سموم في صناعة الطباعة

سموم مفروضة على عمال المطابع: واقع مرير في صناعة الطباعة

تعتبر صناعة الطباعة واحدة من أقدم وأهم الصناعات في العالم، فقد كانت لها دور حاسم في نقل المعرفة والابتكارات عبر العصور. ومع ذلك، فإن هذه الصناعة التي تعد ضرورية في حياتنا اليومية، تحمل في طياتها تحديات بيئية وصحية كبيرة، خاصة بالنسبة للعاملين فيها. بين الحبر والورق، يكمن خطر غير مرئي يهدد حياة عمال المطابع، وهو خطر السموم التي يتعرضون لها بشكل مستمر أثناء عملية الإنتاج.

إن الحديث عن سموم مفروضة على عمال المطابع ليس حديثًا عن “مشكلة محدودة”، بل هو قضية تؤثر على العديد من العاملين في هذا المجال حول العالم. في هذا المقال، سنناقش مختلف جوانب هذه القضية، بدءًا من نوعية المواد السامة التي يتعرض لها عمال المطابع، مرورًا بتأثيراتها الصحية على العاملين، وانتهاءً بالسبل المتاحة للحد من هذه المخاطر.

1. المواد السامة في صناعة الطباعة

تشمل عملية الطباعة العديد من المواد الكيميائية التي تعد شديدة السمية، والتي يتم استخدامها على نحو يومي في العديد من المطابع. على الرغم من التطور التكنولوجي الكبير الذي شهدته هذه الصناعة في السنوات الأخيرة، فإن العديد من هذه المواد ما زالت تُستخدم في عمليات الطباعة. من بين هذه المواد:

• الحبر والمذيبات الكيميائية: تحتوي أنواع الحبر المختلفة على مواد سامة مثل البنزين، التولوين، والزيلين. هذه المواد تُستخدم في تكوين الألوان وتركيز الحبر، وهي مواد تُسبب العديد من المشكلات الصحية للعمال الذين يتعرضون لها بانتظام.

• الأبخرة السامة: تتصاعد الأبخرة السامة من الحبر والمواد المذيبة أثناء عملية الطباعة، وهو ما يعرض العاملين في المطابع لأبخرة سامة قد تؤدي إلى الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي، مثل الربو المزمن وأمراض الرئة.

• المواد المستخدمة في الصيانة والتشغيل: بالإضافة إلى المواد المستخدمة في الطباعة نفسها، فإن العديد من المواد التي تُستخدم في صيانة الآلات وتعديلها تحتوي أيضًا على مواد سامة. على سبيل المثال، تعتبر الزيوت التي تُستخدم في تشحيم الآلات مواد كيميائية ملوثة، حيث يمكن أن تُطلق مواد كيميائية ضارة أثناء التعامل معها.

2. التأثيرات الصحية على عمال المطابع

تعرض عمال المطابع لهذه المواد السامة له تأثيرات صحية جسيمة على المدى القصير والطويل. قد لا تظهر التأثيرات الصحية على الفور، لكن تعرض العمال لهذه المواد السامة بشكل مستمر يؤدي إلى تراكم الأضرار. من بين الأمراض التي قد تصيب العاملين في هذا المجال:

• أمراض الجهاز التنفسي: يتعرض عمال المطابع لزيادة خطر الإصابة بأمراض تنفسية مزمنة نتيجة للتعرض المستمر للأبخرة السامة، مثل التولوين والزيلين. تتراوح الأعراض من السعال المستمر وضيق التنفس إلى مشاكل أكثر خطورة مثل الالتهاب الرئوي المزمن، ومرض الانسداد الرئوي المزمن (COPD).

• مشاكل في الجهاز العصبي: العديد من المواد الكيميائية المستخدمة في الطباعة هي مواد سامة تؤثر على الجهاز العصبي المركزي. قد يعاني العمال من صداع مستمر، دوخة، صعوبة في التركيز، وفي بعض الحالات المتقدمة، قد يؤدي التعرض المستمر لهذه المواد إلى تلف دائم في الأعصاب.

• أمراض الجلد: قد يعاني العديد من عمال المطابع من التهابات جلدية نتيجة للتعرض المستمر للحبر والمذيبات. يتسبب التلامس المستمر مع المواد الكيميائية في تهيج الجلد وظهور الطفح الجلدي أو الأكزيما.

