سبب نزول سورة المرسلات
سورة المرسلات هي السورة رقم 77 في ترتيب سور القرآن الكريم، وهي إحدى السور المكية التي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة. تقع السورة ضمن الجزء 29 من المصحف الشريف، وهي تتألف من 50 آية. تنطوي السورة على العديد من الآيات التي تتحدث عن موضوعات الإيمان بالله تعالى، والبعث، والقيامة، والجزاء. والآيات تتضمن تهديدًا ووعيدًا للمكذبين بدين الله وبلقاء يوم القيامة.
قبل الحديث عن سبب نزول السورة، يجب أولاً الإشارة إلى موضوعاتها الرئيسية التي تدور حولها. يمكن تقسيم السورة إلى ثلاثة محاور أساسية:
-
التأكيد على قدرة الله تعالى: تبدأ السورة بقسم بالله تعالى، حيث يذكر الله تعالى جملة من المخلوقات التي تدل على عظمته وقدرته، مثل الرياح المرسلة، التي تفرق بين الجبال وتزيل التراب، والملائكة التي تُرسل في مهمات محددة.
-
الوعيد للمكذبين: تتناول السورة الوعيد الشديد للمكذبين بيوم الحساب، حيث يذكر القرآن أن هؤلاء المكذبين سينالون العذاب الأليم في الآخرة.
-
الحديث عن الجنة والنار: كما تتطرق السورة إلى ذكر عواقب الأعمال في الآخرة، حيث توضح أن المؤمنين سيجزون بالجنة، والمكذبين سيكون مصيرهم النار.
سبب نزول السورة
لم تذكر الأحاديث النبوية مباشرة سبب نزول السورة بشكل محدد، لكن هناك بعض الروايات التي تُشير إلى أسباب مختلفة تتعلق بالكفار والمكذبين الذين كانوا يعارضون دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة. يمكن القول إن السورة نزلت استجابةً لبعض الأحداث التي كانت تجري في حياة النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الفترة.
-
مكابرة المشركين في مكة:
في بداية الدعوة الإسلامية في مكة، واجه رسول الله صلى الله عليه وسلم معارضة شديدة من قبل مشركي قريش. كانوا يرفضون التصديق برسالة النبي صلى الله عليه وسلم ويكذبون بما جاء به من أخبار عن الآخرة. كان هذا الرفض يعكس جحودًا وتعنتًا، إذ كانوا يعتبرون ما يقوله النبي خرافات وأباطيل. في هذا السياق، نزلت سورة المرسلات، لتوبيخ هؤلاء المكذبين ولتأكيد على عاقبتهم الوخيمة في الآخرة. -
تهديدات المشركين:
بعض الروايات تشير إلى أن السورة نزلت ردًا على تهديدات المشركين الذين كانوا يستخفون بحديث النبي عن يوم القيامة وعن العذاب المنتظر للمكذبين. كانوا يستهزئون بكلام النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون إن هذا ليس إلا كلامًا فارغًا. ففي الآيات التي تبدأ بقسم الله تعالى، يؤكد القرآن الكريم أن الله تعالى قادر على أن يعذبهم في الدنيا والآخرة، ويذكر لهم ما ينتظرهم من جحيم إذا استمروا في تكذيبهم. -
التأكيد على البعث والحساب:
جزء من السبب الذي أدى إلى نزول السورة هو تأكيد عقيدة البعث والحساب. في مكة، كانت فكرة البعث بعد الموت تمثل تحديًا كبيرًا للمشركين، الذين كانوا يعتقدون أن الموت نهاية لكل شيء. لذلك جاءت السورة لتوضح أن الحياة بعد الموت حقيقة مؤكدة وأن الله سبحانه وتعالى قادر على إعادة الأموات، وأن المكذبين بالبعث سيلاقون الجزاء الأليم. -
تحذير من العواقب الوخيمة للمكذبين:
في السورة، تتكرر الآيات التي تشير إلى عواقب المكذبين بيوم القيامة. وفي هذا السياق، نجد أن السورة نزلت لتوجه تحذيرًا مباشرًا للناس من جحود الحق والتكذيب برسالة الله. كان المشركون في مكة يُصرون على كفرهم بالرغم من المعجزات الواضحة التي أظهرها النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك كانت السورة بمثابة تهديد قاطع لهم بأنه إذا استمروا في التكذيب، فإن العذاب في الآخرة سيكون شديدًا ومؤلمًا. -
مواجهة استخفاف قريش بالرسالة النبوية:
كانت قريش، بعد بداية الدعوة، تتعامل مع النبي صلى الله عليه وسلم وتوجيهاته باستخفاف شديد. فقد كانوا يعتقدون أن دعوته هي مجرد ظاهرة عابرة وأنه لن يكون له تأثير كبير في مجتمعهم. في هذا السياق، جاءت سورة المرسلات لتؤكد على أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يرسل الرسل، وأن رسالته ستحقق أهدافها في النهاية، مهما كانت محاولات المشركين في إعاقة هذه الدعوة.
دلالات السورة وأهدافها
تعد سورة المرسلات من السور التي تهدف إلى التأكيد على معاني أساسية في الإسلام، من أبرزها:
-
التأكيد على وحدانية الله وقدرته:
السورة تبدأ بالقسم بالله تعالى، وهو أسلوب قرآني يهدف إلى التأكيد على قوة الله سبحانه وتعالى وعظمته. القسم هنا هو بمثابة تأكيد للمكذبين والمشركين على أن الله قادر على كل شيء، وأنه هو الذي يرسل الرياح، والملائكة، والظواهر الطبيعية التي تتحكم في الكون. -
التحذير من يوم الحساب:
السورة مليئة بالتحذيرات للمكذبين من مصيرهم في يوم القيامة. تشير إلى أن المكذبين سيجدون أنفسهم أمام عذاب الله في جهنم، بينما سيكون المؤمنون في نعيم الجنة. -
الاعتماد على الحواس والتأمل في الكون:
في العديد من آيات السورة، يتم لفت انتباه الإنسان إلى الظواهر الطبيعية التي حوله، مثل الرياح المرسلة والجبال المرفوعة. هذه الظواهر هي آيات تدل على قدرة الله سبحانه وتعالى في خلق الكون وتنظيمه. وتهدف السورة إلى دعوة الناس للتفكر في هذه الظواهر والتأمل فيها لإدراك عظمة الخالق. -
تأكيد الحياة الآخرة:
أحد الموضوعات الرئيسية التي تتناولها السورة هو التأكيد على الحياة الآخرة، حيث تذكر السورة أن المكذبين سيواجهون العذاب في جهنم بسبب إنكارهم ليوم الحساب، بينما ينال المؤمنون جزاءهم في الجنة.
الاستجابة للمتشككين في البعث
العديد من المكذبين كان لديهم شكوك عميقة في مسألة البعث بعد الموت، وكانوا يظنون أن الموت نهاية لكل شيء. ولذلك، كانت هذه السورة بمثابة رد قاطع على هؤلاء المشككين، حيث أكدت على حقيقة البعث والحساب، وذكرت بأمثلة عديدة في التاريخ عن الأقوام الذين كذبوا برسالة الله وواجهوا العذاب في الدنيا. وتأتي هذه الآيات لتُظهر أن هناك حسابًا دقيقًا سيحدث في الآخرة لكل إنسان وفقًا لما قدَّم في دنياه.
الختام
سورة المرسلات تبرز قضية الإيمان بالآخرة بشكل كبير، وتؤكد على ضرورة الإيمان بعواقب الأعمال في الحياة الدنيا والآخرة. نزلت السورة في وقت كانت فيه مكة مليئة بالكفار والمكذبين، وكانت بمثابة تحذير شديد لهم من عاقبة التكذيب والإنكار. وقد اشتملت السورة على تصوير بديع للبعث والحساب وجزاء الأعمال، مع التأكيد على قدرة الله المطلقة على كل شيء.
