أسباب سرحان طفلك بالمدرسة وعلاجها

يُعد السرحان داخل الفصل الدراسي من أبرز المشكلات السلوكية التي يلاحظها المعلمون وأولياء الأمور على حد سواء، وهو سلوك يعكس اضطرابًا في تركيز الطفل وقدرته على التفاعل مع البيئة التعليمية المحيطة به. ومع تفاقم هذه الظاهرة، تزداد الحاجة إلى فهم الأسباب الجذرية الكامنة وراءها والطرق الفعالة للتعامل معها وعلاجها بصورة علمية وتربوية.

أولاً: فهم ظاهرة السرحان

السرحان هو حالة من فقدان التركيز المؤقت، ينغمس فيها الطفل في خيالات أو أفكار بعيدة عن الواقع المحيط به. في البيئة المدرسية، يظهر السرحان على شكل شرود ذهني خلال الشرح، صعوبة في تتبع المعلم، بطء في أداء المهام، أو حتى نظرات شاردة توحي بعدم التواصل مع مجريات الحصة. وعلى الرغم من أن السرحان قد يُعد أمرًا طبيعيًا عندما يحدث بشكل عابر، فإن تكراره وتزايده يتحول إلى مشكلة تؤثر على التحصيل الدراسي والسلوك العام للطفل.

ثانيًا: الأسباب النفسية للسرحان المدرسي

1. القلق النفسي

يُعد القلق من أبرز المحفزات لشرود الذهن، وخصوصًا إذا كان الطفل يعاني من ضغوط منزلية أو مدرسية. التوتر الناتج عن الخوف من الامتحانات، ضغط التوقعات الأسرية، أو حتى القلق من التنمر والمشاكل الاجتماعية داخل الصف يمكن أن يدفع الطفل إلى الهروب إلى عالم داخلي بعيد عن الواقع.

2. اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة (ADHD)

هذا الاضطراب العصبي الشائع بين الأطفال يتضمن صعوبة في التركيز، الاندفاعية، والنشاط الزائد. الأطفال المصابون بهذا الاضطراب يعانون من شرود ذهني متكرر وعدم القدرة على البقاء منتبهين لفترات طويلة، ما يؤدي إلى تراجع أدائهم الأكاديمي وسلوكهم الصفي.

3. الاكتئاب الطفولي

قد لا يبدو الاكتئاب واضحًا في سلوك الأطفال كما هو الحال عند البالغين، لكن من أبرز علاماته ضعف التركيز، فقدان الحماسة، والانسحاب الذهني. الطفل المكتئب يميل إلى الانغلاق على ذاته ويبتعد عن المشاركة الصفية، مما ينعكس في شكل سرحان دائم.

4. صدمات نفسية غير معالجة

الطفل الذي تعرض لصدمة نفسية كفقدان أحد أفراد الأسرة، التعرض لعنف منزلي، أو مشاهدة مواقف مؤذية قد يعيش في حالة من الانفصال عن الواقع كآلية دفاع نفسي، وينعكس ذلك في شكل سرحان ذهني مستمر خلال الحصص الدراسية.

ثالثًا: الأسباب الاجتماعية والبيئية

1. بيئة منزلية مضطربة

الخلافات الأسرية، عدم الاستقرار العاطفي داخل المنزل، أو غياب أحد الوالدين يمكن أن يؤثر على الشعور بالأمان والانتماء لدى الطفل. البيئة المنزلية غير المستقرة تسهم في انشغال الطفل بمشاكل خارج الصف وعدم قدرته على التركيز على التعليم.

2. التنمر والعلاقات السلبية مع الزملاء

إذا كان الطفل يعاني من الإقصاء الاجتماعي أو التنمر داخل المدرسة، فإنه غالبًا ما ينزوي داخل نفسه كوسيلة للهروب من الألم النفسي، ويتحول إلى مشاهد صامت في الفصل بدلًا من متعلم مشارك.

3. طريقة التعليم

الأساليب التعليمية التقليدية التي تفتقر إلى التنوع والتحفيز العقلي تجعل بعض الأطفال يفقدون الحماسة والانتباه. غياب الأنشطة الحركية أو التفاعلية، والاكتفاء بالشرح النظري، يجعل الأطفال الأقل قدرة على التركيز يسرحون بسهولة.

رابعًا: الأسباب الصحية والجسدية

1. ضعف البصر أو السمع

الطفل الذي لا يرى السبورة بوضوح أو لا يسمع شرح المعلم بدقة يعاني من انقطاع في التلقي الحسي، ما يؤدي إلى تشتت الذهن وفقدان التواصل مع مجريات الدرس.

2. سوء التغذية

التغذية غير السليمة، وخاصة نقص الفيتامينات والمعادن مثل الحديد، الزنك، وأوميغا-3، تؤثر سلبًا على وظائف الدماغ والتركيز، وتجعل الطفل أكثر عرضة للسرحان.

3. قلة النوم

النوم غير الكافي أو غير المنتظم يؤدي إلى إرهاق الدماغ وضعف الأداء العقلي، مما يجعل الطفل أكثر ميلًا للشرود خلال ساعات الدراسة الصباحية.

