هل سيثبت الطفل وجهة نظره في فيلم “Wonder”؟
فيلم “Wonder” (الذي تم إنتاجه في عام 2017)، يستند إلى رواية للكاتبة “R.J. Palacio”، وهو يروي قصة طفل صغير يدعى “أوجي” (الذي يؤدي دوره جاكوب تريمبلاي)، الذي وُلد بتشوهات خلقية في وجهه، جعلته مختلفًا بشكل واضح عن أقرانه. يدور الفيلم حول رحلة أوجي في مواجهة تحديات الحياة اليومية، مثل الذهاب إلى المدرسة، التعرف على أصدقاء جدد، وكذلك التعامل مع التنمر والمواقف الصعبة التي يواجهها بسبب مظهره الخارجي. ولكن من خلال هذه التحديات، يطرح الفيلم سؤالًا محوريًا: هل سيستطيع أوجي أن يثبت وجهة نظره ويجعل الآخرين يرون من خلاله إنسانًا له قيمة ومكانة مثل أي شخص آخر؟
رحلة أوجي في إثبات نفسه
في البداية، يظهر أوجي كشخص حساس للغاية. مظهره يثير دهشة كل من يراه لأول مرة، مما يجعله هدفًا للانتقادات والتهكمات. منذ اللحظات الأولى في الفيلم، يظهر أن أوجي قد اعتاد على شعور الرفض والقلق من التفاعل مع الآخرين، خاصة أنه لم يكن قادرًا على أن يعيش حياة طبيعية مثل باقي الأطفال. منذ صغره، كان يعاني من العمليات الجراحية المتكررة التي كانت تهدف إلى تحسين مظهره، لكن بالرغم من الجهود الطبية، ظل التشوه في وجهه موجودًا، مما جعله يشعر بالاختلاف عن غيره من الأطفال.
من خلال هذه الظروف الصعبة، يظهر أوجي عزيمة كبيرة. رغم المواقف المؤلمة التي مر بها، كان يحمل في داخله رغبة قوية في التواجد في المجتمع وفي الحياة المدرسية مثل أي طفل آخر. وبالرغم من أن الخوف من الرفض يلاحقه في كل لحظة، إلا أن أوجي يبدأ في إثبات أن مظهره الخارجي ليس هو العنصر الوحيد الذي يحدد هويته أو قيمته.
المواقف التي ساعدت أوجي على إثبات وجهة نظره
تعتبر المدرسة المكان الأكثر تحديًا بالنسبة لأوجي. حيث ينتقل من بيئة منزلية رافضة للمجتمع المدرسي الذي يواجه فيه تحديات كبيرة. في البداية، لا يخفى على أوجي شعوره بالغربة، حيث يبدأ الأطفال في تصنيفه بناءً على شكله الخارجي، مما يعكس صعوبة التأقلم مع محيط جديد. لكن مع مرور الوقت، يبدأ في اكتساب أصدقاء حقيقيين يعطونه فرصة ليثبت نفسه بعيدًا عن شكله.
أحد أهم الأحداث في الفيلم هو بداية تفاعل أوجي مع زملائه في المدرسة، الذين يتعرضون لضغوط اجتماعية تقودهم إلى أن يصبحوا أكثر وعيًا بالتمييز والقبول. أحد الشخصيات الرئيسية في الفيلم، هو “جاack” (الذي يؤدي دوره نيل سيثي)، الذي يبدأ في قبول أوجي كصديق حقيقي، ويقف إلى جانبه في العديد من المواقف الصعبة. هذه العلاقة تعكس كيف يمكن للأطفال أن يتعلموا من خلال علاقاتهم الاجتماعية عن معنى التسامح، القبول، والشجاعة في مواجهة التحديات.
من خلال هذه التجارب، يتمكن أوجي من إظهار أن المظهر الخارجي ليس هو المقياس الوحيد للأشخاص. ما يهم هو الشخصية الداخلية، والقدرة على إظهار التعاطف، والتمسك بالقيم الإنسانية. يُظهر أوجي من خلال تفاعلاته كيف يمكن للإنسان أن يمتلك قلبًا طيبًا وعقلاً ناضجًا، حتى وإن كان يواجه صعوبات أو تحديات جسدية.
