سبب عدم وجود البسملة في سورة التوبة
تعتبر سورة التوبة واحدة من السور المميزة في القرآن الكريم، فهي السورة الوحيدة التي لا تبدأ بالبسملة، وهي عبارة “بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ”. هذه السورة تقع في الجزء العاشر من القرآن الكريم، وهي من السور المدنية التي نزلت بعد الهجرة، حيث تتناول في أغلب آياتها مواضيع تتعلق بالحرب، والعداوة، والمعاهدات مع الكفار، وكذلك أحكام الحرب والجهاد.
الاختلاف البسيط: لماذا لا تبدأ سورة التوبة بالبسملة؟
تتفاوت المذاهب والآراء حول السبب الذي جعل سورة التوبة لا تبدأ بالبسملة، ولا شك أن هذا الأمر أثار اهتمام العلماء والمفسرين عبر العصور. فالبسملة التي تُعد من أولى آيات القرآن الكريم، وهي جزء لا يتجزأ من كل سورة سوى سورة التوبة، تقدم في الغالب مفهومًا عامًا للرحمة واللطف الإلهي. ولكن عدم وجود هذه العبارة في بداية سورة التوبة يعد من الظواهر التي تحتاج إلى تفسير ودراسة.
أسباب عدم وجود البسملة في سورة التوبة
-
التمييز بين سور القرآن الكريم
من أولى التفسيرات التي قدمها العلماء لعدم وجود البسملة في بداية سورة التوبة هو أن السورة تعبر عن نغمة مغايرة تميزها عن السور الأخرى. فقد نزلت هذه السورة في وقت كان فيه التوتر قد بلغ ذروته بين المسلمين والكفار، وتحديدا بعد غزوة تبوك. فالنغمة في السورة تتسم بالجدية والصرامة في التعامل مع الكفار والمنافقين، وهي تعد بمثابة إعلان نوايا في مجال التحدي، وليس المجال اللطيف المفعم بالرحمة الذي يحدده بداية البسملة. ومن ثم كان حذف البسملة في هذه السورة مرتبطًا بتحديد نوعية الخطاب: خطاب النذير والتحذير من العواقب الوخيمة للأعداء.
-
التأكيد على الهجوم والتحدي
يتفق عدد كبير من العلماء على أن سورة التوبة تمثل إعلانًا صريحًا للتحذير من عواقب الكفر والمنافقين، مما يجعل البسملة التي تعكس الرحمة والتلطف غير متوافقة مع رسالتها الصارمة. فهي تأتي في وقتٍ كانت فيه الأمة الإسلامية قد أصبحت في مواجهة مباشرة مع أعدائها، فكان من الأجدر أن تبدأ السورة بكلمات تمثل الحزم والصرامة في ردع هؤلاء الأعداء والمنافقين. فمن ثم فإن السورة بدأت بشكل يعبّر عن حسم المواقف، دون التوجه إلى الاعتبارات الودّية التي تمثلها البسملة.
-
المعنى التاريخي للسورة وأسباب نزولها
تعتبر سورة التوبة من السور التي تناولت أحداثًا تاريخية عظيمة في تاريخ المسلمين، ومنها غزوة تبوك وما تلاها من أحداث تتعلق بمعاهدات مع المشركين. ففي هذا السياق التاريخي كانت هناك ضرورة للتأكيد على جانب الجهاد وعدم التساهل مع الكفار والمنافقين، وهو الأمر الذي جعله يقتضي أن يتم التعامل مع هذه السورة بمنظور مختلف عن بقية السور. ويُقال في بعض الآراء إن السورة قد نزلت في وقت كان المسلمون بحاجة إلى بيان الموقف الحازم في مواجهة أعداء الإسلام، وبالأخص الكفار الذين نكثوا العهد، فكان من الأنسب عدم بدء السورة بالبسملة لتكون البداية أكثر قوة وصراحة.
-
استمرارية الموضوع في سورة الأنفال
من النظريات التي يدافع عنها بعض العلماء هي أن سورة التوبة هي استكمال لسورة الأنفال، وهي السورة التي تتحدث عن الجهاد والمعارك. سورة الأنفال تبدأ بالبسملة، ومن ثم يأتي الحديث عن الجهاد وفرض القتال والقتال مع أعداء الله ورسوله. وعليه، فقد ارتأى بعض المفسرين أن سورة التوبة تكمل هذه الموضوعات، لكنها لا تبدأ بالبسملة لأنها جزء من سياق السورة التي تسبقها، وهي سورة الأنفال. لذلك، لم تكن هناك حاجة لبدء السورة مرة أخرى بالبسملة، بل استمر الموضوع بشكل مباشر مع التأكيد على مفهوم الإنذار والتحذير.
-
وجهة نظر لغوية تتعلق بالبسملة
على المستوى اللغوي، يرى بعض العلماء أن البسملة تأتي كتمهيد للسورة، والتمهيد يتطلب نوعًا من اللطف والرحمة التي تتجلى في “الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ”. لكن في حالة سورة التوبة، كانت هناك حاجة لتوجيه رسالة صارمة وواضحة للمشركين والمنافقين، وهو ما جعل البسملة غير ملائمة لغويًا. كما أن السورة نفسها تحمل في طياتها تهديدًا ووعيدًا، مما يجعل من غير المناسب أن تتبدأ بكلمات تدعو إلى الرحمة والمغفرة، كما هي الحال في السور الأخرى.
-
الإشارة إلى أن سورة التوبة هي إعلان البراءة من المشركين
ومن الجوانب المهمة التي تفسر عدم وجود البسملة في بداية السورة هي أن سورة التوبة تتضمن إعلانًا بالبراءة من المشركين، خصوصًا في الآية الأولى: “بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ”. ففي هذا السياق، فإن البسملة قد تبدو غير متوافقة مع هذا الإعلان عن البراءة والقطع مع العدو. يربط بعض العلماء هذا التفسير بالاعتقاد بأن البراءة هنا تمثل بداية جديدة في التعامل مع أعداء الدين، ولا تقتضي الرحمة بقدر ما تقتضي الحسم والوضوح.
الآراء المختلفة حول السبب
فيما يتعلق بالآراء المتعددة حول سبب عدم وجود البسملة، فقد نظر بعض المفسرين إلى أن هذه الظاهرة قد تكون جزءًا من الحكمة الإلهية التي تتماشى مع تطور الأحداث في تاريخ الأمة الإسلامية. كما أن هناك بعض العلماء الذين يرون أن هذه المسألة لا تحمل وراءها سببًا دينيًا محددًا، بل هي أمر من أمور التنزيل القرآني التي لا تحتاج إلى تفسير محدد. وقد أشار بعض المفسرين إلى أنه لا يجب النظر إلى هذا الأمر بنحو من التحليل الدقيق، بل يجب أن نؤمن بوجود الحكمة في كل ما جاء من عند الله سبحانه وتعالى.
الخلاصة
إن عدم وجود البسملة في بداية سورة التوبة هو أحد الظواهر المميزة التي نجدها في القرآن الكريم. تتعدد الآراء التي حاولت تفسير هذا الأمر، إلا أن ما يمكن التأكيد عليه هو أن هذا الاختلاف قد يكون ناتجًا عن طبيعة السورة نفسها، التي تعبر عن مرحلة حرجة من تاريخ الأمة الإسلامية في مواجهة الأعداء. إن سورة التوبة تحمل رسالة قوية وعميقة، وتستدعي نوعًا من التحذير والإنذار، وهو ما يجعل حذف البسملة متوافقًا مع مضمون السورة الذي لا يحتمل اللطف والرحمة اللتين توحيان بهما كلمات “الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ”.
