رياض محرز: من الشوارع للعالمية

من الشوارع للعالمية: قصة نجاح اللاعب رياض محرز

يُعتبر رياض محرز واحداً من أبرز اللاعبين في كرة القدم العالمية في الوقت الراهن. قصة نجاحه ليست مجرد قصة لاعب عادي، بل هي قصة إصرار وعزيمة وتحدٍّ، قصة شخص نشأ في أحياء بسيطة، ليصبح أحد أساطير كرة القدم الحديثة. عندما نتحدث عن رياض محرز، نتحدث عن شخص لم يترك أي شيء يقف في طريقه لتحقيق حلمه، حتى عندما كان الطريق يبدو صعباً للغاية.

نشأة رياض محرز

وُلد رياض محرز في 21 فبراير 1991 في مدينة سارسيل الفرنسية، وهي إحدى ضواحي باريس. لم يكن محرز، في بداياته، معروفاً عالمياً أو محط اهتمام الأندية الكبرى، بل كان من أسرة متواضعة وسط ظروف اقتصادية صعبة. والده، الذي هاجر من الجزائر إلى فرنسا، كان يعمل في مجال البناء، بينما كانت والدته من أصل فرنسي. نشأ محرز في حي شعبي، حيث كانت الظروف تحفز العديد من الشباب على السير في طرق صعبة.

ورغم هذه الظروف، كان لرياض شغف غير عادي بكرة القدم. كانت كرة القدم بالنسبة له بمثابة الملاذ والفرصة لتحقيق أحلامه. بدأ اللعب في الشوارع مع أصدقائه، ثم انضم إلى الأندية المحلية. إلا أن البداية لم تكن سهلة، حيث واجه العديد من التحديات، كان أبرزها نقص الفرص للظهور واللعب في الأندية الكبرى.

الانطلاق من الأحياء الشعبية إلى الأندية المحترفة

على الرغم من الموهبة الكبيرة التي كان يمتلكها، لم يكن رياض محرز ضمن اللاعبين المفضلين في الأندية الكبيرة في فرنسا. في البداية، كان محرز يلعب في فريق أميان الفرنسي، الذي كان ينشط في الأقسام الأدنى. لم يكن في ذلك الوقت معروفاً للجماهير أو الإعلام. ولكن موهبته بدأت تنكشف تدريجياً، خصوصاً في موسم 2012-2013، عندما انتقل إلى نادي لوهافر، الذي كان ينشط في دوري الدرجة الثانية الفرنسي.

وفي لوهافر، بدأ محرز في إثبات قدراته الفنية الكبيرة، بفضل سرعته الكبيرة ومهاراته الفردية الرائعة. أصبحت العيون تتجه نحوه شيئاً فشيئاً، ليصبح أحد أبرز لاعبي الفريق، قبل أن يتم استقطابه من قبل نادي ليستر سيتي الإنجليزي في عام 2014.

النجاح في ليستر سيتي: الحلم يتحقق

كان انتقال محرز إلى ليستر سيتي بمثابة نقطة فارقة في مسيرته. عندما وصل إلى إنجلترا، كانت السمعة العامة للنادي تشير إلى أنه ليس من الأندية الكبرى، بل مجرد فريق يسعى للبقاء في الدوري الإنجليزي الممتاز. ولكن رياض محرز كان على موعد مع التاريخ. ففي موسمه الأول مع الفريق، نجح في تقديم أداء مذهل، وأصبح أحد النجوم اللامعين في الدوري الإنجليزي.

في موسم 2015-2016، كان رياض محرز هو نجم فريق ليستر سيتي الذي حقق أكبر مفاجأة في تاريخ الدوري الإنجليزي. استطاع الفريق الصغير بقيادة محرز أن يُحقق لقب الدوري الإنجليزي الممتاز لأول مرة في تاريخه، وهو إنجاز لا يمكن تصديقه بالنسبة للكثيرين، بالنظر إلى حجم الفريق مقارنة بالأندية الكبرى مثل مانشستر يونايتد، مانشستر سيتي، وتشيلسي. كانت مساهمة محرز في هذا اللقب لا تقدر بثمن، حيث سجل العديد من الأهداف الحاسمة وقدم العديد من التمريرات الحاسمة.

لم يكن نجاح محرز في ليستر سيتي مجرد فوز بلقب، بل أصبح محرز في ذلك الموسم واحداً من أفضل اللاعبين في العالم. فاز بجائزة “أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي” لعام 2016، وهي جائزة مرموقة تنافس عليها كبار اللاعبين في إنجلترا. في ذلك العام، كان محرز هو اللاعب الأول من ليستر سيتي الذي يحقق هذا الإنجاز، مما جعل اسمه يلمع في سماء الكرة العالمية.

