أعراض زلال البول عند الحامل: الأسباب، المخاطر، وطرق التشخيص والعلاج

يُعد الحمل من المراحل الحيوية في حياة المرأة، والتي تتطلب مراقبة دقيقة لصحة الأم والجنين على حد سواء. ومن بين المؤشرات الصحية التي يجب عدم تجاهلها هو “زلال البول”، وهي حالة تشير إلى وجود كميات غير طبيعية من البروتين في البول، وهو ما قد يكون دليلاً على وجود خلل في وظائف الكلى أو أحد أعراض مقدمات الارتعاج، وهي حالة مرضية قد تُشكل خطراً كبيراً على حياة الأم والجنين إذا لم يتم التعامل معها بشكل مناسب.

يُعد زلال البول عند الحامل علامة إنذار تستوجب الانتباه الطبي الفوري، خصوصًا إذا ظهرت في النصف الثاني من الحمل. يهدف هذا المقال إلى تقديم دراسة علمية موسعة وشاملة حول هذه الظاهرة، بدءًا من تعريفها وأسبابها، مرورًا بأعراضها وتأثيرها على الحمل، وصولًا إلى طرق التشخيص والعلاج وأحدث التوصيات الطبية المرتبطة بها.

ما هو زلال البول؟

زلال البول، أو البروتين في البول (Proteinuria)، هو حالة يتم فيها رصد كميات غير طبيعية من البروتين في البول. في الحالة الطبيعية، تقوم الكليتان بتصفية الدم من الفضلات والماء الزائد مع الاحتفاظ بالبروتينات داخل الجسم. لكن في بعض الحالات، قد تسمح الكليتان بمرور البروتينات إلى البول، وهو ما يُعد مؤشراً على وجود خلل في وظائف الكلى أو على وجود مشكلة في الحمل.

العلاقة بين زلال البول والحمل

خلال الحمل، يتغير جسم المرأة بشكل جذري لدعم نمو الجنين، وتحدث تعديلات في الجهاز الدوري والجهاز البولي. من الطبيعي أن تتغير نسب بعض المركبات في البول أثناء الحمل، بما في ذلك كمية البروتين. إلا أن تجاوز النسبة المسموح بها، والتي تتراوح في المتوسط ما بين 150 و300 ملغ يوميًا، يشير إلى وجود مشكلة صحية كامنة.

زلال البول عند الحامل قد يظهر في أكثر من سياق سريري:

• زلال بسيط غير مصحوب بأعراض خطيرة: قد يظهر في بعض الحوامل دون وجود ارتفاع في ضغط الدم أو أعراض أخرى، ويكون مؤقتًا.

• زلال مصاحب لمقدمات الارتعاج: وهي الحالة الأخطر، حيث يصاحب الزلال ارتفاع ضغط الدم وتورم الأطراف وأعراض أخرى.

أعراض زلال البول عند الحامل

1. تورم الأطراف (الوذمة)

يُعد التورم في اليدين والقدمين والوجه من أبرز الأعراض المرتبطة بزلال البول، وهو ناتج عن تسرب البروتين من الدم إلى البول، مما يقلل من تركيز البروتين في الدم ويؤدي إلى خروج السوائل من الأوعية الدموية إلى الأنسجة.

2. ارتفاع ضغط الدم

يرتبط زلال البول في كثير من الحالات بارتفاع ضغط الدم، وهو أحد المؤشرات الأساسية على وجود حالة مقدمات الارتعاج. قياس ضغط الدم بشكل دوري أمر أساسي خلال الحمل، وتُعد القراءة التي تتجاوز 140/90 ملم زئبق غير طبيعية.

3. صداع مزمن

يُعد الصداع المستمر وغير المعتاد من الأعراض التحذيرية المرتبطة بمقدمات الارتعاج، وقد يكون نتيجة لارتفاع ضغط الدم أو نقص التروية الدماغية.

4. اضطرابات الرؤية

تشمل الرؤية الضبابية، أو ظهور نقاط مضيئة، أو الحساسية الزائدة للضوء، وتُعتبر من الأعراض المتقدمة التي تشير إلى خطر على الأم والجنين.

5. ألم في الجزء العلوي من البطن (خاصة تحت الضلوع اليمنى)

يشير الألم في هذه المنطقة غالبًا إلى تورط الكبد، وهو عرض يُصاحب في كثير من الأحيان مراحل متقدمة من مقدمات الارتعاج.

6. قلة التبول أو تغيّر لون البول

قد يلاحظ البعض قلة في كمية البول أو تغيّراً في لونه ليصبح داكنًا أو رغويًا، مما يعكس وجود بروتينات فيه.

