شرح حديث الأضحية وتفسيره

شرح حديث: “من وجد سعة ولم يضحِ فلا يقربن مصلانا”

الحديث الشريف الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: “من وجد سعة ولم يضحِ فلا يقربن مصلانا”، هو حديث ذو دلالة عظيمة في شريعة الإسلام. في هذا المقال، سنحاول أن نفصل معاني هذا الحديث ونتناول تداعياته في حياة المسلمين، مبرزين أهمية سنة الأضحية في الإسلام وتوضيح مفردات الحديث ومعناه في السياق الشرعي والاجتماعي.

أولًا: نص الحديث

الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، وهو حديث صحيح يبين فيه النبي صلى الله عليه وسلم موقفًا شرعيًا هامًا يتعلق بالقدرة على أداء الأضحية في عيد الأضحى. جاء الحديث على النحو التالي:

• “من وجد سعة ولم يضحِ فلا يقربن مصلانا”.

ويمكن أن نقوم بتوضيح معاني الكلمات في هذا الحديث، حيث إن “الحد” في اللغة يشير إلى الاستطاعة أو القدرة على أداء شيء ما. و”سعة” تعني الثراء أو القدرة المادية. أما “الضحى” فتعني أضحية عيد الأضحى، وهي ما يُذبح من الأنعام (الأبقار، الإبل، أو الغنم) في أيام عيد الأضحى كقربان لله تعالى.

ثانيًا: فهم الحديث في سياقه

يحتوي الحديث على دلالة مهمة للمسلمين، حيث يربط بين “القدرة المادية” وبين “الإقبال على العبادة”، وتحديدًا على “الأضحية”. فإذا كان المسلم يمتلك القدرة المالية ولا يقوم بالذبح في عيد الأضحى، فهو بذلك لا يلتزم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

في هذا السياق، “من وجد سعة” تعني: من كان في حال مادي يسمح له بشراء الأضحية وذبحها، وكان لديه القدرة على القيام بذلك. وبالتالي، يُفهم من الحديث أن ذبح الأضحية واجب على المسلمين القادرين ماديًا على أدائها.

تتضح خطورة الإهمال في أداء هذه السنة من خلال نص الحديث، حيث يُنذر الذين يتقاعسون عن أداء الأضحية دون مبرر شرعي أو عذر مقبول. كما أن تحذير النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث – “فلا يقربن مصلانا” – يضيف نوعًا من اللوم والعتاب للمسلمين الذين يتوافر لديهم المال ولكنهم يتجاهلون أداء الأضحية.

ثالثًا: المقصود بسنة الأضحية

1. الأضحية في الشريعة الإسلامية

الأضحية هي من السنن المؤكدة في الإسلام في أيام عيد الأضحى، وهي عبادة ثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية، ويقصد بها ذبح الأنعام (الغنم، البقر، الإبل) تقربًا إلى الله تعالى. الأضحية تعتبر من شعائر الإسلام العظيمة التي يجب أن يؤديها المسلمون الذين يستطيعون مادياً.

وردت العديد من الأحاديث النبوية التي تحث على أداء الأضحية، منها حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه، الذي قال فيه: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين، أملحين أقرنين، ذبحهما بيده”. وهذا يؤكد أن الأضحية سنة مؤكدة وذات فضل عظيم في الإسلام.

2. من هم الذين تجب عليهم الأضحية؟

الحديث يبين أن الأضحية ليست فرضًا على كل مسلم، بل هي فرض على القادرين عليها. وفي هذا السياق، القادر على الأضحية هو الشخص الذي يملك القدرة المالية على شراء الأضحية وتوفير تكاليف ذبحها وتوزيع لحومها، مع عدم وجود أعذار شرعية أو ظروف قهرية تمنعه من ذلك.

تجب الأضحية على الشخص البالغ العاقل المستقل ماليًا، بينما لا تجب على الفقير أو الشخص الذي يعاني من عجز مادي. لذلك، فإن الحديث الشريف يوجه المسلم إلى أن يبذل جهدًا في أداء هذه السنة، ولكن دون تكليف فوق طاقته.

