سلوك الشراء لدى الشركات
سلوك الشراء لدى الشركات يمثل أحد الجوانب الحيوية التي تحدد كيفية اتخاذ المؤسسات قراراتها بشأن شراء المنتجات أو الخدمات التي تلبي احتياجاتها. يعتبر هذا السلوك محورياً لنجاح الأعمال، حيث يمكن أن يؤدي إلى تحسين الكفاءة التشغيلية وتحقيق أفضل العوائد المالية. يتميز سلوك الشراء لدى الشركات بخصائص تختلف بشكل كبير عن سلوك الأفراد في عمليات الشراء، ولذلك يتطلب دراسة وتحليل دقيقين لفهم العوامل المؤثرة فيه.
تعريف سلوك الشراء لدى الشركات
يشير سلوك الشراء لدى الشركات إلى العمليات التي تتبعها المؤسسة عند اتخاذ قرارات الشراء، بما في ذلك تحديد احتياجاتها من المنتجات أو الخدمات، البحث عن الموردين، التفاوض على الأسعار والشروط، ثم اتخاذ القرار النهائي بشأن الشراء. يختلف هذا السلوك عن سلوك الشراء لدى الأفراد، إذ أنه غالبًا ما يتسم بالتركيز على كفاءة العمليات والتكلفة الإجمالية، ويشمل عدداً من الأطراف التي تشارك في اتخاذ القرار مثل المديرين، والمستشارين، والفنيين، وموظفي الشراء.
العوامل المؤثرة في سلوك الشراء لدى الشركات
1. الاحتياجات الفعلية للمؤسسة
في الشركات، تبدأ عملية الشراء بتحديد احتياجات المؤسسة. يمكن أن تكون هذه الاحتياجات متعلقة بالمعدات، التكنولوجيا، أو الخدمات التي تسهم في تحسين الإنتاجية أو جودة الخدمات. على عكس الأفراد، لا يتوقف الشراء لدى الشركات على الرغبات الشخصية بل على المتطلبات الضرورية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية والتشغيلية للمؤسسة.
2. الميزانية والقيود المالية
من العوامل الأساسية التي تؤثر في سلوك الشراء هي الميزانية المخصصة لهذا الغرض. الشركات، كما هو الحال مع الأفراد، تكون مقيدة بمبالغ مالية معينة تضع حدوداً لقرارات الشراء. ولذلك، يُعد تحديد أولويات الشراء والاختيار بين المنتجات والخدمات المتاحة بناءً على التكاليف أحد الأبعاد المهمة في عملية الشراء. كما يتم النظر إلى الجدوى الاقتصادية لكل منتج أو خدمة مقارنة بالتكلفة الإجمالية التي ستتحملها الشركة.
3. الجودة والكفاءة
تولي الشركات اهتماماً كبيراً للجودة والكفاءة في المنتجات أو الخدمات التي تشتريها. ليس من غير المألوف أن تتخذ الشركات قرارات شراء بناءً على مدى جودة المنتج أو الخدمة وقدرتها على تحقيق نتائج إيجابية في العمل. فعلى سبيل المثال، قد تكون المعدات الصناعية باهظة الثمن ولكنها في المقابل توفر كفاءة أعلى وأداءً متميزاً، مما يجعلها مفضلة على الخيارات الأرخص التي قد تؤثر سلباً على الإنتاجية.
4. العلاقات مع الموردين
تعتبر العلاقات الطويلة الأمد مع الموردين أحد العوامل المؤثرة بشكل كبير في سلوك الشراء لدى الشركات. تتسم الشركات التي تشتري من موردين معينين بحوافز أكبر للحصول على خصومات وتسهيلات في الدفع وشروط أفضل. كذلك، تعتبر الثقة والاعتمادية في الموردين عنصراً حاسماً. إن التاريخ الجيد في المعاملات التجارية والوفاء بالمواعيد المحددة يمكن أن يؤدي إلى بناء علاقات تجارية قوية تسهم في اتخاذ قرارات شراء أكثر فاعلية.
5. الابتكار والتكنولوجيا
تسعى الشركات إلى متابعة أحدث الابتكارات والتطورات التكنولوجية التي يمكن أن تحسن من قدرتها التنافسية. في كثير من الأحيان، تتضمن عملية الشراء قرارًا بالاستثمار في تكنولوجيا جديدة، مثل أنظمة البرمجيات المتقدمة أو آلات الإنتاج الحديثة. يساعد هذا الابتكار في تعزيز الكفاءة وتقليل التكاليف في المدى البعيد، رغم أن استثماراته الأولية قد تكون كبيرة.
6. التأثيرات الاجتماعية والمهنية
يمكن أن تؤثر الأطر الاجتماعية والثقافية داخل المؤسسات على قرارات الشراء. على سبيل المثال، قد يتأثر المديرون التنفيذيون بآراء وآراء زملائهم في اتخاذ القرار، وقد يتبعون استراتيجيات شراء سبق أن أثبتت نجاحها. من ناحية أخرى، قد تلعب الضغوط المهنية على اتخاذ قرارات سريعة دورًا في التسرع في شراء بعض المنتجات أو الخدمات دون الفحص الدقيق.
