3 أسباب تفسر قدرتك على افتتاح شركة بعد بلوغ سن الأربعين

في عالم ريادة الأعمال، تُعتبر الأربعينات مرحلة نضج فكري وعملي، وليست عائقًا كما قد يتوهم البعض. فقد رسخت العديد من الدراسات والقصص الواقعية فكرة أن النجاح في إطلاق المشاريع لا يقتصر على الشباب فقط، بل على العكس، فإن التقدم في السن يُمكن أن يكون أحد عوامل التميز، خاصة إذا تم استثماره بالشكل الصحيح. فبينما يركّز كثيرون على البدايات المبكرة باعتبارها “مفتاح النجاح”، فإن الواقع العملي يثبت أن السنوات التي تتجاوز الأربعين تحمل في طياتها مزايا فريدة تعزز احتمالات النجاح في عالم الأعمال.

يُظهر التاريخ الحديث لريادة الأعمال العالمية أمثلة كثيرة لأشخاص أطلقوا مشاريعهم بعد الأربعين، وحققوا فيها نجاحًا فاق كل التوقعات. من مؤسسي سلاسل عالمية إلى مبتكري تقنيات حديثة، برز الكثيرون في هذه المرحلة العمرية تحديدًا. فما الذي يجعل من الأربعينات توقيتًا مثاليًا لافتتاح شركة؟ ولماذا قد يتمتع الفرد في هذا العمر بفرص أكبر لتحقيق التميز المهني والاستقلال المالي؟ تتلخص الإجابة في ثلاثة أسباب جوهرية: النضج والخبرة، الاستقرار المالي والنفسي، وأخيرًا، شبكة العلاقات الواسعة والنوعية.

أولاً: النضج والخبرة المتراكمة

من أبرز ما يميز الإنسان بعد سن الأربعين هو تراكم الخبرات المهنية والحياتية، الأمر الذي ينعكس بشكل مباشر على قدرته في اتخاذ قرارات أكثر نضجًا وفعالية. فخلافًا للرياديين الشباب الذين قد يفتقرون أحيانًا للرؤية الواضحة أو المعرفة العميقة بسلوك السوق، يتمتع الفرد في الأربعينات ببصيرة مكتسبة من سنوات طويلة من العمل، وفهم دقيق لطبيعة الأخطاء والتحديات.

على مدى عقود، يكون الشخص قد خاض تجارب متنوعة: انتقل بين وظائف مختلفة، تعامل مع أنماط متعددة من الأشخاص، وربما ارتكب أخطاءً مكلفة تعلم منها الكثير. هذه التجارب ليست فقط أدوات لبناء مشروع ناجح، بل تُعد درعًا واقيًا أمام التقلبات والمخاطر، ومرآةً توجيهية تحدد بوضوح ما يجب تجنبه، وما يجب اغتنامه.

تشير دراسة نُشرت في مجلة Harvard Business Review إلى أن متوسط عمر رواد الأعمال الأكثر نجاحًا عند تأسيس شركاتهم كان 45 عامًا، وأن احتمالات نجاحهم في تأسيس شركات ذات نمو سريع تفوق أولئك الذين بدأوا في العشرينات بثلاثة أضعاف. هذه الإحصائية ليست مصادفة، بل نتيجة لسنوات من التراكم المعرفي والمهني.

كما أن النضج لا يتعلق فقط بالخبرة المهنية، بل يشمل أيضًا الذكاء العاطفي والقدرة على إدارة التوتر والعلاقات داخل بيئة العمل. في سن الأربعين، يكون الشخص أكثر اتزانًا، وأقل اندفاعًا، وأكثر قدرة على تحليل الأوضاع واتخاذ القرارات بناءً على منطق وبيانات، وليس فقط مشاعر أو حماس وقتي.

ثانيًا: الاستقرار المالي والنفسي

في كثير من الأحيان، يكون العنصر المالي أحد أهم التحديات التي تعترض طريق رواد الأعمال الجدد. غير أن الشخص في الأربعينات غالبًا ما يكون قد تمكن من بناء قاعدة مالية معقولة، سواء من خلال مدخرات شخصية، أو استثمارات، أو خبرات مهنية ذات عائد مجزٍ. هذه القاعدة المالية تمنحه حرية أكبر في التفرغ لمشروعه دون القلق المستمر حول المصاريف اليومية أو التكاليف الأولية المرتبطة بتأسيس الشركة.

