رعاف الأنف عند الحامل: الأسباب، الأعراض، المضاعفات وطرق الوقاية والعلاج

يُعد الحمل مرحلة حيوية تمرّ بها المرأة وتحدث خلالها العديد من التغيرات الفسيولوجية والهرمونية التي تؤثر بشكل مباشر على أجهزة الجسم المختلفة، بما في ذلك الجهاز التنفسي والدورة الدموية. من الظواهر التي قد تثير قلق العديد من النساء خلال الحمل هي رعاف الأنف، أو ما يعرف بنزيف الأنف، وهي حالة تحدث بشكل مفاجئ وتكون غالبًا بسيطة وعابرة، لكنها قد تُنذر بمشكلات صحية إن تكررت بشكل مفرط أو اقترنت بأعراض أخرى. في هذا المقال، سيتم التطرق بشكل موسع وشامل إلى موضوع رعاف الأنف عند الحامل، من حيث أسبابه، آلياته الفسيولوجية، الأعراض المصاحبة له، طرق الوقاية والعلاج، مع استعراض لبعض الحالات التي تستدعي تدخلاً طبيًا.

أولاً: نظرة عامة على رعاف الأنف

رعاف الأنف (Epistaxis) هو نزيف يحدث نتيجة تمزق أو ضعف في الشعيرات الدموية الدقيقة الموجودة في الغشاء المخاطي للأنف، وغالبًا ما يكون مصدر النزيف من الجزء الأمامي من الحاجز الأنفي، وهو ما يُعرف بـ”منطقة ليتل” (Little’s area)، وهي منطقة غنية بالشعيرات الدموية وقريبة من سطح الجلد، مما يجعلها عرضة للنزف.

ثانياً: ما الذي يجعل الحامل عرضة لرعاف الأنف؟

خلال فترة الحمل، تحدث تغيّرات فسيولوجية كثيرة تؤثر على الجهاز التنفسي والأوعية الدموية، ويمكن أن تؤدي إلى زيادة احتمالية حدوث الرعاف. من بين أبرز الأسباب والعوامل الفسيولوجية:

1. التغيرات الهرمونية

ارتفاع مستويات الهرمونات الأنثوية، خاصة الإستروجين والبروجستيرون، يؤدي إلى توسّع الشعيرات الدموية وزيادة تدفق الدم إلى الأغشية المخاطية، بما في ذلك بطانة الأنف. هذا التوسع يجعل الأوعية أكثر هشاشة وسرعة في التمزق عند أقل ضغط أو احتكاك، سواء من العطس أو تنظيف الأنف أو حتى تغيرات الحرارة.

2. زيادة حجم الدم

خلال الحمل، يزداد حجم الدم الكلي بنسبة تصل إلى 40-50% مقارنة بما قبل الحمل، لتلبية احتياجات الجنين والمشيمة. هذه الزيادة في حجم الدم تزيد الضغط داخل الشعيرات الدموية الصغيرة، ما يجعلها أكثر عرضة للانفجار، خاصة في المناطق الحساسة مثل الأنف.

3. جفاف الأغشية المخاطية

تصبح الأغشية المخاطية أكثر جفافًا بسبب التغيرات الهرمونية وتقلّب الطقس أو استخدام التكييف، ما يؤدي إلى تشقق هذه الأغشية وبالتالي سهولة نزفها.

4. التهابات الجهاز التنفسي العلوي

الإصابة المتكررة بنزلات البرد أو الحساسية أو التهابات الجيوب الأنفية تزيد من الاحتكاك داخل الأنف، وتُضعف الشعيرات الدموية ما يؤدي إلى الرعاف المتكرر.

ثالثاً: العوامل المساعدة على زيادة خطر الرعاف عند الحامل

• العيش في مناخ جاف أو مرتفع

• التدخين أو التعرض لدخان السجائر

• استخدام أدوية موضعية للأنف مثل مضادات الاحتقان لفترات طويلة

• تناول الأسبرين أو مميعات الدم دون إشراف طبي

• وجود مشاكل صحية مزمنة كارتفاع ضغط الدم أو اضطرابات التخثر

رابعاً: أعراض رعاف الأنف عند الحامل

عادة ما يظهر رعاف الأنف عند الحامل بشكل مفاجئ، وتتنوع أعراضه حسب شدة النزف ومصدره. الأعراض قد تشمل:

• نزيف دموي مفاجئ من فتحة واحدة أو كلا فتحتي الأنف

• تدفق دم خفيف أو غزير

• الإحساس بطعم دموي في الحلق نتيجة جريان الدم للخلف

• الشعور بالدوخة أو الضعف إذا استمر النزيف لفترة طويلة

خامساً: هل يعتبر رعاف الأنف عند الحامل خطيراً؟

في الغالب، يكون رعاف الأنف غير مقلق، ويُصنف كعرض شائع نسبيًا خلال الحمل. لكن في بعض الحالات، قد يُنذر بمشكلة صحية أكثر خطورة مثل:

• ارتفاع ضغط الدم الحملي أو ما يُعرف بتسمم الحمل

• اضطرابات تخثر الدم مثل نقص الصفائح أو وجود خلل في عوامل التخثر

• الأنيميا الشديدة الناتجة عن فقدان متكرر للدم

لذلك، تكرار الرعاف أو حدوثه مع أعراض مقلقة مثل الصداع الشديد، زغللة في الرؤية، أو تورم الأطراف، يستدعي التدخل الطبي العاجل.

سادساً: الإسعافات الأولية للتعامل مع رعاف الأنف أثناء الحمل

عند حدوث الرعاف، يُوصى باتباع الخطوات التالية:

1. الجلوس بوضع مستقيم مع انحناء بسيط إلى الأمام لمنع ابتلاع الدم

2. الضغط على جانبي الأنف أسفل عظمة الأنف لمدة 10-15 دقيقة باستخدام إصبعين

3. وضع كمادات باردة على جسر الأنف أو خلف الرقبة لتقليص الأوعية الدموية

4. تجنب الاستلقاء أو رفع الرأس للخلف لأنه يؤدي إلى جريان الدم نحو الحلق

إذا استمر النزيف لأكثر من 20 دقيقة، أو كان غزيرًا لدرجة تؤدي إلى الشعور بالدوار، يجب التوجه إلى أقرب مركز طبي.

سابعاً: الطرق الوقائية لتجنب رعاف الأنف خلال الحمل

الوقاية من الرعاف خلال فترة الحمل تستند إلى حماية الأغشية المخاطية والحفاظ على رطوبتها، وتجنب العوامل المحفزة، ويشمل ذلك:

1. ترطيب الأنف

استخدام المرطبات الموضعية أو قطرات المحلول الملحي يساعد على بقاء الأغشية المخاطية مرطبة ويقلل من فرص التمزق. يمكن أيضًا وضع طبقة رقيقة من الفازلين داخل فتحات الأنف.

2. الحفاظ على رطوبة الجو

تشغيل جهاز ترطيب الهواء في المنزل أو غرفة النوم، خصوصًا في فصل الشتاء أو في المناطق الجافة، يقلل من جفاف الأنف.

3. تجنب تنظيف الأنف بقوة

الامتناع عن نفخ الأنف بقوة أو إدخال المناديل أو الأصابع داخل فتحتي الأنف لتجنب خدش الشعيرات الدموية.

4. تجنب التعرض للهواء البارد مباشرة

ارتداء وشاح أو تغطية الأنف عند الخروج في طقس بارد وجاف يساعد في تقليل فرص حدوث النزيف.

5. التغذية الجيدة

الحرص على تناول الأطعمة الغنية بفيتامين C وفيتامين K لدورهما في تقوية الأوعية الدموية وتحسين تخثر الدم، مثل البرتقال، الكيوي، السبانخ، والبروكلي.

ثامناً: العلاجات الطبية المحتملة في حالات رعاف الأنف المتكرر

عندما يصبح الرعاف متكررًا أو غزيرًا، قد يتطلب تدخلًا طبيًا، ويشمل ذلك:

تاسعاً: تأثير رعاف الأنف على صحة الجنين

في الحالات البسيطة والعرضية، لا يشكل الرعاف أي خطر على صحة الجنين، ولكن تكرار النزيف قد يؤدي إلى نقص الحديد أو فقر الدم عند الأم، مما يؤثر سلبًا على تزويد الجنين بالأوكسجين والمغذيات. لذلك، فإن الوقاية والعلاج المبكر ضروريان للحفاظ على صحة كل من الأم والجنين.

عاشراً: متى يجب القلق من رعاف الأنف أثناء الحمل؟

بعض الحالات تستدعي التدخل الفوري، وتشمل:

• نزيف غزير لا يتوقف رغم الإسعافات الأولية

• تكرار الرعاف بشكل يومي

• وجود دم في اللعاب أو البراز

• تزامن الرعاف مع صداع شديد أو زغللة في العين

• الشعور بالدوار أو الإغماء نتيجة فقدان الدم

المراجع

1. Mayo Clinic Staff. “Nosebleeds during pregnancy.” Mayo Clinic. https://www.mayoclinic.org

2. American Pregnancy Association. “Nosebleeds During Pregnancy.” https://americanpregnancy.org