شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز

شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي: دراسة موسعة في بيان أصول الإيمان عند أهل السنة والجماعة

يعد كتاب شرح العقيدة الطحاوية للإمام علي بن علي بن محمد بن أبي العز الحنفي الدمشقي (ت. 792هـ) من أبرز الشروح التي تناولت نص العقيدة الطحاوية، التي وضعها الإمام أبو جعفر الطحاوي (239–321هـ)، أحد كبار علماء المذهب الحنفي في القرن الثالث الهجري. وقد جاء هذا الشرح في وقت كثرت فيه البدع والانحرافات العقدية، وكان له دور كبير في توضيح العقيدة الإسلامية على منهج أهل السنة والجماعة، جامعًا بين النقل الصحيح والعقل الصريح، ورافضًا للتأويلات الكلامية التي سادت في بعض المدارس الفكرية آنذاك.

يمثل هذا الكتاب مرجعًا متينًا في تقرير عقائد السلف، حيث استند ابن أبي العز في شرحه إلى الأدلة من القرآن والسنة، وأقوال الصحابة والتابعين، مستشهدًا كذلك بأقوال أئمة الإسلام، كالإمام أحمد بن حنبل، والشافعي، ومالك، وسفيان الثوري، وغيرهم. وهو شرح يحمل في طياته ردودًا علمية دقيقة على الفرق الكلامية كالمعتزلة، والجهمية، والأشاعرة، والكلابية، ويُعد من أوضح الشروح السلفية للعقيدة الإسلامية في تراث أهل السنة.

منهج المؤلف في الشرح

يتميز شرح ابن أبي العز الحنفي بوضوح المنهج وتوازن العرض، حيث يجمع بين:

• التحليل العقدي العميق: فلا يكتفي بالنقل، بل يعمد إلى تحليل الأقوال وبيان ما يوافق منها عقيدة السلف وما يخالفها.

• الربط بين النقل والعقل: يتجنب في منهجه التقليد الأعمى، ويحرص على مطابقة النقل الصحيح مع المعقول الصريح.

• الرد على الفرق: يخصص مساحات واسعة للرد على انحرافات الفرق الكلامية، وخاصة في مسائل الصفات، والقدر، والإيمان، والتوحيد.

• التحقيق في الألفاظ والمعاني: كثيرًا ما يبين الفرق بين المصطلحات اللغوية والشرعية، ويُجلّي المعاني الدقيقة التي ربما تُشكل على القارئ.

موضوعات الكتاب العقدية

يغطي الكتاب أبرز أبواب العقيدة، بأسلوب شَرحي مفصّل ومدعوم بالأدلة، ومن أهم الموضوعات التي تناولها:

1. الإيمان بالله وأسمائه وصفاته

يُقرر ابن أبي العز أن الإيمان بأسماء الله وصفاته يجب أن يكون على ظاهر النصوص، دون تحريف أو تعطيل أو تأويل أو تمثيل. فهو يوافق السلف في إثبات الصفات الإلهية كما جاءت، مثل: السمع، والبصر، والوجه، واليدين، والاستواء، من غير تشبيه ولا تكييف، مستندًا إلى قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: 11].

2. التوحيد

يُفصّل في التوحيد بأقسامه الثلاثة:

• توحيد الربوبية.

• توحيد الألوهية.

• توحيد الأسماء والصفات.

ويُرد على الفرق التي انحرفت في فهم هذه الأقسام، كالجهمية والمعتزلة، مع بيان أثر التوحيد في السلوك والدعوة.

3. القدر

يشرح المؤلف عقيدة أهل السنة في الإيمان بالقدر، بأن الله خلق كل شيء، وأنه يعلم ما كان وما سيكون، وكتب مقادير الخلائق، وخلق أفعالهم، مع إثبات المسؤولية الإنسانية وعدم رفع التكليف.

ويُفصّل في المراتب الأربع للإيمان بالقدر:

• العلم.

• الكتابة.

• المشيئة.

• الخلق.

4. الإيمان

يتبنى المؤلف القول بأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ويشمل: القول، والعمل، والاعتقاد، بخلاف المرجئة الذين حصروه في التصديق فقط. ويُفصّل القول في منزلة العمل في الإيمان، وأثر المعاصي على أصل الإيمان.

