رؤية الغرب للإسلام

ماذا قال الغرب عن الإسلام؟

شهد التاريخ الإنساني تفاعلاً معقّداً ومتنوعاً بين الحضارات، ومن بين تلك التفاعلات كان اللقاء الحضاري بين الغرب والإسلام أحد أبرز المحطات التي أثرت في مجريات السياسة والثقافة والفكر العالمي. لم يكن الإسلام بالنسبة للمفكرين الغربيين مجرد دين قائم بذاته، بل مثّل تحدياً فكرياً، وقوة حضارية كبرى أثارت الإعجاب أحياناً والريبة في أحيان أخرى. إلا أنّ شهادات عديدة من مفكرين وعلماء ومؤرخين غربيين حملت نظرة منصفة إلى الإسلام وتعاليمه، واعترفت بدوره في بناء الحضارة الإنسانية، وفي تقديم نموذج ديني وفلسفي واجتماعي غني ومتماسك.

الإسلام في عيون المستشرقين والمفكرين الغربيين

كانت حركة الاستشراق التي نشطت في أوروبا منذ القرن الثامن عشر أحد القنوات الأساسية التي ساهمت في نقل صورة الإسلام إلى الغرب. ورغم ما شاب بعض دراساتها من نزعة استعلائية أو تحامل ثقافي، إلا أن العديد من المستشرقين قدّموا تحليلات دقيقة ومنصفة حول الدين الإسلامي. من أبرز هؤلاء:

• غوستاف لوبون (Gustave Le Bon)، المؤرخ الفرنسي الشهير، عبّر عن إعجابه بشخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبنظام الإسلام بقوله: “لقد كان محمد أعظم الرجال الذين عرفتهم الإنسانية، وهو أعظم من أسس ديانة قائمة على العدل والمساواة”. كما قال عن القرآن الكريم: “إنه كتاب لا يشبه أي كتاب ديني آخر في العالم، إذ جمع بين الروحانية والحياة الواقعية بشكل لا نظير له”.

• توماس كارليل (Thomas Carlyle)، أحد أبرز فلاسفة التاريخ في القرن التاسع عشر، أفرد في كتابه “الأبطال” فصلاً كاملاً للنبي محمد، واعتبره أحد أعظم القادة في التاريخ، ورفض بشدة الادعاءات التي اتهمت النبي بالكذب أو الزيف، قائلاً: “إن من يتهم محمداً بالكذب لا يعرف معنى الصدق، لقد كان محمد صادقاً أميناً يحمل رسالة عظيمة”.

• إدوارد مونتيه (Edward Montet)، المفكر السويسري المعروف، تحدث بإعجاب عن القرآن الكريم وعن النظم التي جاء بها الإسلام، وقال: “الإسلام لا يكتفي بتأمين الجانب الروحي للفرد، بل يقدم نظاماً اجتماعياً وسياسياً متكاملاً، ويكفل كرامة الإنسان وحقوقه”.

الإسلام كدين العقل والمنطق

عدد من الفلاسفة الغربيين أكدوا على الطابع العقلي والمنطقي الذي يتسم به الإسلام، خاصة فيما يتعلق بالعقيدة والتوحيد. لم يكن الإسلام، بحسب رؤيتهم، ديناً غامضاً أو قائماً على الأسرار والخرافات، بل ديناً عقلانياً ينسجم مع المنطق ويحث على العلم والمعرفة.

• مارسيل بوازار (Marcel Boisard)، الباحث في الحضارة الإسلامية، قال في كتابه “الإنسانية والإسلام”: “لقد اتخذ الإسلام العقل دليلاً في معرفة الله والكون، ونبذ كل أشكال التواكل والخرافة، وأسس رؤية عقلانية للعالم، توازن بين المادة والروح”.

• آرثر شوبنهاور (Arthur Schopenhauer)، الفيلسوف الألماني المعروف، أبدى احتراماً كبيراً للديانة الإسلامية لما فيها من صفاء التوحيد ووضوح العقيدة، معتبراً أن الإسلام قد حافظ على نقاء التوحيد أكثر من أي ديانة أخرى.

النظام الاجتماعي في الإسلام من منظور غربي

أثار النظام الاجتماعي الذي قدمه الإسلام منذ القرن السابع الميلادي إعجاب عدد كبير من المفكرين الغربيين، خاصة في ما يتعلق بالعدالة الاجتماعية، ومكانة المرأة، والتشريعات الاقتصادية.

