زيادة دقات القلب عند الحامل: الأسباب، المخاطر، والعلاج

تُعد فترة الحمل من أكثر المراحل الحيوية والحساسة في حياة المرأة، حيث يشهد جسدها العديد من التغيرات الفسيولوجية التي تهدف إلى دعم نمو الجنين وضمان تهيئة البيئة المثالية له داخل الرحم. ومن أبرز هذه التغيرات التكيّف الكبير الذي يطرأ على الجهاز القلبي الوعائي، والذي يتضمن في كثير من الأحيان زيادة في معدل ضربات القلب. قد تلاحظ الحامل تسارعًا في نبضها أو خفقانًا غير معتاد، وهو ما يثير قلقها، خاصةً إن لم تكن على دراية بأنه قد يكون جزءًا طبيعيًا من الحمل. مع ذلك، فإن هذه الزيادة قد تكون مؤشرًا على حالة مرضية تتطلب تدخلًا طبيًا.

التغيرات القلبية أثناء الحمل

خلال الحمل، يخضع القلب والأوعية الدموية لتغييرات جذرية لتلبية احتياجات الأم والجنين المتزايدة من الأوكسجين والمغذيات. من بين أبرز هذه التغيرات:

• زيادة حجم الدم: يزداد حجم الدم بحوالي 30 إلى 50% مقارنةً بما قبل الحمل، ويصل ذروته في الثلث الثاني والثالث.

• زيادة النتاج القلبي: وهو كمية الدم التي يضخها القلب في الدقيقة، وترتفع بنسبة 30-50% بحلول الأسبوع 32 من الحمل.

• انخفاض المقاومة الوعائية الطرفية: نتيجة تأثير الهرمونات، مما يقلل من ضغط الدم في بعض المراحل المبكرة من الحمل.

• زيادة معدل ضربات القلب: يحدث تسارع تدريجي في نبض القلب يصل إلى 10-20 نبضة إضافية في الدقيقة مقارنةً بالحالة الطبيعية.

هذه التغيرات تُعد جزءًا من التكيف الفسيولوجي للجسم لدعم الحياة داخل الرحم، ولكن عندما يتجاوز تسارع القلب المعدلات المتوقعة أو يرافقه أعراض غير طبيعية، فقد يشير إلى وجود مشكلة صحية تستدعي التقييم الطبي.

المعدل الطبيعي لدقات القلب أثناء الحمل

يبلغ المعدل الطبيعي لضربات القلب لدى البالغين عمومًا ما بين 60 إلى 100 نبضة في الدقيقة أثناء الراحة. أما لدى الحوامل، فقد يتراوح المعدل الطبيعي لضربات القلب من 80 إلى 110 نبضة في الدقيقة خلال فترات الحمل المتوسطة والمتقدمة. يجب التنويه إلى أن هذه الأرقام قد تختلف من امرأة لأخرى اعتمادًا على مستوى اللياقة البدنية والعوامل الصحية الفردية.

أسباب زيادة دقات القلب عند الحامل

تتعدد الأسباب التي قد تؤدي إلى زيادة دقات القلب أثناء الحمل، وتتراوح ما بين أسباب فسيولوجية طبيعية وأخرى مرضية:

1. التغيرات الهرمونية

يرتفع مستوى هرموني البروجيستيرون والإستروجين بشكل كبير خلال الحمل، ما يؤدي إلى تأثيرات مباشرة على الأوعية الدموية ونظام القلب. هذه الهرمونات تُحدث توسعًا في الأوعية وتزيد من عمل القلب لضخ كميات أكبر من الدم، مما يؤدي إلى تسارع النبض.

2. زيادة حجم الدم

كما ذُكر سابقًا، يزداد حجم الدم بشكل ملحوظ خلال الحمل، ما يتطلب من القلب ضخ المزيد من الدم للحفاظ على الدورة الدموية الفعالة. هذه الزيادة تؤدي بطبيعتها إلى تسارع في دقات القلب لتلبية المتطلبات المتزايدة للأم والجنين.

3. الأنيميا (فقر الدم)

تُعد الأنيميا من المشكلات الشائعة خلال الحمل بسبب زيادة الحاجة إلى الحديد. في حال انخفاض مستويات الهيموغلوبين، يعمل القلب بشكل أكبر لتوصيل الأوكسجين إلى الأنسجة، مما يؤدي إلى تسارع النبض.

4. فرط نشاط الغدة الدرقية

قد تُصاب بعض الحوامل بفرط نشاط الغدة الدرقية، سواء بشكل مستمر أو مؤقت. يُعد هذا من الأسباب المعروفة لتسارع نبض القلب خلال الحمل، ويحتاج إلى علاج طبي متخصص.

5. الضغط النفسي والقلق

تعاني العديد من الحوامل من القلق والخوف بشأن الحمل والولادة، ما يؤدي إلى تحفيز الجهاز العصبي السمبثاوي وزيادة إفراز الأدرينالين، وهو ما ينعكس بزيادة معدل ضربات القلب.

6. الجفاف ونقص السوائل

تُعد حالات الجفاف، خاصة في الأشهر الأولى المصحوبة بالقيء والغثيان، من العوامل التي تؤثر على الدورة الدموية وتتسبب في تسارع ضربات القلب نتيجة انخفاض ضغط الدم.