رابعًا: لماذا يُحذر من التقاعس عن الأضحية؟

1. الدلالة على فقه العبادة

النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث لا يضع مجرد تنبيه للمسلم القادر على الأضحية فقط، بل يعزز في قلب المسلم معنى أن العبادة في الإسلام لا تتعلق فقط بالنوافل في الصلاة أو الصيام، بل في كل مناحي الحياة. العبادة في الإسلام تشمل الأفعال التي تظهر طاعة الله تعالى في جميع مجالات الحياة، بدءًا من الطاعات الكبرى مثل الصلاة، إلى الأعمال التي تُظهر الإحسان والكرم، كالأضحية.

2. التوجيه الاجتماعي والإجتماعي للمجتمع

يُعتبر أداء الأضحية في مجتمع المسلمين شكلاً من أشكال التضامن الاجتماعي، حيث يتم توزيع لحم الأضحية على الفقراء والمحتاجين. يعتبر ذلك من أرقى صور التعاون بين أفراد المجتمع المسلم، ويجسد روح التكافل الاجتماعي.

إذا تمت الأضحية من قبل الجميع، فإنها تساهم في تقوية أواصر المحبة والتعاون بين المسلمين، خاصة في أيام العيد التي تحتاج إلى هذا النوع من المشاركة في الفرح.

3. التنبيه على أهمية الالتزام بالسنة

في الحديث يظهر أن سنة الأضحية ليست مجرد ممارسة اجتماعية أو تقليد ثقافي، بل هي عبادة ذات قيمة كبيرة في الإسلام. فالتقاعس عن أداء الأضحية من القادرين على ذلك يعتبر إهمالًا لسنة مؤكدة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ما يجب أن يتحاشاه المسلمون الأتقياء الذين يسعون إلى اتباع سنن النبي في كافة أمورهم.

خامسًا: كيفية أداء الأضحية

1. متى يتم ذبح الأضحية؟

يبدأ وقت الأضحية بعد صلاة عيد الأضحى مباشرة، ويستمر حتى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق. يجب على المسلم أن يحرص على ذبح الأضحية في الوقت المحدد، ويُفضل أن يبدأ ذبح الأضاحي بعد صلاة العيد.

2. ما هي شروط الأضحية؟

تشترط الشريعة الإسلامية أن تكون الأضحية خالية من العيوب مثل العمى أو المرض الشديد أو العرج المانع. كما ينبغي أن تكون الأضحية من الأنعام المباحة، كالغنم أو الأبقار أو الإبل، وتختلف أنواع الأضاحي بحسب ما يتوفر في المنطقة.

3. كيفية توزيع الأضحية؟

من المستحسن أن يتم توزيع جزء من الأضحية على الفقراء والمحتاجين، وجزء آخر على الأقارب والأصدقاء. ويمكن للمتبرع أن يحتفظ بجزء منها لنفسه ولأسرته. هذا التوزيع يهدف إلى نشر الخير بين أفراد المجتمع، ويعزز من الترابط الاجتماعي بين المسلمين.

سادسًا: الخاتمة

الحديث الشريف “من وجد سعة ولم يضحِ فلا يقربن مصلانا” هو تحذير للذين يمتلكون القدرة المالية على أداء الأضحية ولكنهم يقصرون في أداء هذه السنة العظيمة. لا تكمن أهمية هذا الحديث في مجرد أداء الشعيرة، بل في تأثيرها الكبير على المجتمع الإسلامي ككل، حيث تجسد الأضحية روح التعاون والتكافل.

يجب على المسلم أن يسعى جاهدًا لتحقيق هذه السنة النبوية، مستشعرًا معاني التضحية والإيثار، ومحققًا في ذلك أجرًا عظيمًا عند الله تعالى. وفي هذا الإطار، فإن الحديث يدعونا جميعًا للعمل على تعزيز مفاهيم التكافل الاجتماعي والتضامن بين أفراد المجتمع، وأن يكون كل مسلم يعي قيمة الأضحية كعبادة ذات أبعاد اجتماعية وروحية عظيمة.

المراجع:

• حديث عبد الله بن عمر عن الأضحية.

• مسند الإمام أحمد.