سبب تسمية سورة الطارق

سبب تسمية سورة الطارق

سورة الطارق من السور المكية العظيمة التي أنزلت في المرحلة الأولى من بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتحديداً في مكة المكرمة قبل الهجرة. وهي من السور التي تميزت بجزالة الألفاظ، وقوة التأثير، والتركيز على ترسيخ العقيدة والتذكير بقدرة الله جل جلاله. سُميت هذه السورة باسم “الطارق”، وهو اسم ورد في أول آية من السورة: ﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ﴾ [الطارق: 1]، ومن هنا اكتسبت السورة تسميتها.

معنى “الطارق” في اللغة والقرآن

في اللغة العربية، يُشتق “الطارق” من الفعل “طرق”، الذي يدلّ على الضرب بشيء، أو على الإتيان ليلاً. ومن المألوف في لسان العرب أن “الطارق” هو من يأتي ليلاً، لأن الطرق في الليل كان أكثر ما يكون فيه الزيارة، فالضيف لا يسمى طارقاً إلا إذا جاء ليلاً. قال الشاعر الجاهلي:

“وما الطارقُ المُستأنِسُ الليلَ زائرًا ** بأهلكَ إلا طيفُ خلٍ تذكّرا”

أما في سياق سورة الطارق، فإن “الطارق” يشير إلى كائن سماوي يظهر في السماء ليلاً، وقد اختلف المفسرون في تحديده، لكنه في الغالب فُسِّر بأنه النجم الذي يُرى في الليل بوضوح، وله دلالة معنوية تتعلق بالإضاءة والإشراق في الظلام، كما يُستفاد من قوله تعالى: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ﴾، ثم يجيب القرآن مباشرة: ﴿النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾.

تفسير العلماء لمعنى “الطارق”

فسّر جمهور المفسرين “الطارق” بأنه النجم المضيء اللامع الذي يظهر ليلاً ويخترق ظلمة السماء، وله دلالة قوية على قدرة الله عز وجل في خلق هذا الكون الهائل المنظم. والنجم الذي وصفه الله بـ”الثاقب”، أي المضيء جداً، المتميز في إشعاعه ولمعانه، فهو يثقب الظلام بضيائه.

وقد روى الطبري في تفسيره: أن الطارق هو النجم الذي يطرق في ظلمة الليل ويظهر واضحًا لعيون الناظرين. أما القرطبي، فقد أكد أن الطارق هو كل ما يظهر ليلاً، لكنه في السورة يشير إلى النجم، لأن الله وصفه بـ”الثاقب”.

العلاقة بين اسم السورة ومضمونها

يُلاحظ أن تسمية السورة بـ”الطارق” ليست مجرد إشارة إلى ظاهرة كونية، بل هي تمهيد لموضوع السورة الأساسي، وهو بيان قدرة الله على خلق الإنسان وإعادته يوم القيامة للحساب والجزاء. ففي الآيات التالية مباشرة، يتحدث القرآن عن خلق الإنسان: ﴿فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ﴾، ويذكر أصل خلقه، ويُبَيِّن قدرة الله على بعثه من جديد. هذه القدرة يُرمَز إليها في البداية بالنجم الثاقب، كرمز للنفوذ والاختراق والهيمنة، فالطارق في هذا السياق أصبح رمزًا لما هو قوي، نافذ، مهيب، لا يخفى أثره.

والعلاقة بين الطارق وموضوع السورة واضحة: كما أن النجم يخترق الظلمة، فكذلك الحق الإلهي يخترق الجهل والإنكار، والحقيقة تتجلى مهما اشتدت ظلمة الكفر.

موقع سورة الطارق في المصحف وترتيب نزولها

تتكون سورة الطارق من 17 آية، وهي السورة السادسة والثمانون في ترتيب المصحف الشريف، وتقع في الجزء الثلاثين. وهي من السور المكية القصيرة، التي تخاطب العقل والوجدان معاً بأسلوب بليغ مركز، يحفز الإنسان على التأمل في خلقه ومصيره، وينذره بيوم الحساب.