7. التمارين الرياضية أو النشاط البدني

النشاط الجسدي المعتدل يزيد من ضربات القلب بشكل طبيعي، ولكن في بعض الحالات قد تستمر الزيادة لفترة أطول بسبب تغير استجابة الجسم للجهد أثناء الحمل.

8. الحمل بتوأم أو أكثر

في حالات الحمل المتعدد، تكون متطلبات الجسم من الأوكسجين والمغذيات أعلى بكثير، وبالتالي يكون القلب مضطرًا للعمل بمعدل أسرع لتلبية هذه الاحتياجات.

9. مشاكل قلبية كامنة

قد تكون زيادة دقات القلب مؤشرًا على اضطرابات قلبية مثل اضطراب نظم القلب (مثل الرجفان الأذيني أو التسارع فوق البطيني)، أو ضعف عضلة القلب، خاصة في حال وجود أعراض مرافقة مثل ضيق التنفس أو الدوخة.

أعراض مصاحبة لزيادة دقات القلب قد تستدعي القلق

رغم أن تسارع ضربات القلب غالبًا ما يكون طبيعيًا أثناء الحمل، فإن هناك أعراضًا إذا رافقته تستدعي استشارة الطبيب، ومنها:

• ألم في الصدر

• ضيق تنفس شديد

• دوخة أو فقدان وعي

• خفقان غير منتظم أو متسارع جدًا

• تعب شديد غير مبرر

• تورم مفرط في الأطراف

في حال ظهور هذه الأعراض، يُنصح بإجراء تقييم سريري دقيق وفحوصات مثل تخطيط القلب (ECG) وتصوير القلب بالموجات فوق الصوتية (Echocardiogram) للتحقق من سلامة القلب.

جدول: مقارنة بين معدل ضربات القلب الطبيعي وغير الطبيعي عند الحامل

طرق تشخيص تسارع ضربات القلب أثناء الحمل

يشمل تشخيص زيادة دقات القلب عند الحامل الإجراءات التالية:

1. التاريخ الطبي المفصل: لتقييم وجود أعراض قلبية سابقة أو أمراض مزمنة.

2. الفحص السريري: يتضمن قياس النبض وضغط الدم وفحص العلامات الحيوية.

3. تحاليل الدم: خاصة الهيموغلوبين، الغدة الدرقية، وسكر الدم.

4. تخطيط القلب الكهربائي (ECG): لتحديد نمط ضربات القلب وتشخيص الاضطرابات.

5. هولتر لمراقبة القلب 24 ساعة: لمراقبة النبض على مدار اليوم.

6. تصوير القلب بالموجات فوق الصوتية: للكشف عن أي خلل في بنية القلب أو وظائفه.

علاج زيادة دقات القلب عند الحامل

يعتمد علاج تسارع القلب على السبب الأساسي، ويمكن أن يشمل ما يلي:

1. العلاج الدوائي

في حال تشخيص اضطراب نظم القلب أو فرط نشاط الغدة الدرقية، قد يتم وصف أدوية آمنة للحمل مثل:

• بيتا بلوكرز (مثل لابيتالول أو أتينولول في بعض الحالات)

• أدوية تنظيم نظم القلب مثل ديجوكسين، في حالات نادرة

يجب استخدام الأدوية فقط تحت إشراف طبيب مختص بالنساء أو القلب، مع مراقبة دقيقة لصحة الجنين.

2. العلاج غير الدوائي

• الراحة وتجنب المجهود الزائد

• تقنيات الاسترخاء وتقليل التوتر النفسي مثل اليوغا والتنفس العميق

• الترطيب الجيد وتناول السوائل بكميات كافية

• التغذية الغنية بالحديد والبروتين

• تجنب الكافيين والمنبهات

3. علاج السبب الأساسي

في حالات مثل الأنيميا، يُنصح بمكملات الحديد. أما فرط نشاط الغدة الدرقية، فيُعالج بالأدوية المناسبة مثل البروبيثيوراسيل خلال الأشهر الأولى، ثم التبديل إلى أدوية أكثر أمانًا في المرحلة المتقدمة.

تأثير تسارع القلب على الجنين

عادة لا يشكل تسارع ضربات القلب البسيط أو المعتدل عند الأم خطورة على الجنين، إلا إذا كان مرتبطًا بمشكلة قلبية تؤثر على تدفق الدم أو تؤدي إلى نقص في الأوكسجين. في الحالات المتقدمة أو المهملة، قد يؤثر تسارع القلب المزمن على نمو الجنين أو يؤدي إلى مضاعفات مثل الولادة المبكرة أو انخفاض الوزن عند الولادة.

التوصيات الطبية لمراقبة دقات القلب أثناء الحمل

• مراجعة الطبيب عند ملاحظة خفقان غير مبرر أو متكرر

• قياس النبض بشكل دوري خاصة في الثلث الثاني والثالث

• الحفاظ على نمط حياة صحي ومتوازن

• متابعة الحمل مع أخصائي نساء وولادة، وفي حال وجود تاريخ مرضي قلبي، مع طبيب قلب أيضًا

المصادر

1. American College of Obstetricians and Gynecologists (ACOG) – Guidelines for Cardiovascular Changes in Pregnancy

2. Mayo Clinic – Heart Palpitations During Pregnancy

هذا المقال يقدم نظرة شاملة عن التغيرات التي تطرأ على نبض القلب أثناء الحمل، ويوضح الفرق بين الحالات الفسيولوجية والطبية، ويُبرز أهمية المتابعة الطبية الدقيقة لضمان صحة الأم والجنين على حد سواء.