الطفلة التي تضع كل شيء في فمها: الأسباب والعلاج
من أكثر السلوكيات التي قد تثير القلق لدى الأمهات والآباء هي تلك التي تتمثل في وضع الطفل لكل شيء في فمه. سواء كان ذلك داخل المنزل أو في الخارج، قد تجد الأم أن طفلها يضع أي شيء قريب منه في فمه، سواء كان لعبة، حجرًا، أو حتى ملابس. هذا السلوك، الذي قد يبدو مزعجًا في البداية، هو أمر طبيعي إلى حد ما في مراحل معينة من نمو الطفل، ولكن قد يكون له أبعاد نفسية وجسدية تحتاج إلى الفهم والمعالجة.
أولاً: لماذا تضع الطفلة كل شيء في فمها؟
1. مرحلة الاستكشاف المبكر
في السنوات الأولى من الحياة، يعتبر الفم هو الأداة الرئيسية التي يستخدمها الطفل لاستكشاف محيطه. في هذه المرحلة، تبدأ الأطفال باستخدام فمها للتعرف على الأشياء حولها. وفقًا لنظرية جان بياجيه في التطور المعرفي، فإن الأطفال في هذه المرحلة يمرون بما يُسمى بـ”المرحلة الحسية الحركية”، حيث يتعلمون عن العالم من خلال الحواس.
2. المرحلة الفموية من نظرية فرويد
يشير عالم النفس سيغموند فرويد إلى أن الأطفال في المرحلة الفموية (من الولادة إلى حوالي العام الثاني) يستخدمون فمهم كمصدر للراحة والاستكشاف. لذا، عندما تقوم الطفلة بوضع الأشياء في فمها، فهي قد تكون في مرحلة طبيعية من نموها، حيث يسعى الطفل لاكتشاف كل ما يحيط به عن طريق التذوق واللمس.
3. التخفيف من القلق والضغوط
قد يلجأ الطفل إلى وضع الأشياء في فمه كوسيلة للتخفيف من القلق أو التوتر. يحدث هذا غالبًا في الأوقات التي يشعر فيها الطفل بالضيق، مثل عند التسنين أو عند التواجد في مواقف جديدة قد تكون محيرة أو غير مألوفة له. هذا السلوك قد يكون بمثابة آلية تأقلم تساعد الطفل في الشعور بالأمان.
4. التسنين
من المعروف أن التسنين يعد من أكثر الفترات المؤلمة في حياة الطفل الرضيع. في هذه الفترة، يبدأ الطفل بوضع الأشياء في فمه بشكل مستمر لتهدئة اللثة الملتهبة. البحث عن أشياء للمضغ يمكن أن يخفف من الألم الناتج عن التسنين.
5. الفضول المفرط
يتميز الأطفال بحبهم للاستكشاف بشكل عام، وهذا يشمل كل ما يحيط بهم. في بعض الأحيان، قد تكون الطفلة فضولية للغاية وتريد التحقق من ماهية كل شيء عبر وضعه في فمها. يمكن أن يتضمن ذلك الألعاب أو حتى الأشياء غير المألوفة.
ثانياً: ما هي المخاطر التي قد تنجم عن وضع الطفل الأشياء في فمها؟
1. خطر الابتلاع
من أبرز المخاطر التي قد يتعرض لها الطفل الذي يضع كل شيء في فمه هي ابتلاع الأجسام الغريبة. قد تكون هذه الأشياء التي يضعها الطفل في فمه صغيرة بما يكفي للابتلاع، مثل الحبوب، الألعاب الصغيرة، أو قطع البلاستيك، مما قد يؤدي إلى اختناق أو إصابات في الأمعاء.
2. نقل الجراثيم والبكتيريا
تعتبر اليدين والأشياء التي يضعها الطفل في فمه بيئة خصبة لنقل الجراثيم والبكتيريا. الأطفال في مرحلة التسنين أكثر عرضة للإصابة بالعدوى لأن جهاز المناعة لديهم لا يزال في طور التطور. كما أن الأطفال يميلون إلى وضع أيديهم في أفواههم، مما يزيد من احتمال انتقال العدوى، سواء كان ذلك من سطح ملوث أو من تفاعل مع أطفال آخرين.
