رواية “بريتوريان”: دراما تجسّد الحرب والخيانة والعواطف
في عالم الأدب الذي يعج بالعديد من الروايات التاريخية والدرامية، تبرز رواية “بريتوريان” للكاتب توماس جيفورد كعمل أدبي يستحق التقدير والاهتمام. نشرت الرواية في مارس عام 1993 من قبل دار نشر بانتام، وتمتاز بسردها العميق والمتشابك الذي يأخذ القارئ إلى عالم مليء بالرهانات الكبيرة، التآمر، والعواطف المعقدة.
تدور أحداث الرواية في لندن خلال عام 1940، في فترة مليئة بالظلام والخوف، حيث كانت جيوش هتلر تجتاح أوروبا وشمال إفريقيا، مهددة بمحو كل شيء في طريقها. يتجسد الإطار التاريخي للرواية في ذروة الحرب العالمية الثانية، حين كان مصير الإمبراطورية البريطانية والحضارة الغربية على المحك.
القصة:
الرواية تسرد قصة معقدة ومثيرة حول عملية سرية تحت اسم “بريتوريان”، وهي خطة جريئة وضعها رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل. تهدف هذه العملية إلى إرسال فريق من الكوماندوز المختارين إلى الصحراء لاغتيال المارشال الألماني إروين رومل. إلا أن هذه العملية، التي تُعتبر في نظر الجميع مهمة ميؤوس منها، ستدفع ثمنها غالياً على اثنين من الشخصيات الرئيسية في الرواية – ماكس هود وروجر غودوين – وعلى المرأة التي يحبها الاثنان.
ماكس هود، بطل الإمبراطورية الذي عُرف بمشاركته في حملات ت.هـ. لورنس في الصحراء، وروجر غودوين، الصحفي الأمريكي الشاب، كانا أصدقاء في باريس خلال عشرينيات القرن الماضي، حيث التقيا بفتاة فاتنة تدعى بريسيلا ديو بريتان، أو سيلا. بحلول عام 1940، أصبحت سيلا نجمة في الشاشة البريطانية، وزوجة ماكس هود، وسرّ حبّ غودوين المخفي.
مع اختيار ماكس لقيادة الهجوم على مقر رومل، وعرض غودوين للحصول على سبق صحفي حصري، يقبل الصحفي الأمريكي دوراً نشطاً في عملية الاغتيال بناءً على طلب تشرشل الشخصي. ولكن، وفي لحظة حاسمة، تنكشف الخيانة، وتُدرك العملية أنها تعرضت للغدر.
السرد والتحليل:
تتعمق الرواية في سبر أغوار شخصية غودوين الذي يشعر بالذنب العميق ويصبح مهووساً بالانتقام، عازماً على اكتشاف الخائن الذي أفسد العملية وتحديد هويته. رحلة الانتقام التي يخوضها غودوين تأخذه إلى متاهة من المؤامرات السياسية والشغف الشخصي، حيث يكتشف تدريجياً كم كان جاهلاً بالحقيقة حول هود، سيلا، ونفسه.
تحمل “بريتوريان” طبقات متعددة من التوتر والصراع، وتستعرض كيفية تأثير الرغبات الأولية – الجنس، السلطة، والعنف – على مسار التاريخ وحياة الأفراد. الرواية تسلط الضوء على الممارسات والتفاعلات البشرية في ظل أوقات الحرب، مما يجعلها عملاً أدبياً غنياً بالأفكار والإنسانية.
الشخصيات:
ماكس هود، كقائد عملية “بريتوريان”، يمثل التزاماً عميقاً بالمهمة وبمبادئ الشرف العسكرية، بينما يظهر غودوين كشخصية معقدة تكافح مع رغباته الشخصية وقيمه. سيلا، التي تجمع بين الجمال والنجاح والشغف، تكون المحور الذي تدور حوله الصراعات الشخصية والعاطفية. تجمع الشخصيات الثلاثة علاقات معقدة تساهم في تعميق تأثير الأحداث وتوتراتها.
الأثر الأدبي:
رواية “بريتوريان” تبرز كإنجاز أدبي استثنائي بسبب قدرتها على الجمع بين الأحداث التاريخية والخبرة الإنسانية بطريقة مؤثرة ومثيرة. يتناول العمل مواضيع شاملة مثل الصداقات القديمة، الحب المحرم، والخيانات التي تترك أثراً عميقاً في النفوس. برؤيتها الواسعة وفهمها العميق لمشاعر الشخصية، تقدم الرواية تأملات مهمة حول الطبيعة البشرية وكيفية تأثيرها على مجريات التاريخ.
بخلاصة، تعتبر “بريتوريان” رواية لا غنى عنها لعشاق الأدب التاريخي والتشويقي، لما فيها من سرد مشوق وشخصيات متطورة وأحداث تحمل ثقل التاريخ والحب والخيانة.