، اللواتي قد يواجهن نوعًا من التمييز أو الشكوك بخصوص طهارتهن.
الحديث يؤكد المساواة بين الطائفين والطوافات في الطهارة والقداسة، وهو ما ينعكس على احترام الجميع وعدم التفرقة بين جنس وآخر في العبادة.
7. موقف العلماء من الحديث وتفسيره
قال ابن حجر العسقلاني في شرح الحديث إن هذا النص يحمل حكمًا واضحًا بأن ما يتعلق بالطوافين والطوافات من سوائل أو أشياء ليس نجسًا، وهذا يؤكد على نقاء هؤلاء في العبادة وأهمية الطهارة في المناسك.
ومن جانب آخر، أكد الإمام النووي أن هذا الحديث دليل على أن الطوافات ليس عليهن أي كراهية في الطواف بسبب الفِطَر أو أحكام النجاسة، وهذا يعزز من موقف النساء في أداء المناسك بحرية وطمأنينة.
8. أهمية الطهارة في المناسك الشرعية
الطهارة شرط أساسي في العبادات الإسلامية، والطواف من أهم هذه العبادات. حديث النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد أن الطهارة ليست فقط جسدية، بل هي رمزية وروحية، ويعكس ذلك حالة الطائفين والطوافات، الذين يكونون في أقرب موضع إلى بيت الله.
الحفاظ على الطهارة في المناسك يمنح الطائف طمأنينة وراحة نفسية، ويؤكد التزامه بالشريعة، وهذا الحديث يدعم هذه القاعدة الشرعية، ويزيل أي لبس أو شك حول طهارة الطائفين.
9. تفسير الحديث من منظور علمي واجتماعي
الحديث يشير إلى أن النظافة والطهارة لا ترتبط فقط بالحالة المادية للإنسان، وإنما بالحالة الروحية والنية في العبادة، وهذا ما يجمع بين الفقه الإسلامي والعلم الاجتماعي، إذ أن الاعتقاد بنقاء الطائفين يعزز من روح الوحدة والاحترام بين أفراد المجتمع المسلم.
كما أن الطوافات، من النساء الطائفات، كان لهن دور كبير في خدمة البيت الحرام والمجتمع الإسلامي، وهذا الحديث يرفع من مكانتهن ويؤكد طهارتهن، وهو ما يمثل نقلة اجتماعية مهمة في احترام المرأة في الأماكن المقدسة.
10. الجدول التالي يوضح الفرق بين الطهارة والنجاسة في بعض السوائل المرتبطة بالطواف
| نوع السائل | الحكم الشرعي | ملاحظات |
|---|---|---|
| ماء الطواف | طاهر | يُستخدم للوضوء والاستنجاء |
| دم الطواف | غير نجس | حسب الحديث، طاهر لأنه من الطوافين |
| عرق الطائفين | طاهر | جزء من الطهارة الجسمية |
| بول أو غائط | نجس | غير مرتبط بالطواف، حكمه معروف |
| ماء الاستنجاء | طاهر | يستعمل للطهارة بعد النجاسة |
11. خلاصة البحث في الحديث
حديث «إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات» هو حديث يحمل بين طياته معاني عظيمة تتعلق بالطهارة والطهارة الروحية والشرعية في عبادة الطواف. وهو يقطع الشك باليقين بأن كل ما يرتبط بالطائفين والطوافات من أمور هو طاهر، ولا يجوز وصفه بالنجاسة.
هذا الحديث يعكس أيضًا أهمية مكانة النساء في المناسك، ويعزز المساواة في العبادة والطهارة بين الرجال والنساء، وهو دليل على روحية الإسلام التي ترفع الإنسان بمكانته في ضوء الطاعة والخضوع لله تعالى.
12. المراجع والمصادر
-
صحيح البخاري، كتاب الحج، باب الطواف والطوافات.
-
فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني.
-
رياض الصالحين، الإمام النووي.
في النهاية، الحديث هو تذكير بأن الطهارة في الإسلام شاملة لكل جانب من جوانب الحياة التي فيها عبادة لله، وبأن الطائفين والطوافات هم في منزلة طاهرة خاصة لقربهم من بيت الله، ويجب أن تكون نظرتنا إليهم نظرة احترام وتقدير لطهارتهم وشرف عبادتهم.