5. النبوة والرسل

يفصّل ابن أبي العز في صفات الأنبياء، وعصمتهم، وصدقهم، والمعجزات التي أيّدهم الله بها، مع بيان فضل نبينا محمد ﷺ وختم النبوة به.

6. الشفاعة والحوض والميزان والصراط والجنة والنار

ينقل المؤلف أقوال السلف في هذه القضايا الغيبية، ويُثبتها جميعًا كما جاءت في النصوص، ردًا على من أوّلها أو أنكرها. ويُبرِز أهمية الإيمان بعذاب القبر، ونعيمه، والحياة البرزخية، والبعث والنشور.

7. صحابة النبي ﷺ

يقرر المؤلف فضل الصحابة والسكوت عما جرى بينهم، ويحذر من الطعن فيهم أو الغلو في بعضهم دون بعض. ويفصل في مكانة الخلفاء الراشدين، والرد على الرافضة والخوارج.

الجدول التالي يُبرز مقارنة بين أهم الفرق العقدية التي ناقشها المؤلف وبيان موقفه منها:

القيمة العلمية للكتاب

يمثل هذا الشرح نقلةً كبيرة في التأليف العقدي الحنفي، إذ جمع بين الالتزام بالمذهب الفقهي الحنفي والتمسك بالعقيدة السلفية، وهي مزية قلّ أن توجد في كتب العقيدة، خاصة في البيئة التي كان يغلب عليها الطابع الكلامي عند متأخري الحنفية.

وقد أثنى على هذا الشرح علماء السلف والخلف، ومنهم الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد بن صالح العثيمين، والشيخ الألباني، الذين اعتنوا به شرحًا وتدريسًا وتحقيقًا، لكونه يمثل مرجعية معتبرة في تقرير العقيدة.

أهمية الكتاب في السياق المعاصر

تزداد أهمية هذا الشرح اليوم مع كثرة المؤلفات الفلسفية والعقلانية المعاصرة التي تغفل عن النص الشرعي أو تُخضعه لمفاهيم غربية. كما يبرز الكتاب كمرجع تربوي وعلمي يمكن الرجوع إليه في المساجد والمعاهد والجامعات، لشرح أصول الإيمان الصحيح، ومواجهة الانحرافات الفكرية والعقدية.

وقد تم تدريسه في كثير من الجامعات والمعاهد الإسلامية، وأُدرج ضمن مناهج العقيدة، خصوصًا في كليات الشريعة والدراسات الإسلامية. كما قامت دور نشر معاصرة بطباعته وتحقيقه، منها دار ابن الجوزي ودار السلام، مع تعليقات من علماء معاصرين.

تحقيقات وشروح معاصرة

تم تحقيق الكتاب في عدة طبعات علمية دقيقة، منها:

• تحقيق الدكتور عبد الله التركي: وهي من الطبعات العلمية المعتمدة، وصدرت عن مؤسسة الرسالة.

• شرح الشيخ عبد العزيز بن باز: وقد قام بشرحه في دروس صوتية.

• شرح الشيخ ابن عثيمين: وهو من الشروح العصرية التي بينت أهمية الكتاب، وقد نُقل شفهياً في دروس علمية موثقة.

• شرح الشيخ صالح آل الشيخ: تناول الشرح بتوسّع مع ربطه بواقعنا المعاصر.

خاتمة

يُعد كتاب شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي من أنفس ما أُلّف في باب العقيدة الإسلامية، يجمع بين العمق العلمي والوضوح المنهجي، مع حرص على عرض العقيدة كما كانت عند سلف الأمة. إنه كتاب يرسخ العقيدة في النفوس، ويضع معايير سليمة للفهم الصحيح للإيمان، بعيدًا عن الجدال الكلامي، ومن هنا استحق مكانته البارزة في مكتبة العقيدة الإسلامية.

المراجع:

1. شرح العقيدة الطحاوية، تأليف الإمام ابن أبي العز الحنفي، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة.

2. شرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين على العقيدة الطحاوية، موقع الشيخ الرسمي.