وفي المقابل، فإن النضج النفسي الذي يرافق هذه المرحلة العمرية ينعكس إيجابًا على طريقة إدارة الضغوطات والتحديات اليومية. فغالبًا ما يكون الفرد قد طوّر آليات فعّالة للتكيف مع التوتر، كما يتمتع بقدرة أعلى على وضع الأهداف، وتحديد الأولويات، والتعامل مع الإخفاقات كفرص للتعلم، لا كعقبات مدمّرة.

الاستقرار الأسري كذلك يُشكل عاملاً إضافيًا. كثير من الأشخاص في الأربعينات يكونون قد أسسوا حياة أسرية مستقرة، ما يوفر بيئة داعمة تشجعهم على اتخاذ خطوات مهنية جريئة، كإطلاق مشروع جديد. كما أن وجود أسرة قد يساهم في خلق حافز قوي للعمل بجد، وتحقيق نجاح مستدام يعود بالنفع على العائلة أيضًا.

وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى أن المشاريع التي يُطلقها أشخاص في سن متقدمة نسبيًا تميل إلى أن تكون أكثر استدامة وأقل اندفاعًا، لأنها لا تُبنى فقط على الحماس أو الفكرة الواعدة، بل على أسس واقعية واستراتيجية طويلة الأمد.

ثالثًا: شبكة العلاقات المهنية والاجتماعية المتينة

من أهم الموارد التي يمكن أن يمتلكها رائد الأعمال، خصوصًا عند الانطلاق، هي شبكة العلاقات. فهذه الشبكة تفتح الأبواب أمام فرص الشراكة، التوجيه، التمويل، والمبيعات. وبعد سنوات من العمل والاختلاط المهني، غالبًا ما يكون الفرد في الأربعينات قد كوّن دائرة علاقات متنوعة، تشمل زملاء سابقين، رؤساء عمل، شركاء محتملين، خبراء في مجالات متعددة، وحتى مستثمرين.

هذه الشبكة لا تقتصر فائدتها على الدعم المعنوي فقط، بل تمتد لتكون أداة فعالة لتسويق المشروع في بداياته، والوصول إلى جمهور مستهدف بسرعة أكبر. كما أن العلاقات المهنية تتيح لصاحب المشروع التعلّم من تجارب الآخرين، وتجنّب الأخطاء الشائعة، أو حتى الحصول على دعم مباشر في حال واجه صعوبات.

من الناحية الاجتماعية، يكون الفرد في هذه المرحلة أكثر وعيًا بقيمة العلاقات المتبادلة، ما يعزّز ثقافة التعاون والثقة. يمكن لهذا النضج الاجتماعي أن يسهم في بناء فريق عمل متماسك، وثقافة مؤسسية إيجابية منذ البداية.

الجدول التالي يوضح مقارنة بين رواد الأعمال في العشرينات مقابل الأربعينات من حيث العوامل الأساسية:

خلاصة

تأسيس شركة بعد سن الأربعين ليس فقط ممكنًا، بل قد يكون الخيار الأكثر منطقية واستدامة في حياة الشخص المهنية. فبينما قد ينظر البعض إلى هذا العمر كمرحلة للاستقرار والتقليل من المخاطرة، يراه آخرون – وهم على حق – كفرصة ذهبية لتطبيق كل ما تعلموه عبر السنوات، وتحويله إلى مشروع متكامل يعكس رؤيتهم وطموحاتهم.

إن النضج العقلي، الاستقرار المالي والنفسي، وشبكة العلاقات الواسعة التي تتوفر للفرد بعد الأربعين، تشكل دعائم راسخة تُسهم في رفع فرص نجاح أي مشروع. ولذلك، فإن هذه المرحلة العمرية لا ينبغي أن تكون موضع تردد أو قلق، بل نقطة انطلاق نحو مستقبل مهني أكثر إشراقًا، يرتكز على أساس من الحكمة، والخبرة، والثقة بالنفس.

المراجع

1. Azoulay, P., Jones, B. F., Kim, J. D., & Miranda, J. (2018). Age and High-Growth Entrepreneurship. National Bureau of Economic Research. https://www.nber.org/papers/w24489

2. Harvard Business Review. (2019). Why the Best Entrepreneurs Are Older. https://hbr.org/2019/07/why-the-best-entrepreneurs-are-older