رسالة عتاب من أم لابنتها: بين الحب والحرص على مستقبل أفضل
لقد عشتُ معكِ لحظات لا تُنسى، وشاهدتُك تكبرين أمام عيني، تتعلمين، وتكتشفين الحياة. كم كانت تلك اللحظات سعيدة، وكم كان قلبي يملؤه الفخر حين أراكِ تحققين نجاحاتك الصغيرة، وتستمتعين بتفاصيل الحياة الجميلة. لكن، في الآونة الأخيرة، أصبح هناك شيء في قلبي لا أستطيع تجاهله. هو شعور بالقلق، والعتاب الذي لا أستطيع كبحه.
أنتِ أعز ما أملك في هذه الدنيا، ولن يُعادل حبكِ في قلبي شيء مهما كان. ولكن مع حبّي لكِ، تأتي المسؤولية الكبيرة التي يتحتم عليّ أن أؤديها كأم. المسؤولية التي تعني أنني لا يمكنني أن أترككِ تذهبين بعيدًا في هذا العالم من دون أن أقدم لكِ كل ما أستطيع من نصائح وحكمة. ربما يظن البعض أن حبّ الأم هو مجرد تدليل ورعاية، لكنني أعلم تمامًا أن حُبي لكِ لا يقتصر على ذلك، بل هو حُبٌّ يشمل التوجيه والتصحيح، بل وأحيانًا العتاب.
أعتب عليكِ لأنكِ تغيّرتِ
كانت حياتكِ في الماضي مليئة بالبراءة، والاهتمام بكل التفاصيل الصغيرة. كنتِ تقيمين، بلا تردد، كل كلمة أو نصيحة أقدمها لكِ. لكن في الآونة الأخيرة، شعرتُ بأنكِ أصبحتِ أبعد ما تكونين عني. لستِ كما كنتِ، ليس فقط من حيث المسافة الفعلية، ولكن من حيث المشاعر والتفاعل. يبدو أنكِ صرتِ تشعرين بأنني أتدخل في حياتكِ أكثر من اللازم، أو أنني لا أوافقكِ الرأي في بعض الأمور. ولكن، هل تعلمي يا ابنتي لماذا أفعل ذلك؟ لأنني ببساطة لا أستطيع أن أراكِ تظلمين نفسكِ أو تبتعدين عن الطريق الذي أرى أنه الأفضل لكِ. قد يكون هذا العتاب صعبًا، لكنني أعتقد أنكِ بحاجة إلى سماعه.
عتاب على التغيّب عن المواقف المهمة
أتذكرين عندما كنتِ صغيرة، كنتِ دائمًا موجودة في كل المواقف، سواء كانت أفراحًا أم أتراحًا. لكن الآن، أصبح من الصعب عليكِ أن تتواجدي إلى جانبي، وفي بعض الأحيان، يبدو أنكِ لا تهتمين حقًا بالأمور التي تهمني. نعم، ربما يكون لكِ حياتك الخاصة وأصدقاؤك، لكن لا يجب أن يأتي ذلك على حساب العائلة. لا تتخيلين كم يؤلمني عندما أتصل بكِ، ولا تردين، أو عندما أحتاج إليكِ في لحظة مهمة، ولا تجدين الوقت لتكوني بجانبي. لا شيء يمكن أن يعوضني عن وجودك بجانبي، يا ابنتي، لا شيء يعادل سعادتي حين أراكِ تشاركينني اللحظات السعيدة والمريرة على حد سواء.
أعتب عليكِ لأنكِ لا تفكرين في عواقب قراراتك
أنا لا أريد أن أكون حَجر عثرة في طريقكِ أو أن أُحبطكِ في أي شيء، لكنني أيضًا لا أستطيع أن أظل صامتة عندما أرى أنكِ تتخذين قرارات متهورة. ربما ترى بعض هذه القرارات غير هامة أو عابرة، لكنها في الواقع قد تؤثر على مستقبلكِ بشكل لا يمكنكِ التنبؤ به الآن. قرارات مثل تأجيل الدراسة أو تجاهل المسؤوليات، قد تؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها في المستقبل.
أنا لا أطلب منكِ أن تكوني مثالية، ولا أن تتبعين طريقي تمامًا. لكنني فقط أريدكِ أن تكوني حكيمة في اختياراتكِ، وألا تندمي عليها في وقت لاحق. الحياة مليئة بالفرص، ولكنها أيضًا مليئة بالمخاطر التي قد تصعب تجاوزها إذا لم نكن مستعدين.
أعتب عليكِ لأنكِ تبتعدين عن القيم التي تربيت عليها
من بين الأشياء التي كانت تميزكِ دائمًا، هو تمسكك بالقيم الإنسانية العميقة التي تربيت عليها. كنتِ دائمًا تعلمين معنى الصدق، الأمانة، ومساعدة الآخرين. لكنني ألاحظ، بمرور الوقت، أنكِ بدأتِ تبتعدين عن هذه القيم شيئًا فشيئًا. أراكي أحيانًا تسعين وراء المظاهر أو تبذلين جهداً لتحقيق مكانة اجتماعية على حساب القيم التي علمتكِ إياها الحياة. هذا ما يجعلني حزينة، ليس لأنني أريدكِ أن تلتزمي بمعايير قديمة، ولكن لأنني لا أريدكِ أن تخسري نفسك في سبيل أشياء تافهة.
أعتب عليكِ لأنكِ لا تتفهمين مشاعري
أنتِ تعرفين كم أنا أحبكِ، لكن أحيانًا، أتمنى أن تشعري بما في قلبي. إنني لا أطلب منكِ أن تُبدعي في التعبير عن مشاعركِ أو أن تُظهري لي حبكِ في كل لحظة، لكنني فقط أريدكِ أن تشعري بي. أن تعلمي أنني لا أفرض عليكِ شيئًا من دون أن يكون وراءه حرصي الشديد على مستقبلكِ.
أنتِ، ابنتي الحبيبة، شخص عزيز جدًا على قلبي. ربما كنتِ تعتقدين أنني أزعجكِ بكثرة النصائح أو التوجيهات، لكنني أفعل ذلك لأنني ببساطة لا أريد لكِ سوى الأفضل. لا أريد أن تعيشي حياتكِ وأنتِ تحملين في قلبكِ ندوبًا من قرارات قد تكونين نادمة عليها في وقت لاحق.
العتاب ليس انتقادًا
إن هذا العتاب الذي أوجهه لكِ ليس من باب الانتقاد أو التشكيك في قدرتكِ على اتخاذ القرارات الصحيحة. بل هو محاولة مني، كأم، أن أكون قريبة منكِ في لحظات قد تكونين فيها في حاجة إلى رأي صادق. ليس من السهل عليّ أن أراكِ تبتعدين عني، أو أن تتخذين طرقًا قد تؤدي إلى مشكلات لم تتوقعيها. ولكن في النهاية، كل ما أفعله هو من باب الحب.
حبي لكِ غير مشروط، ومن أجلكِ سأظل دائمًا هناك، حتى لو ابتعدتِ عني أو شعرتِ أنني أرهقكِ بكلامي. سأظل أراقبكِ وأدعو لكِ دائمًا بأن تجدين الطريق الذي سيجعلكِ سعيدة وناجحة في الحياة.
أنا لا أريدكِ أن تكوني مثالية، بل أريدكِ أن تكوني نفسكِ، لكن في نفس الوقت أريدكِ أن تكوني واعية للعواقب التي قد تنشأ عن أفعالكِ. الحياة مليئة بالفرص والتحديات، وأنا هنا، دائمًا، لأدعمكِ وأرشدكِ، سواء كنتِ بحاجة إلى العون أو النصيحة.
أنا أحبكِ إلى ما لا نهاية، وأعتب عليكِ فقط لأنني أخاف عليكِ من أن تُفوتي فرصًا ثمينة، ومن أن تندمي في وقت لا ينفع فيه الندم.