7. زيادة مفاجئة في الوزن

الزيادة المفاجئة وغير المبررة في الوزن على مدى فترة قصيرة قد تكون ناتجة عن احتباس السوائل، وهي علامة شائعة لزلال البول المرتبط بمقدمات الارتعاج.

الأسباب المحتملة لزلال البول أثناء الحمل

تشخيص زلال البول عند الحامل

يُعد التشخيص المبكر أحد العوامل الحاسمة في منع المضاعفات المرتبطة بزلال البول. يعتمد التشخيص على ما يلي:

تحليل البول الروتيني (Dipstick Test)

يُستخدم هذا الفحص السريع كمؤشر أولي على وجود البروتين في البول. تتدرج النتائج من السالب إلى +3 أو +4 حسب شدة الحالة.

جمع البول لمدة 24 ساعة

هذا هو الفحص الأكثر دقة لتحديد كمية البروتين في البول. تُجمع العينة على مدار 24 ساعة ويُفحص مستوى البروتين.

تحاليل الدم

يُستخدم لفحص وظائف الكلى والكبد، والبحث عن علامات الالتهاب أو اضطرابات الدم المرتبطة بمقدمات الارتعاج.

مراقبة ضغط الدم

يُعد قياس ضغط الدم بشكل متكرر أمرًا ضروريًا لمراقبة الحامل المصابة بزلال البول.

المضاعفات المحتملة لزلال البول أثناء الحمل

إذا تُركت الحالة دون علاج، فإن زلال البول قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة تشمل:

• الارتعاج (Eclampsia): وهي حالة طبية خطيرة تتميز بحدوث نوبات تشنجية، وقد تهدد حياة الأم والجنين.

• تقييد نمو الجنين داخل الرحم: نتيجة ضعف التروية الدموية للمشيمة.

• الولادة المبكرة: قد تستدعي الحالة إنهاء الحمل مبكرًا للحفاظ على حياة الأم.

• انفصال المشيمة المبكر: وهي حالة طبية طارئة قد تسبب نزيفًا داخليًا حادًا.

• فشل كلوي أو كبدي: نتيجة التدهور السريع في وظائف الأعضاء بسبب مقدمات الارتعاج.

علاج زلال البول أثناء الحمل

العلاج حسب السبب:

1. في حالة مقدمات الارتعاج:

• الراحة والمراقبة المستمرة: تُنصح الحامل بالبقاء تحت الإشراف الطبي في المستشفى في بعض الحالات.

• أدوية خافضة للضغط: مثل لابيتالول وميثيل دوبا.

• التحكم في البروتين والملح في النظام الغذائي.

• الولادة المبكرة إذا كانت الحالة متقدمة ولا يمكن السيطرة عليها.

2. في حالة العدوى البولية:

• المضادات الحيوية المناسبة للحمل.

• شرب كميات كافية من السوائل.

3. زلال البول البسيط:

• غالبًا ما يُراقب فقط دون تدخل علاجي، ويُنصح بالراحة وتقليل الجهد الجسدي.

التغذية ونمط الحياة في حالات زلال البول

تلعب التغذية دورًا محوريًا في التخفيف من أعراض زلال البول وتحسين نتائج الحمل:

• تقليل الصوديوم في الغذاء: لتقليل احتباس السوائل.

• زيادة تناول البروتينات عالية الجودة: لتقليل فقد البروتين من الجسم.

• الإكثار من شرب الماء: للمساعدة على تنقية الكلى.

• تجنب الأطعمة المعالجة والغنية بالدهون المشبعة.

• تناول مكملات الفيتامينات حسب توصيات الطبيب، خاصة الكالسيوم والمغنيسيوم.

الوقاية والمراقبة

• مراقبة منتظمة لضغط الدم، خاصة في المرحلة الثانية من الحمل.

• تحليل البول في كل زيارة طبية دورية.

• التوقف عن التدخين، لأنه يزيد من خطر مضاعفات الحمل.

• متابعة دقيقة للحمل عالي الخطورة في عيادات متخصصة.

الفرق بين زلال البول الطبيعي والمرضي

الخاتمة

زلال البول عند الحامل ليس مجرد عرض عابر، بل قد يكون إشارة أولى إلى حالة صحية خطيرة مثل مقدمات الارتعاج، التي تتطلب تدخلاً طبيًا سريعًا. إن المتابعة الطبية المنتظمة، والتشخيص الدقيق، والعلاج المبكر، كلها عناصر حاسمة في ضمان صحة الأم والجنين على حد سواء. ويظل الوعي الصحي والتثقيف المستمر من أهم الركائز التي تُمكن المرأة الحامل من اجتياز فترة الحمل بسلام.

المراجع:

1. American College of Obstetricians and Gynecologists. (2020). Hypertension in Pregnancy: Executive Summary.

2. Mayo Clinic. (2024). Preeclampsia and high blood pressure during pregnancy.