سورة النعم: أسمى النعم الربانية في القرآن الكريم
تعتبر سورة النعم واحدة من السور الهامة في القرآن الكريم، التي تُبرز جملة من النعم التي أنعم بها الله سبحانه وتعالى على البشر، وتستعرض مظاهر هذه النعم التي تشمل جميع جوانب الحياة. هذه السورة تدعو المؤمنين إلى شكر الله على نعمه الكثيرة والمتنوعة، وفي نفس الوقت تذكّرهم بأن الله هو المصدر الوحيد لكل ما هو خير في حياتهم.
الترتيب والمكانة
سورة النعم هي السورة رقم 16 في القرآن الكريم، وهي سورة مكية، نزلت في مكة المكرمة قبل الهجرة. تتميز هذه السورة بأسلوبها البلاغي الرائع الذي يربط بين النعم الإلهية التي أُنعم بها على الإنسان وبين واجب الشكر والامتنان لله على هذه النعم.
تعد سورة النعم من السور المتوسطة الطول، حيث تتألف من 128 آية، وتأتي بعد سورة النحل، وتستعرض العديد من المواضيع التي تتعلق بنعم الله الكثيرة على عباده، وتُحذر من الإعراض عن هذه النعم وتجاهلها.
الهدف من السورة
الهدف الرئيس لسورة النعم هو تذكير المؤمنين بتوحيد الله، وتوضيح أهمية شكره على النعم التي لا تعد ولا تحصى. السورة تقدم أسلوبًا بلاغيًّا فريدًا لبيان العلاقة بين الإنسان والنعم الإلهية التي تُستدعى للتفكر والتدبر، وتحثّ على الاعتراف بفضل الله في كافة مناحي الحياة.
يُظهر القرآن الكريم من خلال السورة كيف أن النعم الإلهية شاملة لكافة جوانب الحياة، سواء كانت نعمة في المال، الصحة، الأرزاق، أو حتى النعم المعنوية كالعقل والدين، مما يشجع المسلم على شكر الله والاستمرار في طاعته.
مظاهر النعم في السورة
تستعرض السورة العديد من النعم التي أسبغها الله على البشر، وتنقسم هذه النعم إلى نوعين رئيسيين: النعم المادية والنعم الروحية.
النعم المادية
النعمة الأولى التي تناولتها السورة هي النعم المادية التي ينعم بها الله على الإنسان، ومنها:
-
النعم الغذائية: فقد ذكر القرآن في السورة أن الله أنعم على الناس بالثمار والخيرات التي تُعد من أسباب بقاء الإنسان وحياته. يقول الله تعالى في الآية: “وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُم فِيهَا سُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ” (النحل: 15). هذه الآية تشير إلى نعم الأرض من ماء وأرض خصبة وزرع، ونعمة الطعام الذي لا يُحصى.
-
النعم الطبيعية: من بين النعم التي أشار إليها القرآن الكريم في هذه السورة هي النعم الطبيعية التي يقدمها الله للإنسان مثل الرياح التي تسبح في السماء، والماء الذي يروي الأرض، والأنعام التي يركبها الناس ويستفيدون منها.
النعم الروحية
إلى جانب النعم المادية، تتطرق السورة إلى النعم الروحية التي يمنحها الله للإنسان. وأهمها:
-
النعمة الدينية: من أبرز النعم الروحية التي ذُكرت في السورة هي نعمة الإسلام والإيمان. فقد بَيّن الله في الآية “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مِّنْ مَّاءٍ مَّازِجٍ” (النحل: 15)، حيث أن الإسلام هو الدين الذي أراده الله لعباده، وهو أسمى نعمة دينية يجب على الإنسان أن يشكر الله عليها.
-
نعمة العقل: من أعظم النعم التي وهبها الله للبشر هي نعمة العقل، الذي به يتعرف الإنسان على ربه ويعقل الأمور ويقوم بالأعمال الصالحة. وبدونه لا يستطيع الإنسان التفكر في المخلوقات أو التصرف بحكمة.
-
نعمة الهداية: الهداية إلى الطريق الصحيح هي إحدى النعم التي لا تُعد ولا تحصى، وتعد بمثابة النعمة العظمى التي حصل عليها المسلمون منذ بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومن خلالها استطاعوا معرفة الحق واتباعه.
الحكمة من النعم والابتلاءات
تشير سورة النعم إلى أن النعم التي أُعطيت للإنسان يجب أن تكون دافعًا له إلى الشكر والطاعة لله تعالى. ولكن السورة تُبيّن في نفس الوقت أن النعم قد تُحجب عن الإنسان إذا أظهر الكفر أو الجحود. فالله قد يمنح النعم ثم يختبر عباده بها، فإما أن يكونوا شكراء فتزداد النعم عليهم، وإما أن يكفروا فيُبتلون بالحجب عن هذه النعم.
يقول الله تعالى في سورة النحل: “وَإِن تَشْكُرُوا يَجْعَلْهُ لَكُمْ وَإِن تَكْفُرُوا إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ” (النحل: 7). هذا التذكير للمؤمنين بأهمية الشكر على النعم يشير إلى أن الله لا يرضى بالكفر بها، بل يُفضل الشكر والتقدير لهذه النعم.
العبرة من السورة
إن أهم عبرة تُستخلص من سورة النعم هي ضرورة الامتنان لله على كل نعمة، من النعم المادية إلى النعم الروحية. وتحث السورة المسلمين على شكر الله على هذه النعم وعدم إغفالها أو أخذها كأمر مسلم به. فكل ما في الحياة من خير ورخاء هو من فضل الله، ويجب على الإنسان أن يكون في حالة من الوعي الكامل بفضله عليه.
كما تُظهر السورة أن النعم تتفاوت بين الناس، فقد يجد البعض نعمة المال، والبعض الآخر نعمة الصحة، بينما قد يفتقر البعض إلى تلك النعم، لكن الله قد منح الجميع نعمة الإيمان والإسلام. هذه نعمة عظيمة لا تقدر بثمن، وبالتالي فإن كل مسلم يجب أن يعزز شكره لله ويستغل تلك النعم في طاعته.
خاتمة
تعتبر سورة النعم من السور العميقة التي تذكّرنا بأهمية شكر الله على نعمه المتنوعة، سواء كانت مادية أو معنوية. إن شكر الله يجب أن يكون في القلب أولًا، ثم يظهر في الأفعال، من خلال العبادة والطاعة. هي دعوة للمؤمنين للتأمل في نعم الله، وحثّ لهم على استخدام هذه النعم في خدمة الدين والمجتمع.
