سعد زغلول: زعيم الأمة ورائد ثورة 1919
يُعتبر سعد زغلول من أبرز الشخصيات في تاريخ مصر الحديث، حيث لعب دورًا محوريًا في مسيرة النضال الوطني ضد الاحتلال البريطاني وسعى جاهدًا لتحقيق الاستقلال الوطني وحقوق الشعب المصري. تميزت حياته بتفانيه في العمل السياسي والاجتماعي، كما أنه خاض غمار الثورة ضد الاستعمار البريطاني وأصبح رمزًا للمقاومة والمطالبة بالحرية. منذ بداياته في مجال التعليم والسياسة وصولاً إلى قيادة ثورة 1919، ترك سعد زغلول بصمات واضحة في تاريخ مصر والمنطقة العربية بشكل عام.
النشأة والتكوين العلمي
وُلد سعد زغلول في 1 يوليو 1859 في قرية “إبيانة” بمحافظة الغربية في مصر، لعائلة نوبية الأصل. كانت نشأته في أسرة متواضعة في قريته الصغيرة، لكن هذا لم يمنع من أن يصبح واحدًا من أعظم المفكرين والزعما في مصر. تربى في بيئة اجتماعية دينية تحترم العلم، مما دفعه إلى السعي وراء التعليم من مرحلة مبكرة.
حصل زغلول على تعليمه الأولي في الأزهر الشريف، الذي كان وقتها مركزًا علميًا رئيسيًا في مصر. وبعد ذلك، أتم دراسته في المدارس الحكومية المصرية وتعلم في مدرسة الحقوق الفرنسية، حيث حصل على شهادة في الحقوق. عززت دراسته في القانون من قدراته على الفهم العميق للقوانين والأنظمة، وهو ما جعله في المستقبل يتبوأ مناصب كبيرة في الدولة ويصبح أحد الشخصيات البارزة في مجال السياسة.
المسيرة السياسية المبكرة
بدأت مسيرة سعد زغلول السياسية في أواخر القرن التاسع عشر، حين انضم إلى الحركة الوطنية التي كانت تسعى لتحرير مصر من الهيمنة البريطانية. في عام 1880، شغل زغلول منصب وكيل مجلس النواب المصري، وهو المنصب الذي مكّنه من الانخراط في العمل السياسي بشكل أوسع. كما لعب دورًا مهمًا في توجيه السياسة الداخلية والخارجية لمصر في تلك الفترة.
خلال فترة حكم الخديوي عباس حلمي الثاني، كان زغلول من المناصرين للإصلاحات السياسية والاجتماعية. وفي هذه الفترة، بدأ يتبلور في ذهنه فكرة ضرورة استقلال مصر عن الاحتلال البريطاني الذي كان يفرض نفوذه على البلاد بشكل غير مباشر. كما كانت الحركات الوطنية والشخصيات السياسية التي عمل معها في تلك الفترة، مثل مصطفى كامل وآخرين، تساهم بشكل كبير في ترسيخ الأفكار الوطنية التي سيطرت على تفكير زغلول في المراحل التالية.
ثورة 1919 ودور سعد زغلول في قيادتها
في عام 1919، أطلق الشعب المصري ثورة واسعة ضد الاحتلال البريطاني، وكان سعد زغلول في مقدمة هذه الثورة. تجسد دوره في قيادة الجبهة الوطنية ضد الهيمنة البريطانية، حيث سعى إلى توحيد الشعب المصري في مواجهة الاستعمار، مطالبًا بالاستقلال التام وتحرير مصر من القبضة البريطانية. وقد كانت هذه الثورة شاملة في نطاقها، فقد شارك فيها كل فئات الشعب المصري من طلاب وعمال وفلاحين وأعيان.
في بداية الثورة، كان زغلول يتزعم حركة “الوفد المصري” التي كانت تطالب بإنهاء الاحتلال البريطاني ومطالبة بريطانيا بتقديم وعود بتحقيق الاستقلال الكامل لمصر. كان لخطاباته الحماسية وأسلوبه القيادي دور كبير في تحفيز الشعب المصري على الاستمرار في المقاومة.
من أهم أحداث ثورة 1919 كان قرار سلطات الاحتلال البريطاني بنفي سعد زغلول إلى جزيرة مالطة بعد أن قاد الحملة السياسية المطالبة بحقوق مصر. وعلى الرغم من النفي، لم تتوقف الحركة الوطنية، بل ازدادت قوتها مع مرور الوقت، وعاد زغلول بعد بضعة أشهر من المنفى ليواصل نضاله ضد الاحتلال. لم يكن فقط زعيمًا سياسيًا بل أصبح رمزًا للحرية والمطالبة بحقوق الشعب.