• السرطان: تشير الدراسات إلى أن بعض المواد الكيميائية المستخدمة في الطباعة قد تكون مسببة للسرطان. على سبيل المثال، يعتبر البنزين أحد المواد التي ثبت أنها تسبب السرطان بعد تعرض طويل الأمد. لذلك، فإن عمال المطابع الذين يتعرضون بشكل مستمر لهذه المواد لديهم خطر أكبر في الإصابة بأنواع مختلفة من السرطان، بما في ذلك سرطان الرئة وسرطان المثانة.

3. غياب التدابير الوقائية

على الرغم من المخاطر الصحية الكبيرة التي يواجهها عمال المطابع، فإن العديد من المطابع لا توفر بيئة عمل آمنة للعمال. في بعض الحالات، قد لا تكون هناك إجراءات وقائية فعالة للحد من تعرض العمال لهذه المواد السامة. تعود أسباب غياب التدابير الوقائية إلى عدة عوامل، منها:

• قلة الوعي الصحي: في بعض البلدان، لا يزال الوعي بشأن مخاطر المواد الكيميائية في صناعة الطباعة منخفضًا. قد يجهل العديد من العاملين في هذه الصناعة تأثير هذه المواد على صحتهم.

• الضغط من أصحاب العمل: يعاني العديد من عمال المطابع من ضغط كبير من أصحاب العمل لتسريع عمليات الإنتاج. في بعض الأحيان، يُعتبر تطبيق إجراءات وقائية وتأمين بيئة عمل آمنة أمرًا مكلفًا ومرهقًا للمطابع الصغيرة، ما يؤدي إلى إهمال بعض جوانب السلامة.

• غياب الرقابة الحكومية: في بعض البلدان، لا توجد قوانين صارمة أو رقابة على بيئة العمل في المطابع. حتى في البلدان التي توجد فيها لوائح تنظيمية، قد تكون هناك ثغرات في تطبيق هذه اللوائح، مما يجعل العمال عرضة لمخاطر صحية مفرطة.

4. الحلول والوقاية

على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه عمال المطابع، إلا أن هناك العديد من الحلول التي يمكن أن تساعد في الحد من المخاطر التي يتعرضون لها:

• التحول إلى المواد الصديقة للبيئة: يمكن للمطابع البدء في استخدام أحبار ومذيبات صديقة للبيئة. هناك العديد من المواد البديلة التي لا تحتوي على مواد سامة مثل البنزين أو التولوين، ويمكن استخدامها بأمان أكبر.

• تحسين نظام التهوية: يجب تحسين أنظمة التهوية في المطابع لتقليل تركيز الأبخرة السامة في الجو. من خلال توفير تهوية كافية، يمكن تقليل تعرض العمال للمواد السامة وبالتالي تقليل التأثيرات الصحية السلبية.

• التدريب والتوعية: من الضروري توفير التدريب المستمر للعاملين في المطابع بشأن مخاطر المواد السامة وكيفية التعامل معها بشكل آمن. يجب أن يكون العمال على دراية بكيفية استخدام معدات الوقاية الشخصية مثل الأقنعة والقفازات للحفاظ على صحتهم.

• الرقابة والمراقبة المستمرة: يجب أن تقوم الحكومات بتطبيق قوانين صارمة بشأن سلامة العمل في المطابع، وتوفير فحوصات طبية دورية للعاملين للكشف عن أي آثار صحية نتيجة للتعرض للمواد السامة.

5. الختام

إن صناعة الطباعة ليست مجرد صناعة لإنتاج الكتب والمجلات والملصقات، بل هي صناعة يتعرض فيها العمال إلى العديد من المخاطر الصحية نتيجة للاستخدام المستمر للمواد السامة. من المهم أن تتضافر جهود أصحاب العمل، والحكومات، والنقابات العمالية لتحسين بيئة العمل في هذه الصناعة وتوفير تدابير وقائية فعالة. إن الحفاظ على صحة العاملين في هذه الصناعة ليس فقط مسؤولية أخلاقية، بل هو أيضًا ضرورة لضمان استدامة الصناعة نفسها وتوفير بيئة عمل آمنة للجميع.