3. مشاكل الأسنان
عندما يضع الطفل الأشياء في فمه، قد يكون لذلك تأثير على نمو الأسنان والفم بشكل عام. ففي بعض الحالات، قد يؤدي الضغط المستمر على الأسنان إلى حدوث مشاكل في تطورها، مثل تشوه الأسنان أو صعوبة في عملية النمو.
4. تحفيز سلوكيات غير مرغوب فيها
قد يتسبب تكرار وضع الأشياء في الفم في جعل الطفل يطور سلوكًا غير مرغوب فيه، مما يؤدي إلى استمرار هذا السلوك حتى في وقت لاحق من الحياة. بعض الأطفال، على سبيل المثال، قد يواصلون وضع الأشياء في أفواههم حتى بعد أن يكبروا، مما يعكس الحاجة إلى توجيههم بشكل صحيح.
ثالثاً: كيف يمكن التعامل مع الطفلة التي تضع كل شيء في فمها؟
1. إعطاء الأشياء الآمنة للمضغ
عندما تلاحظين أن طفلتك تضع كل شيء في فمها، يمكنك تقديم أشياء آمنة للمضغ مثل ألعاب التسنين التي تم تصميمها خصيصًا لهذا الغرض. هذه الألعاب مصنوعة من مواد غير سامة وتساعد في تهدئة اللثة المتهيجة خلال فترة التسنين.
2. مراقبة البيئة المحيطة
من المهم التأكد من أن البيئة المحيطة بالطفل آمنة، وأن الأشياء الصغيرة أو غير المناسبة بعيدًا عن متناول يديها. يمكنك استخدام الألعاب الخاصة التي لا تحتوي على أجزاء صغيرة قد تنفصل وتسبب خطرًا على الطفل.
3. تعليم الطفل البدائل
من الممكن توجيه الطفل نحو سلوكيات بديلة عند ملاحظتك أنه يبدأ في وضع شيء غير مناسب في فمه. يمكنك إعطاءه لعبة أو مادة آمنة للمضغ أو حتى تشجيعه على استخدام أصابع يده للتفاعل مع الألعاب أو الأنشطة.
4. التحكم في التوتر والقلق
إذا كانت الطفلة تضع الأشياء في فمها بسبب التوتر أو القلق، فمن المهم تقديم الدعم العاطفي المناسب لها. يمكن أن تساعد تقنيات مثل التدليك أو الأغاني المهدئة على تهدئة الطفل ومساعدته في تخفيف التوتر.
5. الاهتمام بالتسنين
إذا كانت الطفلة في مرحلة التسنين، يمكنك استخدام جل التسنين أو اللهايات المخصصة لهذا الغرض. هذه الأدوات تساعد على تخفيف الألم الناتج عن ظهور الأسنان الجديدة وتقلل من رغبة الطفل في وضع الأشياء في فمه.
6. استشارة الطبيب
في بعض الحالات، قد يكون السلوك ناتجًا عن اضطراب في النمو أو قلق مستمر. في هذه الحالة، من الأفضل استشارة طبيب الأطفال المتخصص لتقديم تقييم دقيق والمساعدة في وضع خطة علاجية مناسبة.
رابعاً: الخلاصة
وضع الأطفال للأشياء في فمهم هو سلوك طبيعي إلى حد كبير ويحدث في مراحل مبكرة من حياتهم. بينما قد يكون في بعض الأحيان أمرًا مقلقًا، يمكن التعامل مع هذا السلوك بطرق بسيطة وفعالة من خلال توفير بيئة آمنة وتحفيز الطفل على استخدام أدوات آمنة. من المهم أن تكون الأمهات والآباء على دراية بمخاطر هذا السلوك واتخاذ التدابير الوقائية لتفادي الإصابات أو العدوى. ومع مرور الوقت، ومع تطور الطفل وزيادة وعيه بالعالم من حوله، يتلاشى هذا السلوك بشكل تدريجي، لكن ذلك يتطلب مراقبة وتوجيه مستمر من قبل الوالدين.