فكر سعد زغلول ورؤيته لمصر الحديثة
تعتبر أفكار سعد زغلول السياسية والفكرية جزءًا من الإرث القومي الذي شكل ملامح السياسة الوطنية المصرية في القرن العشرين. كان يرى أن مصر لا يمكن أن تستقل وتحظى بالحرية إلا من خلال تحقيق وحدتها الوطنية. لذلك كان دائم التأكيد على أهمية تمثيل جميع فئات الشعب المصري في الحركة الوطنية وعدم اقتصارها على طبقة معينة.
كما كان يؤمن بأهمية التعليم والإصلاحات الاجتماعية في بناء الدولة الحديثة. كان يرى أن التعليم هو الوسيلة الأساسية لتحرير الشعب المصري من الجهل والفقر، وكان يدعو إلى نشر التعليم بين جميع الفئات الاجتماعية بغض النظر عن الخلفية الاقتصادية أو الاجتماعية. في هذا السياق، كان سعد زغلول من الداعمين للمشروعات التعليمية التي تهدف إلى رفع مستوى الوعي السياسي والاجتماعي بين فئات الشعب.
التحديات والإنجازات السياسية
على الرغم من التحديات التي واجهها، استطاع سعد زغلول أن يحقق العديد من الإنجازات السياسية المهمة لمصر. فقد كان أحد القادة الذين دفعوا باتجاه الاستقلال السياسي لمصر وتأكيد مكانتها كدولة ذات سيادة. في عام 1923، تم إعلان دستور 1923 الذي كان يحتوي على العديد من البنود التي تدعم المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكان أحد أبرز ملامح هذا الدستور هو تحديد صلاحيات الملك وتوسيع نطاق حقوق المواطن المصري.
كما تم تكريمه بلقب “رئيس الوزراء” في أول حكومة بعد الاستقلال، وذلك في عام 1924، ليحقق بذلك أحد أهم الإنجازات في حياته السياسية. في هذا المنصب، حاول زغلول أن يدير البلاد وفقًا للمبادئ التي آمن بها، وهي مبدأ العدالة الاجتماعية والمساواة بين المصريين. لكنه، على الرغم من محاولاته الحثيثة، واجه تحديات كبيرة، لا سيما من المعارضين السياسيين الذين كانوا يعتقدون أن حكم الملك فؤاد يجب أن يبقى كما هو.
موقفه من الملكية والحكومة البريطانية
كان سعد زغلول من المنتقدين الدائمين للوجود البريطاني في مصر، رغم أنه حاول في فترة معينة أن يتعاون مع الحكومة البريطانية في البداية لتحقيق بعض الإصلاحات. مع مرور الوقت، تطور موقفه ليصبح أكثر رفضًا للهيمنة البريطانية، لا سيما بعد أن شعر أن الحكومة البريطانية تتلاعب بمطالب الشعب المصري وتستمر في فرض سيطرتها على مجريات الأمور في البلاد.
فيما يتعلق بالملك فؤاد، كان زغلول لا ينظر إلى الملكية باعتبارها حجر الزاوية لاستقلال مصر. كان يطالب بملكية دستورية، لكنه كان يعارض تدخل الملك في الشؤون السياسية بشكل مباشر. كانت هذه رؤيته للمستقبل المصري الذي يتطلع إلى دولة ديمقراطية ذات سيادة.
وفاته وإرثه
توفي سعد زغلول في 23 أغسطس 1927، لكن إرثه السياسي والاجتماعي بقي حيًا في ذاكرة الشعب المصري. بعد وفاته، أصبح رمزًا للحرية والاستقلال، وظلت أفكاره ومبادئه محط احترام وتقدير في مصر والعالم العربي. تعد ثورة 1919 بقيادته واحدة من أضخم الحركات الوطنية التي ساهمت في إرساء أساس الاستقلال الوطني في مصر.
كما أن شخصية سعد زغلول كانت محل احترام لدى العديد من السياسيين والمفكرين العرب، إذ يعتبرونه من القادة الذين ساهموا في رسم خريطة حركة الاستقلال العربية. واعتبرت الثورة المصرية تحت قيادته إلهامًا للكثير من الحركات الاستقلالية في العالم العربي.
كانت حياة سعد زغلول مليئة بالنضال والمثابرة، وأثبت من خلالها أنه كان قائدًا حقيقيًا لأمته. وقد لعب دورًا محوريًا في كتابة فصل جديد من تاريخ مصر الحديث، ولا يزال يُنظر إليه كرمز للمقاومة الوطنية والشجاعة في مواجهة الظلم والاستعمار.