• ول ديورانت (Will Durant)، المؤرخ الأمريكي وصاحب موسوعة “قصة الحضارة”، وصف الشريعة الإسلامية بأنها “نظام متكامل سابق لعصره”، وأشاد بكيفية تنظيمها لشؤون الأفراد والمجتمعات. كما تحدث عن عظمة الوقف الإسلامي باعتباره مؤسسة اجتماعية وإنسانية لعبت دوراً في نشر التعليم والرعاية الصحية.

• آن ماري شيمل (Annemarie Schimmel)، المستشرقة الألمانية والباحثة في التصوف الإسلامي، اعتبرت أن الإسلام قدم رؤية متقدمة لمكانة المرأة، وقالت: “لقد منح الإسلام المرأة حقوقاً قانونية واجتماعية لم تعرفها أوروبا إلا في القرون الحديثة، من حيث حق التملك، والتعليم، واختيار الزوج”.

• مايكل هارت (Michael H. Hart)، المؤلف الأمريكي صاحب كتاب “المئة: ترتيب أعظم الناس تأثيراً في التاريخ”، وضع النبي محمد في المرتبة الأولى قائلاً: “إن اختياري لمحمد ليكون الشخص الأكثر تأثيراً في التاريخ لم يكن نابعا من تحيز، بل لأنه الوحيد في التاريخ الذي نجح على المستويين الديني والدنيوي”.

موقف الغرب من التسامح في الإسلام

صورة الإسلام كدين تسامح وعدالة أثارت اهتمام فئة من المفكرين الغربيين الذين قارَنوا بين الفتوحات الإسلامية وبين الحروب الصليبية أو الاستعمار الأوروبي الحديث.

• ليون تولستوي (Leo Tolstoy)، الكاتب الروسي الشهير، أعجب بأخلاق النبي محمد وتعاليم الإسلام في التسامح، وكتب: “يكفي محمد فخراً أنه خلّص أمةً ذليلة همجية من براثن العبودية وفتح لها طريق التقدم والرقي. إن شريعة محمد ستسود العالم لأنها توافق العقل والمنطق”.

• هاملتون جب (Hamilton A. R. Gibb)، المؤرخ البريطاني المختص في الدراسات الإسلامية، قال: “إن الإسلام لم ينتشر بالسيف كما يدّعي البعض، بل بالقدوة الحسنة والتعامل العادل، وقد قبلت شعوب كثيرة هذا الدين بإرادتها”.

تأثير الإسلام في النهضة الأوروبية

لا يمكن إنكار أن التفاعل الإسلامي الأوروبي في العصور الوسطى، خاصة من خلال الأندلس وصقلية، كان له تأثير عميق في النهضة الفكرية والعلمية التي عرفتها أوروبا. وقد اعترف عدد من المؤرخين الأوروبيين بهذا التأثير:

• جوستاف لوبون أشار إلى أن الحضارة الإسلامية، عبر الجامعات والمكتبات الكبرى في قرطبة وبغداد، كانت المصدر الرئيسي للعلماء الأوروبيين في القرون الوسطى.

• سيديو (Sédillot)، المؤرخ الفرنسي، أكد أن العرب والمسلمين هم الذين “أخرجوا أوروبا من الجهل، وأسسوا قواعد العلم الحديث في الرياضيات والفلك والكيمياء والطب”.

جدول: أبرز المفكرين الغربيين المنصفين للإسلام

خاتمة

إن ما قاله الغرب عن الإسلام يعكس حالة من الإدراك التدريجي لأهمية هذا الدين ودوره الحضاري والفكري، ويكشف في الوقت نفسه عن وجود منصفين كثر من داخل الحضارة الغربية قد تجاوزوا الصورة النمطية المرسومة عن الإسلام في الإعلام والسياسة. لقد أسهم هؤلاء المفكرون في بناء جسور التفاهم بين الحضارات، ووضعوا أسساً لخطاب إنساني مشترك يعترف بالاختلاف، ويحتفي بالقيم العالمية التي حملها الإسلام منذ بزوغه وحتى يومنا هذا.

المصادر

1. Gustave Le Bon, La Civilisation des Arabes, 1884.

2. Michael H. Hart, The 100: A Ranking of the Most Influential Persons in History, 1978.