شجرة الزقوم في القرآن

شجرة الزقوم: رمز العذاب في النص القرآني وعقيدة الجزاء الأخروي

مقدمة

شجرة الزقوم تمثل في التراث الإسلامي إحدى أبرز الصور المجازية والحسية التي ورد ذكرها في القرآن الكريم للتعبير عن العقوبة الشديدة للكافرين في الآخرة. فهي ليست مجرد شجرة تحمل صفات مادية قاسية، بل هي تجسيد دقيق لمعاني العذاب، والنقمة، والجزاء العادل. يكتسب الحديث عنها أبعادًا دينية وعقائدية وتفسيرية عميقة، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمفهوم الجحيم في الإسلام، وتتداخل مع تصورات البشر عن المصير الأخروي، والعدل الإلهي، وما أعدّه الله عز وجل للظالمين والمكذبين بيوم الدين.

يمتد الحديث عن هذه الشجرة إلى ميادين التفسير والبلاغة والعقيدة، ويثير أسئلة حول طبيعة النار والآخرة ومكونات الجحيم، كما يعكس الإعجاز البياني والوعظي في القرآن الكريم الذي يخاطب القلوب والعقول معًا.

تعريف شجرة الزقوم

شجرة الزقوم هي شجرة ورد ذكرها في القرآن الكريم على أنها تنبت في قعر جهنم، وتُعد طعامًا لأهل النار. هي شجرة ذات طلع كأنه رؤوس الشياطين، لا يُتصور أن تصلح للأكل أو تكون مصدر غذاء، ولكنها تُفرض عليهم فرضًا، ويأكلون منها رغم شدّة مرارتها ونتن طعمها. ومن الآيات التي ورد فيها ذكر هذه الشجرة:

“ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ، لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ، فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ، فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ”

[الواقعة: 51–54]

“إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ، طَعَامُ الْأَثِيمِ، كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ، كَغَلْيِ الْحَمِيمِ”

[الدخان: 43–46]

أصل الكلمة ودلالاتها

كلمة “الزقوم” في اللغة العربية تعود إلى الفعل “زقَمَ”، وهو يدل على الأكل بشراهة مع اشمئزاز أو الكراهية، أو البلع المتعسّر، وهي حالة تنطبق تمامًا على الموصوف في الآيات. وقد جاء في بعض معاجم اللغة أن “الزقوم” هو الطعام المكروه، الشديد المرارة، الذي يُضطر إليه اضطرارًا. هذه الدلالة اللغوية تقوي المعنى القرآني الذي يُبرز بشاعة هذه الشجرة ومذاقها.

أوصاف شجرة الزقوم في القرآن

جاء وصف شجرة الزقوم في أكثر من موضع في القرآن، وتكاملت الصورة لتعبر عن الأبعاد التالية:

1. مكان النبت

الشجرة تنبت في “قعر جهنم”، أي في أسفل النار وأشدّ مواضعها حرًا ولهيبًا. وهذا يشير إلى تناقض ظاهري مقصود؛ فالشجر لا يُتصور أن ينبت في النار، ولكن في هذا التعبير تجلٍ للإعجاز، وبيان لقدرة الله تعالى على خرق السنن المألوفة في الآخرة.

2. الهيئة

القرآن يصفها بأنها كـ”رؤوس الشياطين”، وهذا تصوير بلاغي فيه استحضار لمشاهد مرعبة تعكس القبح، والبشاعة، والخوف. فقد شبه طلعها، وهو ثمرها، برؤوس الشياطين، وهم من أبغض المخلوقات إلى قلوب البشر، في تأكيد لقبح منظرها.

3. الطبيعة الكيميائية

يوصف ما في بطون آكليها بأنه يغلي كغلي الحميم، أي الماء المغلي بشدة. وهذا يُظهر أن أثرها لا يقتصر على الطعم واللون، بل يمتد إلى تفاعلات جسدية داخلية تشعل النار في الأحشاء.

4. الإجبار على أكلها

الآيات القرآنية تذكر أن الكافرين سيأكلون منها ويملؤون بها بطونهم، رغم علمهم بنتائج ذلك، وكأنها تُفرض عليهم، ولا يُتاح لهم غيرها، في مشهد من مشاهد الجزاء الإلهي الذي لا مهرب منه.

الدلالات العقائدية لشجرة الزقوم

1. العدالة الإلهية

الزقوم ليس مجرد رمز للعذاب، بل هو تعبير عن عدالة الله عز وجل في معاقبة من كفر بنعمه وجحد آياته وكذب رسله. فالله سبحانه لا يُعذب أحدًا إلا بعد أن يُقيم عليه الحجة.

2. الرد على المستهزئين

ورد في القرآن أن بعض المشركين سخروا من ذكر شجرة الزقوم، وقالوا: “هاتوا لنا منها”، فجاء الرد الإلهي قاطعًا بأنهم سيذوقونها فعلاً يوم القيامة، ويعرفون حقيقتها التي سخروا منها في الدنيا.

3. عقيدة البعث والنشور

الإيمان بشجرة الزقوم جزء من الإيمان بالآخرة، وبما أعدّه الله من ثواب وعقاب. والحديث عنها يرسّخ في النفوس عقيدة الجزاء، وأن الآخرة حق، والنار حق، وأن الوصف ليس مجازًا بل حقيقة قائمة.

شجرة الزقوم في كتب التفسير

أولى المفسرون هذه الشجرة اهتمامًا كبيرًا، وبرزت في كتاباتهم على أنها من أبرز علامات العذاب الأخروي، وتنوعت آراؤهم في تحليل طبيعتها ومعانيها:

1. ابن كثير

قال إنها شجرة خبيثة في قعر النار، ثمرها قبيح المنظر شديد المرارة والنتانة، تنبت من أصل الجحيم، ولا يُتصور وجودها في الدنيا. وعلّق على تساؤل البعض حول كيفية نبتها في النار بأنها من سنن الآخرة التي تختلف عن الدنيا.

2. القرطبي

ذكر أنها شجرة مخصوصة خلقها الله لتكون طعامًا لأهل النار، وهي من صور البلاء والعذاب، ورفض التفسير المجازي القائل بأنها تعبير عن الألم فقط، بل أكد أنها شجرة حقيقية قائمة في عالم الغيب.

3. الرازي

طرح احتمالات فلسفية وتأويلات، لكنه عاد ليؤكد أن المراد بها شيء محسوس يُلقَى في النار ليكون مصدر ألم متجدد، وأن التشبيه برؤوس الشياطين جاء ليقرّب المعنى إلى الأذهان.

الزقوم في الثقافة الإسلامية والوعظ الديني

تُستخدم شجرة الزقوم كثيرًا في الخطب الدينية والدروس الوعظية للتذكير بعذاب الآخرة، ولحثّ الناس على الطاعة والتوبة، وعلى تجنب مسالك الكفر والنفاق. وغالبًا ما تُذكر مع بقية أهوال يوم القيامة مثل الحميم، والسلاسل، والجحيم، لتشكّل صورة متكاملة عن سوء المصير لمن أعرض عن ذكر الله.

وفي بعض الأعمال الأدبية الصوفية والوعظية، يُوظف ذكر الزقوم بوصفه أداة تأمل وتوبة، إذ يُستحضر كمثال على العذاب الأبدي، مقابل الثواب العظيم في الجنة.

الجوانب البلاغية والإعجازية في وصف الزقوم

الأسلوب البلاغي الذي وُصفت به شجرة الزقوم في القرآن يتسم بالإيجاز الشديد والتأثير العميق:

• التشبيه بـ”رؤوس الشياطين” من أبلغ صور التشويه المرعب.

• الجمع بين الطعم الكريه، والحرارة الداخلية، وفرض الأكل قسرًا، يعطي إحساسًا بالعذاب الكامل الحسي والنفسي.

• التكرار في أكثر من سورة يعزز الترسيخ في الذهن ويوصل الرسالة بوضوح.

الفرق بين طعام أهل الجنة وطعام أهل النار: دراسة مقارنة

مكانة شجرة الزقوم في العقيدة الإسلامية

من منظور العقيدة، لا يُفترض التعامل مع شجرة الزقوم كرمز فقط، بل كعنصر من عناصر العالم الغيبي الذي ينبغي الإيمان به تصديقًا لما أخبر به الله تعالى ورسوله. ورفض الاعتقاد بوجودها هو ضرب من إنكار النصوص القطعية، ما قد يُخرج صاحبه عن دائرة الإيمان.

وقد أكّد العلماء أن ذكرها في سياق الترهيب لا يقل أهمية عن ذكر النعيم في سياق الترغيب، لأن الشريعة جاءت لتوازن بين الخوف والرجاء، والوعيد والوعد.

الخلاصة

شجرة الزقوم ليست مجرد نبات أسطوري يُذكر في القصص الديني، بل هي عنصر أساسي في تصوير مشاهد العذاب الأخروي التي لا تقبل المجازفة أو الاستهانة. وهي تمثل جزءًا من التصور الإسلامي الكامل للآخرة، وتُعد من دلائل عدل الله وانتقامه من الظالمين، كما تؤكد أن العذاب في الآخرة متنوع الأشكال، ويطال الجسد والنفس معًا.

يمثّل وصف الزقوم في القرآن ذروة من ذرى الإعجاز البياني، حيث يُحشد الرعب في صورة نبات، فيُصوّر الشجرة وهي تلتهب نارًا وتُنتج طعامًا يشعل البطون، فتجتمع فيها النقمة المادية والمعنوية، في مشهد يقصم الظهر ويفتح أبواب التوبة لمن ألقى السمع وهو شهيد.

المصادر

1. تفسير ابن كثير، دار طيبة.

2. الجامع لأحكام القرآن – القرطبي، دار الكتب العلمية.