وقد نزلت سورة الطارق في الفترة المكية الأولى، في سياق مواجهة العقيدة الجاهلية التي أنكرت البعث والنشور، فجاءت السورة مؤكدة على أن الله خالق الإنسان من ماء مهين، وهو سبحانه قادر على إعادته بعد موته، كما هو قادر على خلق الكواكب والمجرات، ومن بينها النجم الثاقب، الذي أقسم به في بداية السورة.

بنية السورة ومحاورها

تنقسم سورة الطارق إلى عدة محاور مترابطة، وكلها تصب في غاية واحدة، وهي التأكيد على عظمة الله عز وجل، وعلى حقيقة البعث، وإثبات أن كل ما في الكون يدل على وجود الله وقدرته المطلقة:

دلالة القسم بالسماء والطارق

ابتدأت السورة بالقسم بالسماء والطارق، وهذه ليست مجرد افتتاحية بل تمهيد لبيان عظمة قدرة الله. في القرآن الكريم، تأتي الأقسام في بدايات السور لتلفت انتباه السامع إلى أمر عظيم سيُذكر لاحقًا. وهنا يقسم الله تعالى بـ”السماء” و”الطارق” على حقيقة خلق الإنسان، وعلى أن الله قادر على بعثه. وهذا النوع من القسم يوحي بالعظمة، ويشير إلى أن ما بعده أمر لا يُستهان به.

السماء والنجوم تشكل أعظم مشهد بصري عرفه الإنسان منذ بداية الخليقة. وكان الناس في الجاهلية ينظرون إلى السماء ويتأملونها ويعتبرونها رمزاً للإلهام والغيب، ولهذا جاء القسم بشيء مألوف لديهم، لكنه محمّل برسالة جديدة، هي رسالة الوحي والتوحيد والبعث.

استخدام كلمة “الثاقب” ودلالاتها البلاغية

في وصف الطارق بأنه “نجم ثاقب”، استخدام بليغ لكلمة تحمل إيحاءات القوة والاختراق والوضوح. في اللغة، “ثقب الشيء” أي اخترقه ونفذ فيه. فكون النجم ثاقبًا يدل على شدة لمعانه وقوته في اختراق ظلمة الليل. وهذا تصوير بلاغي بالغ الدقة، يوحي بأن الحق مهما اشتد ظلام الكفر والجحود، فإنه لا بد أن ينفذ ويظهر، مثل النجم الثاقب في ظلمة الليل.

أهمية السورة في بناء العقيدة الإسلامية

سورة الطارق تعد نموذجًا للسور المكية التي تهدف إلى ترسيخ أصول العقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين في بداية الدعوة، وهي:

• الإيمان بالله الخالق المدبر لكل شيء.

• الإيمان بالبعث والنشور، حيث تؤكد السورة على قدرة الله على إعادة الإنسان بعد الموت.

• الإيمان باليوم الآخر وما فيه من حساب وجزاء.

• الإيمان بالوحي والرسالة، حيث تتحدث الآيات الأخيرة عن كيد الكافرين للنبي، ولكن الله تعالى فوقهم.

الخلاصة في تسمية سورة الطارق

إن تسمية سورة الطارق مستمدة من افتتاحيتها التي تركز على القسم بالنجم الثاقب، وهو ما يُعرف بالطارق. وقد اختير هذا الاسم لما يحمله من دلالات عظيمة على القدرة الإلهية في الخلق والتدبير، ولأن هذا “الطارق” يفتح وعي الإنسان على عالم الغيب، ويدفعه للتأمل في أسرار الكون، وما فيه من براهين واضحة على وجود الخالق، وعلى حقيقة البعث بعد الموت. لقد جاءت التسمية لتعكس جوهر السورة، الذي يدور حول التأمل، والتذكير، والإنذار، وكلها معانٍ ترتبط بمعنى الطارق الذي يوقظ النفوس في الليل، ويخترق حجب الغفلة.

المراجع:

1. تفسير الطبري – جامع البيان عن تأويل آي القرآن، محمد بن جرير الطبري.

2. تفسير ابن كثير – إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي.