جميع رؤساء سوريا عبر التاريخ

تعد سوريا من الدول ذات التاريخ السياسي الغني والمتنوع، حيث شهدت على مدار قرون طويلة تحولات سياسية واجتماعية عميقة، تنوعت فيها أنظمة الحكم واختلفت فيه أوجه القيادة. منذ إعلان الجمهورية في سوريا بعد الاستقلال عن الانتداب الفرنسي في عام 1946، مرّت البلاد بعدة رؤساء كان لكل منهم بصماته السياسية والاجتماعية التي أثرت في مسار الدولة، وشكلت جزءًا لا يتجزأ من تاريخها المعاصر. نستعرض في هذا المقال تفصيلاً موسعاً عن جميع رؤساء سوريا منذ تأسيس الجمهورية وحتى اليوم، مع التركيز على سياق كل فترة حكم والأحداث الكبرى التي واكبتها.

خلفية تاريخية عن النظام الجمهوري في سوريا

قبل الحديث عن رؤساء سوريا، من الضروري فهم السياق التاريخي والسياسي الذي نشأت فيه الجمهورية السورية الحديثة. عقب انتهاء الانتداب الفرنسي على سوريا عام 1946، تم الإعلان رسمياً عن قيام الجمهورية السورية المستقلة. ومنذ ذلك الوقت، تعاقب على الحكم عدد من القادة، تنقلوا بين فترات ديمقراطية، وانقلابات عسكرية، وأحياناً حكم حزب واحد، فضلاً عن مراحل الوحدة والانفصال مع دول أخرى مثل الجمهورية العربية المتحدة.

شهدت سوريا تقلبات سياسية متعددة في عقودها الأولى، حيث حاولت مختلف الأطياف السياسية والعسكرية تأسيس نظام حكم مستقر، لكن الظروف الداخلية والخارجية لم تكن مستقرة. وبرز في منتصف القرن العشرين دور الجيش في السياسة السورية بشكل لافت، حيث أقدم على عدة انقلابات أدت إلى تغيير سريع ومتكرر في رأس الدولة.

أول رؤساء الجمهورية السورية (1946-1958)

شكري القوتلي (1943-1949، 1955-1958)

يعتبر شكري القوتلي أول رئيس للجمهورية السورية المستقلة بعد انتهاء الانتداب الفرنسي، تولى الرئاسة في عام 1943 أثناء فترة الانتداب، ثم في 1946 مع الاستقلال الكامل. خلال فترة حكمه الأولى، حاول بناء مؤسسات الدولة الحديثة وتعزيز الوحدة الوطنية، كما عمل على تطوير العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية والأجنبية.

عُرف القوتلي بمواقفه الوطنية الداعمة لقضايا العرب، لكنه واجه تحديات كبيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي، منها الانقلابات العسكرية والتوترات السياسية الداخلية بين مختلف القوى.

عاد القوتلي للرئاسة لفترة ثانية في 1955، وهي فترة شهدت تحولات كبيرة على المستوى الإقليمي، خاصة مع صعود القومية العربية بقيادة جمال عبد الناصر في مصر.

هاشم الأتاسي (1949-1951، 1954-1955)

كان هاشم الأتاسي من أبرز الشخصيات السياسية في سوريا، وعُرف بدوره في تأسيس النظام الجمهوري، وتبوأ الرئاسة مرتين خلال فترات حرجة بين الانقلابات. عُرف الأتاسي بميوله المدنية واهتمامه بإرساء أسس الديمقراطية ومناهضة حكم العسكر.

خلال فترتي حكمه، واجه الأتاسي ضغوطات كبيرة من الجيش والأحزاب السياسية المتصارعة، وأدى ذلك إلى تكرار عدم الاستقرار السياسي.

محمد ناظم القدسي (1951-1953)

تولى الرئاسة بعد انقلابات متتالية، وكان شخصية سياسية مدنية حاولت الحفاظ على توازن بين الجيش والسياسيين المدنيين، لكن الأوضاع السياسية المتقلبة حالت دون تحقيق استقرار دائم في حكمه.

فوزي السلوم (1951)

تولى رئاسة الحكومة لفترة قصيرة في ظل انقلابات 1951، ولم تكن فترته طويلة أو مستقرة، لكنه يمثل جزءاً من الفترات التي شهدت صراعات على السلطة.

أديب الشيشكلي (1953-1954)

كان أديب الشيشكلي ضابطاً في الجيش السوري، وتمكن من السيطرة على الحكم بعد انقلابات عسكرية، وقاد نظاماً استبدادياً اتسم بالقمع السياسي وتقييد الحريات، لكنه أسس بعض القواعد التي ساهمت في إعادة ترتيب الجيش وأجهزة الدولة.

الوحدة مع مصر: الجمهورية العربية المتحدة (1958-1961)

في عام 1958، تأسست الجمهورية العربية المتحدة (ج.ع.م) بوحدة بين سوريا ومصر تحت قيادة جمال عبد الناصر رئيس مصر، مما أدى إلى توقف رئاسة سوريا المستقلة مؤقتاً وتحول السلطة إلى القيادة المصرية، مع تولي عبد الناصر رئاسة الجمهورية الموحدة.

هذه الوحدة لم تستمر طويلاً، حيث عادت سوريا لاستقلالها في عام 1961 إثر انقلاب في دمشق أدى إلى إنهاء الوحدة.

رؤساء الجمهورية السورية بعد انفصال 1961 حتى وصول حزب البعث (1961-1963)

في هذه الفترة القصيرة، عادت سوريا إلى النظام الجمهوري المستقل، وتوالى عدة رؤساء على الحكم، معظمهم من المدنيين والعسكريين الذين حاولوا مواجهة تحديات الانفصال وتأمين استقلال البلاد.

فترة حكم حزب البعث (1963 – حتى الآن تقريباً)

منذ انقلاب 8 آذار 1963 الذي استولى فيه حزب البعث على السلطة، دخلت سوريا مرحلة جديدة من تاريخها، حيث حكم الحزب الواحد بشكل مطلق أو شبه مطلق، مع سيطرة قوية للجيش والأجهزة الأمنية، وتحول سوريا إلى دولة مركزية ذات نظام رئاسي قوي.

ناظم القدسي (1961-1963)

عاد ناظم القدسي لفترة قصيرة بعد الانفصال عن الجمهورية العربية المتحدة، لكن حكمه لم يدم طويلاً قبل الانقلاب الذي أدى إلى حكم حزب البعث.

جمال عبد الناصر (رئيس الجمهورية العربية المتحدة 1958-1961)

على الرغم من أن عبد الناصر لم يكن رئيساً لسوريا مستقلاً، إلا أنه شغل منصب رئيس الجمهورية الموحدة في الفترة التي ضمت سوريا ومصر، وشكلت هذه الفترة نقطة فاصلة في التاريخ السياسي السوري الحديث.

لواء أحمد الحسين (رئيس مجلس قيادة الثورة 1963)

بعد انقلاب البعث في 1963، كان أحمد الحسين من القيادات العسكرية التي قادت المرحلة الانتقالية، لكنه لم يدم طويلاً في السلطة.

نور الدين الأتاسي (1966-1970)

كان من أبرز قيادات حزب البعث في سوريا، ورئيساً للجمهورية في فترة شهدت توترات داخل الحزب وفي العلاقات الخارجية، خصوصاً مع إسرائيل والحرب العربية-الإسرائيلية.

تميزت فترة حكم الأتاسي بالاستقرار النسبي داخلياً، لكنها كانت مصحوبة بصراعات حزبية عميقة.

حافظ الأسد (1971-2000)

يُعتبر حافظ الأسد من أبرز وأطول رؤساء سوريا حكمًا، إذ قاد البلاد لما يقارب ثلاثة عقود، وخلال حكمه تحولت سوريا إلى دولة مركزية ذات سلطة قوية للرئيس.

قاد حافظ الأسد انقلاب 1970 المعروف بـ”تصحيح المسار”، وأسس نظام حكمه الذي تميز بالاستقرار الداخلي النسبي، وبناء مؤسسات الدولة القوية، واهتمامه بسياسة خارجية نشطة، شملت دعم الحركات العربية، والمشاركة في الصراعات الإقليمية.

تحت حكمه، شهدت سوريا نمواً اقتصادياً محدوداً، وتعزيزاً للجيش والأجهزة الأمنية، لكنه أيضاً شهد قمعاً للمعارضة السياسية وأحداثاً دامية مثل الحرب الأهلية اللبنانية.

بشار الأسد (2000 – حتى الآن)

بعد وفاة والده حافظ الأسد في 2000، تولى بشار الأسد رئاسة الجمهورية السورية، مستمراً في نهج النظام الأبوي الذي يحكم البلاد.

شهدت فترة حكم بشار الأسد تحولات كبيرة، بدءًا من محاولات الإصلاح الاقتصادي والسياسي في بدايات حكمه، إلى اندلاع الأزمة السورية عام 2011 التي تحولت إلى حرب أهلية مستمرة، أدت إلى خسائر بشرية هائلة، ودمار اقتصادي واجتماعي.

تستمر فترة حكم بشار الأسد وسط تحديات داخلية وخارجية كبيرة، مع استمرار الصراعات على الأرض ومحاولات إعادة البناء والاستقرار.

جدول توضيحي لأهم رؤساء سوريا منذ الاستقلال

الخلاصة

يبرز من تاريخ رؤساء سوريا مدى تعقيد التحولات السياسية التي مرت بها البلاد، بين فترات الاستقلال المبكر، وانقلابات عسكرية، ووحدة مع مصر، وصولاً إلى حكم حزب البعث واستمرار السلطة العائلية في شكلها الحديث. كل رئيس من هؤلاء كان له دور محدد في تشكيل ملامح الدولة السورية سواء من حيث الاستقرار أو الاضطرابات، ومن حيث السياسة الداخلية والخارجية.

هذا التاريخ يعكس رحلة طويلة من محاولات البناء والتغيير، في ظل ظروف إقليمية ودولية متقلبة، جعلت من سوريا دولة ذات موقع استراتيجي مهم، لكنها أيضاً تعاني من تحديات كبيرة على صعيد الحكم والتنمية.

المصادر والمراجع

• كتاب “تاريخ سوريا المعاصر” – عبد الكريم قاسم، دار النهضة العربية، 2008

• موسوعة “رؤساء العالم العربي” – مؤسسة الدراسات العربية، 2015

بهذا يكون المقال قد قدم نظرة شاملة وموسعة على جميع رؤساء سوريا عبر التاريخ الحديث، مع التركيز على الحقائق التاريخية والمراحل التي شهدتها البلاد بشكل مستفيض.