سورة التوحيد:
سورة التوحيد هي السورة رقم 112 في القرآن الكريم، وهي من السور القصيرة التي تقع في الجزء 30، وتعتبر من السور المكية، أي التي نزلت قبل الهجرة. تتألف هذه السورة من أربع آيات، ومع ذلك، فقد حظيت بمكانة عظيمة في قلب المسلمين، ويُطلق عليها أيضًا اسم “سورة الإخلاص”، لأنها تُمثّل خلاصة الإيمان بالله وتوحيده.
1. التفسير اللغوي والتاريخي للسورة:
مفهوم التوحيد:
كلمة “توحيد” تعني الإيمان بأن الله واحد لا شريك له في ربوبيته ولا في ألوهيته. في اللغة العربية، يأتي فعل “وَحَّدَ” من الجذر العربي “و ح د”، وهو يشير إلى جمع الشيء وضمّه ليصبح واحدًا. ولذلك، التوحيد في الإسلام يُعد الركيزة الأساسية للإيمان بالله، حيث لا يجوز للمسلم أن يؤمن بأي شريك مع الله في أي من صفاته.
تاريخ نزول السورة:
سورة التوحيد نزلت في مكة المكرمة في فترة كانت الدعوة فيها تُواجه تحديات كبيرة من قبل المشركين الذين كانوا يعبدون آلهة متعددة. ولهذا، جاءت هذه السورة لتوضّح الحقيقة الكبرى في الإسلام، وهي توحيد الله سبحانه وتعالى. كما أن السورة كانت ردًا على المفاهيم الخاطئة التي كانت سائدة في المجتمعات المشركة آنذاك، خاصةً حول مفهوم الألوهية والتوحيد.
2. مضمون السورة ومعاني الآيات:
الآية الأولى: “قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ”
تبدأ السورة بأمر من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس: “قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ”. هنا، تشير كلمة “أَحَدٌ” إلى التفرد المطلق لله تعالى. فالله سبحانه وتعالى ليس مجرد واحد من بين العديد، بل هو الواحد الذي لا شريك له في ذاته أو صفاته. بمعنى آخر، لا يمكن مقارنة الله بأي شيء آخر؛ هو المبدأ الأول والموجود بذاته، لا بداية له ولا نهاية.
هذه الآية تتضمن في طياتها تعبيرًا عن خلوص الإيمان بأن الله تعالى ليس له شريك أو نظير. فالأحد ليس مجرد عدد، بل هو معناه أن الله تعالى فريد في أسمائه وصفاته، ولا يمكن لأي شيء أن يُشبِهَه أو يُقارن به.
الآية الثانية: “ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ”
في الآية الثانية، نجد أن الله سبحانه وتعالى يُذكر بلقب “ٱلصَّمَدُ”، وهو من الأسماء الحسنى لله. الصمد يُطلق على الله تعالى الذي لا يحتاج إلى شيء من مخلوقاته، بينما هو غنى عن كل شيء. فالله سبحانه وتعالى هو القائم بذاته، الذي لا يحتاج إلى أيّ من مخلوقاته، وفي الوقت نفسه، جميع المخلوقات بحاجة إلى الله. هذه الآية تبرز جانبًا من كمال الله وعظمته، حيث أنه لا يتغير ولا يتأثر بأي شيء من الموجودات.
الآية الثالثة: “لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ”
في هذه الآية، تأتي هذه الكلمات لتوضيح أن الله تعالى ليس له والد ولا ولد. هذه الآية تأتي لتدحض جميع المفاهيم التي كانت سائدة في الديانات السابقة التي تدعي أن الله له ولد أو شريك. وهذه الآية تُبرز عظمة الله وتفرده المطلق. فالله سبحانه وتعالى لا يشبه أحدًا في صفاته ولا يمكن لأي مخلوق أن يكون له شريك في الملك أو الوالدية أو البنوة.