تأثير العائلة على إثبات وجهة نظر أوجي
العائلة تلعب دورًا كبيرًا في رحلة أوجي لإثبات وجهة نظره. والديه، وخاصة والدته (التي تؤدي دورها جوليا روبرتس)، كانا دائمًا بجانبه. فقد حرصا على أن ينموا أوجي في بيئة محبة وداعمة، حتى يتمكن من مواجهة تحديات الحياة بثقة. والدته تملك حبًا غير مشروط، وهي تدعمه في كل خطوة على الرغم من مشاعر القلق التي قد تراودها بسبب ما سيواجهه في المجتمع.
كما كان لأخته “فيفيان” دور كبير في هذا السياق، حيث أنها كانت تُظهر مشاعر التناقض بين رغبتها في حماية شقيقها وبين الرغبة في أن يتمكن من التعايش مع العالم الخارجي. هي الأخرى كانت تُواجه ضغوطات مجتمعية بسبب حقيقة أنها كانت الأخت الأكبر لأوجي، وهو ما يخلق نوعًا من التوتر في حياتها الشخصية. إلا أن فيفيان، بدورها، كانت تعلم أن الدعم الأسري هو ما سيجعل أوجي يثبت نفسه.
كيف يساهم الفيلم في تسليط الضوء على التنمر
من خلال سرد الأحداث، يسعى الفيلم إلى إثبات أن الأشخاص الذين يواجهون التنمر بسبب مظهرهم أو اختلافاتهم الشخصية ليسوا بالضرورة ضعفاء أو أقل قيمة. بل يمكن لهم أن يظهروا قدراتهم الكامنة التي تخطت الصورة السطحية للآخرين. في عدة مشاهد، يتعرض أوجي لمواقف مؤلمة نتيجة التنمر من قبل زملائه في الصف، ولكن مع مرور الوقت، يظهر كيف يمكن للعلاقات الإنسانية أن تكون أداة فاعلة في تغيير المفاهيم والحد من التحيز.
الفيلم لا يُظهر التنمر فقط من زاوية أوجي، بل يعرض أيضًا كيف يمكن للأطفال الآخرين أن يتعلموا من تجاربهم، وكيف يمكن للتعليم والمشاركة الإنسانية أن يكونا أقوى من كراهية الأقران. كما يتم توجيه الضوء على الضغوط التي قد يتعرض لها الأطفال الذين يتبعون القطيع الاجتماعي ويقعون في فخ التنمر، وكيف يمكن أن تساعد الصداقات الحقيقية في التغيير.
رسالة الفيلم: أكثر من مجرد إثبات وجهة نظر
في النهاية، الفيلم لا يقتصر على مجرد إثبات أوجي لوجهة نظره. بل يعكس حقيقة أعمق حول موضوع القبول، الاحترام المتبادل، وحب الذات. بينما يواجه أوجي صعوبة في أن يُنظر إليه على أنه شخص كامل، فإن الفيلم يسعى جاهدًا لتوصيل رسالة مفادها أن الشخص هو أكثر من مجرد شكله الخارجي. أوجي، رغم مظهره الذي قد يراه البعض غريبًا، يمتلك شخصية فريدة وقوية، ويُظهر في كل لحظة في الفيلم أنه جدير بأن يُعامل باحترام مثل أي شخص آخر.
لقد أثبت أوجي في نهاية الفيلم، ليس فقط لنفسه بل وللآخرين، أن القدرة على النجاح والتأثير لا تتعلق بمظهر الشخص، بل بما يحتويه قلبه وعقله من نية طيبة وقيم إنسانية. “Wonder” ليس فقط قصة عن طفل مختلف، بل هو دعوة للتفكير في مفاهيمنا المسبقة عن الجمال والمساواة والإنسانية.