الرحلة مع مانشستر سيتي: سعي مستمر نحو التميز

في عام 2018، انتقل رياض محرز إلى مانشستر سيتي، أحد أكبر أندية كرة القدم في العالم، تحت قيادة المدرب الإسباني بيب غوارديولا. كان هذا الانتقال خطوة جديدة في مسيرة محرز نحو القمة، حيث كانت الفرصة أمامه للعب في فريقٍ ينافس على الألقاب الكبرى في جميع البطولات.

مع مانشستر سيتي، أصبح محرز جزءاً لا يتجزأ من خطة غوارديولا، ونجح في تحقيق العديد من الألقاب. فاز مع السيتي ببطولة الدوري الإنجليزي الممتاز في أكثر من موسم، إضافة إلى الفوز بكأس الاتحاد الإنجليزي وكأس رابطة الأندية الإنجليزية. في الموسم 2020-2021، قدم محرز أداءً رائعاً في دوري أبطال أوروبا، حيث ساهم في وصول فريقه إلى النهائي، رغم أن الفريق لم يحقق اللقب في تلك النسخة.

لقد أضاف محرز بُعدًا جديدًا للسيتي، بفضل تقنياته العالية في المراوغة، تسديداته المتقنة، وهدوئه تحت الضغط. وواصل تقديم مستوياته الرائعة في مباريات حاسمة، مثل نهائي دوري أبطال أوروبا في 2021، الذي سجل فيه هدفًا حاسمًا في مرمى باريس سان جيرمان.

محرز مع منتخب الجزائر: النجم الذي لا يتوقف

لم تقتصر إنجازات رياض محرز على الأندية فحسب، بل أثبت نفسه أيضاً كأحد النجوم البارزين مع منتخب الجزائر. منذ انضمامه إلى المنتخب الوطني، أصبح محرز أحد الأركان الأساسية في تشكيلة الخضر. وعلى الرغم من أن الجزائر لم تكن تعتبر من القوى الكبرى في إفريقيا، فقد نجح محرز في قيادتها لتحقيق أحد أكبر إنجازات كرة القدم الإفريقية في التاريخ.

في عام 2019، نجح منتخب الجزائر تحت قيادة المدرب جمال بلماضي في الفوز بكأس الأمم الإفريقية في مصر. كان محرز النجم الأبرز في البطولة، حيث سجل أهدافًا رائعة وأداءً مذهلاً في المباريات الحاسمة. أبرز اللحظات التي سجلت في الذاكرة كانت هدفه المذهل في مباراة نصف النهائي ضد نيجيريا، الذي منح الجزائر بطاقة التأهل إلى النهائي، قبل أن يفوزوا بالبطولة بعد انتصارهم على السنغال في المباراة النهائية.

القيم الشخصية والإصرار على النجاح

يُعتبر رياض محرز مثالًا رائعًا على الإصرار والتحدي. فبالرغم من بداياته الصعبة، لم يتخلَّ عن حلمه، بل استطاع أن يحقق النجاح في أكثر البيئات تنافسية في العالم. محرز لم يكن فقط لاعباً ممتازاً، بل كان أيضًا شخصاً يتحلى بالعديد من القيم النبيلة، مثل العمل الجاد، احترام زملائه، والتواضع رغم الشهرة العالمية التي حققها.

ورغم النجاحات العديدة التي حققها، لا يزال محرز يعمل بكل اجتهاد ليحسن من مستواه ويحقق المزيد من الإنجازات. يظل رياض محرز واحداً من أكثر اللاعبين المحبوبين في عالم كرة القدم، ليس فقط بسبب مهاراته، ولكن أيضًا بسبب شخصيته الفريدة التي تجمع بين التواضع والطموح اللامحدود.

الخاتمة

من الأحياء الشعبية في فرنسا إلى أن أصبح نجمًا عالميًا في الدوري الإنجليزي ودوري الأبطال، يُعد رياض محرز أحد أبرز الأمثلة على كيف يمكن للإرادة والموهبة أن تخلق الفرص وتغيّر الحياة. إن قصته هي شهادة على أن الطريق إلى النجاح لا يعتمد فقط على الموهبة، بل على العمل المستمر والإصرار على تجاوز العقبات مهما كانت صعبة.