4. اضطرابات عصبية أو معرفية

في بعض الأحيان، يكون السرحان عرضًا لاضطرابات عصبية أو تطورية كالتوحد، أو ضعف الإدراك اللغوي، أو صعوبات التعلم، وهي حالات تتطلب تقييمًا طبيًا دقيقًا وعلاجًا متخصصًا.

خامسًا: أعراض السرحان التي يجب ملاحظتها

من المهم ملاحظة مجموعة من العلامات التي قد تشير إلى وجود مشكلة مزمنة في التركيز والانتباه لدى الطفل، ومن أبرز هذه الأعراض:

• التحديق المتكرر في الفراغ أثناء الحصة

• نسيان التعليمات وعدم تنفيذ المهام

• الإجابة عن الأسئلة بإجابات غير منطقية أو متأخرة

• التأخر في إنهاء الواجبات

• التردد في الحديث أو طرح الأسئلة

• الفتور العام وعدم التفاعل مع الأنشطة الصفية

• كثرة الأحلام اليقظة

• الشرود أثناء المحادثة

سادسًا: خطوات العلاج والتعامل التربوي مع السرحان

1. التقييم النفسي والتربوي

أول خطوة في العلاج تكمن في تقييم شامل لحالة الطفل، يشمل الجانب النفسي، السلوكي، والصحي. هذا التقييم يُجرى بواسطة مختصين في علم النفس التربوي بالتعاون مع الأسرة والمدرسة، للكشف عن الأسباب الجذرية للسرحان ووضع خطة تدخل مناسبة.

2. تعديل البيئة الصفية

البيئة التعليمية المشجعة لها دور محوري في الحد من الشرود الذهني. ويمكن تعزيز التفاعل والتركيز من خلال:

• تنويع أساليب الشرح (سمعية، بصرية، حركية)

• إدخال الألعاب التعليمية والتقنيات الحديثة

• تقسيم الحصص إلى فترات قصيرة تتخللها أنشطة ترفيهية

• إشراك الطفل في النقاشات الجماعية

• توظيف الخرائط الذهنية والرسوم التوضيحية

3. الدعم الأسري

ينبغي على الوالدين تقديم بيئة منزلية داعمة وعاطفية قائمة على الحوار، الثقة، والروتين الثابت. كما أن ضبط وقت الشاشة، تعزيز العادات الصحية، والتفاعل الإيجابي مع الطفل له دور جوهري في تحسين التركيز.

4. المتابعة الطبية

إذا تبيّن أن السرحان ناتج عن أسباب صحية كضعف البصر أو نقص الفيتامينات، فلا بد من متابعة طبية دقيقة ومعالجة الحالة من جذورها. في حالات فرط الحركة أو اضطراب نقص الانتباه، قد يكون هناك حاجة إلى برنامج علاج دوائي وسلوكي مشترك بإشراف مختصين.

5. تمارين تدريب الانتباه

تُستخدم بعض التمارين المعرفية في تدريب الدماغ على تحسين التركيز والانتباه، ومنها:

• تمارين الذاكرة البصرية والسمعية

• ألعاب التركيز البصري مثل تتبع النمط أو الأشكال المتحركة

• القراءة بصوت عالٍ مع مناقشة المحتوى

• تدوين الملاحظات أثناء الشرح

6. تعزيز الثقة بالنفس

الطفل الذي يشعر بقيمته الذاتية يكون أكثر قدرة على التفاعل مع المدرسة. الثناء على الإنجازات الصغيرة، وتجنب النقد الحاد، وتعزيز الحوار الإيجابي داخل المنزل يرفع من كفاءة الطفل في الانتباه ويقلل من ميله للشرود الذهني.

جدول توضيحي لأسباب السرحان وطرق العلاج المقترحة

سابعًا: دور المعلم في الحد من السرحان

المعلم هو نقطة الاتصال الأولى بين الطفل والعملية التعليمية، ودوره لا يقتصر على نقل المعرفة بل يمتد إلى استيعاب الحاجات النفسية والمعرفية للطلاب. ويستطيع المعلم تقليل معدلات السرحان من خلال:

• مراقبة الطلاب بشكل فردي لفهم نمط كل طفل

• إشراك الطالب في المهام وتحفيزه بالمكافآت الرمزية

• توفير تغذية راجعة إيجابية

• كسر روتين الحصص بأساليب تفاعلية

• التواصل المستمر مع ولي الأمر

ثامنًا: أهمية العمل المشترك بين المدرسة والأسرة

تحقيق نتائج فعالة في مواجهة ظاهرة السرحان يتطلب شراكة متكاملة بين المدرسة والأسرة. تبادل المعلومات، حضور الاجتماعات، الاتفاق على خطط التدخل، وتقديم تغذية راجعة متبادلة يسهم في توفير دعم متكامل يرافق الطفل في كل بيئة يتواجد فيها.

المراجع

1. Barkley, R. A. (2015). Attention-Deficit Hyperactivity Disorder: A Handbook for Diagnosis and Treatment. Guilford Publications.

2. American Academy of Pediatrics. (2019). Caring for Your School-Age Child: Ages 5 to 12. Bantam.