مراحل عملية الشراء في الشركات
1. تحديد الحاجة
يبدأ سلوك الشراء لدى الشركات بتحديد احتياج فعلي أو متوقع داخل المؤسسة. قد يكون هذا الاحتياج ناتجًا عن مشكلة معينة تتطلب حلاً، مثل الحاجة إلى استبدال معدات قديمة أو تحسين قدرة الإنتاج. في بعض الأحيان، قد يتم تحديد الحاجة بناءً على تحليل استراتيجي أكبر، مثل تحسين الكفاءة التشغيلية أو دخول أسواق جديدة.
2. البحث عن المنتجات أو الخدمات
بعد تحديد الاحتياج، يبدأ الفريق المسؤول عن الشراء في البحث عن المنتجات أو الخدمات المتاحة في السوق. يتضمن ذلك مقارنة العروض المختلفة من الموردين، ودراسة الخيارات المتاحة. قد يتم استخدام منصات إلكترونية للبحث والمقارنة، أو قد يتطلب الأمر زيارة المعارض التجارية أو الاستشارة مع الخبراء الفنيين.
3. تقييم العروض
تقوم الشركات بعد ذلك بتقييم العروض التي تتلقاها من الموردين. يشمل ذلك مقارنة الأسعار، ومواصفات المنتجات، والشروط المتاحة، مثل ضمانات الجودة وخدمات ما بعد البيع. في بعض الأحيان، قد يتم إجراء اختبارات عملية للمنتجات للتأكد من ملاءمتها للاحتياجات الفعلية.
4. اتخاذ القرار
بعد تقييم العروض المختلفة، يتم اتخاذ قرار الشراء. في الشركات الكبيرة، يمكن أن تشمل هذه المرحلة عدة أطراف، بما في ذلك اللجان الداخلية التي تتخذ القرار بعد النظر في كل العوامل المترتبة على الشراء.
5. التفاوض على الشروط
عادةً ما يتضمن قرار الشراء في الشركات التفاوض على الشروط، مثل الأسعار وطرق الدفع والجدول الزمني للتسليم. قد يتم التفاوض على خصومات خاصة بناءً على حجم الشراء أو طبيعة العلاقة مع المورد.
6. تنفيذ عملية الشراء
في هذه المرحلة، يتم إتمام الصفقة وتنفيذ عملية الشراء الفعلية. يتم إرسال الطلب إلى المورد، وتنظيم الترتيبات اللوجستية لإتمام تسليم المنتجات أو الخدمات.
7. التقييم والمتابعة
بعد إتمام عملية الشراء، تقوم الشركات بتقييم المنتج أو الخدمة بناءً على أدائه في السياق الفعلي. يتم قياس ما إذا كانت المنتجات تلبي الاحتياجات الأصلية وأنها ساعدت في تحسين الكفاءة أو تحقيق الأهداف. في حالة عدم التوافق مع التوقعات، قد تضع الشركة خططًا للتعامل مع الموردين لتقديم تعويضات أو استبدال المنتجات.
أنواع الشراء في الشركات
1. الشراء التكراري
يتم في هذا النوع من الشراء شراء نفس المنتجات أو الخدمات بشكل دوري أو متكرر. وغالبًا ما يتم عندما تكون هناك حاجة مستمرة لتلبية احتياجات الإنتاج أو تقديم الخدمات. مثال على ذلك شراء المواد الخام أو قطع الغيار.
2. الشراء العرضي
في بعض الأحيان، تقوم الشركات بشراء منتجات أو خدمات بشكل عرضي عند ظهور حاجة غير متوقعة. يتم هذا النوع من الشراء في حالات الطوارئ أو عندما تظهر فرصة تجارية خاصة.
3. الشراء الاستراتيجي
يشمل هذا النوع من الشراء الاستثمارات طويلة الأجل التي تهدف إلى تعزيز قدرة الشركة التنافسية على المدى البعيد. غالبًا ما يتضمن شراء تقنيات جديدة، أو فتح شراكات مع موردين استراتيجيين.
تأثير سلوك الشراء على الشركات
1. تحسين الكفاءة التشغيلية
من خلال اتخاذ قرارات شراء مدروسة، يمكن للشركات تحسين عملياتها بشكل كبير. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي شراء معدات متطورة إلى زيادة الإنتاجية وتقليل تكاليف التشغيل.
2. المرونة في التكيف مع التغيرات السوقية
الشراء الاستراتيجي يمكن أن يساعد الشركات في التكيف مع التغيرات السوقية أو التوسع في أسواق جديدة. على سبيل المثال، إذا قررت شركة توسيع نطاق خدماتها إلى منطقة جديدة، فإن قرارات الشراء المتعلقة بالبنية التحتية والموارد ستكون حاسمة لتحقيق النجاح.
3. زيادة الأرباح
من خلال اتخاذ قرارات شراء ذكية، مثل شراء منتجات بأسعار أقل مع الحفاظ على الجودة، يمكن للشركات زيادة هوامش الربح. بالإضافة إلى ذلك، يساعد اختيار الموردين الذين يقدمون قيمة إضافية في تحسين الفعالية المالية للشركة.
الخاتمة
سلوك الشراء لدى الشركات هو عملية معقدة ومؤثرة تتطلب الفهم العميق للاحتياجات الاستراتيجية والتشغيلية. من خلال اتباع خطوات منهجية وتقييم العوامل المختلفة المؤثرة في اتخاذ القرار، يمكن للمؤسسات تحسين أدائها المالي والعملي على حد سواء.
