جميع الدول التي تعترف بجمهورية لوغانسك: السياق الجيوسياسي والاعترافات الدولية
تُعد “جمهورية لوغانسك الشعبية” (Luhansk People’s Republic – LPR) كياناً انفصالياً أُعلن من جانب واحد داخل الحدود الدولية المعترف بها لأوكرانيا، وتحديداً في منطقة لوغانسك شرقي البلاد. تأسست الجمهورية المعلنة ذاتياً في عام 2014 في سياق أحداث الصراع السياسي والعسكري الذي تفجّر عقب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم. وقد رافقت إعلانها سلسلة من الأحداث الجذرية التي أفضت إلى تغيير كبير في المشهد الجيوسياسي لمنطقة شرق أوروبا. الاعترافات الدولية بهذا الكيان كانت محدودة جداً، لكنها ذات دلالات عميقة ترتبط بتحالفات سياسية وصراعات نفوذ عالمي.
السياق التاريخي والجغرافي لتأسيس جمهورية لوغانسك
تاريخياً، كانت منطقة لوغانسك جزءاً من إقليم دونباس الصناعي في شرق أوكرانيا، وهي منطقة تتميز بغالبية ناطقة بالروسية وبتقارب ثقافي وتاريخي مع روسيا الاتحادية. في أعقاب الثورة الأوكرانية عام 2014 وسقوط الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، تصاعدت النزعة الانفصالية في الشرق الأوكراني، مدفوعة بدعم روسي مباشر أو غير مباشر، ما أدى إلى إعلان جمهوريتين شعبيتين هما دونيتسك ولوغانسك.
أعلنت “جمهورية لوغانسك الشعبية” استقلالها من جانب واحد في أبريل 2014 بعد استفتاء مثير للجدل، لم تعترف به الحكومة الأوكرانية ولا غالبية دول العالم. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت المنطقة ساحة للصراع المسلح بين القوات الأوكرانية والانفصاليين المدعومين من روسيا، مما أدى إلى نشوء نزاع مسلح طال أمده وأسفر عن آلاف القتلى والمشردين.
الوضع القانوني والدولي للجمهورية
من وجهة نظر القانون الدولي، تُعد منطقة لوغانسك جزءاً لا يتجزأ من أراضي أوكرانيا ذات السيادة. الأمم المتحدة وغالبية الدول الأعضاء فيها، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، تعتبر أي إعلان استقلال من جانب واحد في هذه المنطقة غير قانوني، وتؤكد على وحدة الأراضي الأوكرانية وسيادتها.
وعلى الرغم من هذا الموقف الدولي الواضح، إلا أن بعض الدول، سواء بدافع سياسي أو استراتيجي أو أيديولوجي، قدمت اعترافاً رسمياً أو ضمنياً بجمهورية لوغانسك، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة من المجتمع الدولي وزاد من تعقيد المشهد الجيوسياسي الإقليمي.
الدول التي اعترفت بجمهورية لوغانسك الشعبية
الاعتراف بجمهورية لوغانسك ظل محدوداً للغاية، ويرتبط في الغالب بمحور دولي يعارض الهيمنة الغربية، ويقف موقفاً داعماً لروسيا الاتحادية. فيما يلي أهم الدول والكيانات التي قدمت اعترافاً رسمياً أو ضمنياً بجمهورية لوغانسك:
1. روسيا الاتحادية
في 21 فبراير 2022، أي قبل أيام قليلة من الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعتراف بلاده رسمياً بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتين كدولتين مستقلتين. جاء هذا القرار في أعقاب تصاعد التوترات بين روسيا وأوكرانيا، وبعد سنوات من دعم روسيا غير المعلن لهاتين الجمهوريتين من خلال الدعم العسكري والمالي والسياسي.
هذا الاعتراف تَمثّل في توقيع اتفاقيات “صداقة وتعاون ومساعدة متبادلة”، وتم نشر قوات روسية تحت ذريعة “حفظ السلام” في الأراضي التي تسيطر عليها هذه الكيانات.
2. سوريا
في 29 يونيو 2022، أعلنت الحكومة السورية اعترافها بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك كدولتين مستقلتين. هذا الموقف جاء في سياق علاقات وثيقة بين دمشق وموسكو، وفي ظل الدعم الروسي المطلق للحكومة السورية خلال سنوات الحرب الأهلية. وزارة الخارجية السورية أكدت أن هذا الاعتراف جاء “تجسيداً للإرادة المشتركة” بين سوريا وروسيا في مقاومة ما وصفته بـ”الهيمنة الغربية”.
3. كوريا الشمالية
في 13 يوليو 2022، أعلنت كوريا الشمالية اعترافها بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك. هذا الاعتراف يُعد رمزياً بامتياز ويأتي في سياق تقارب بين بيونغ يانغ وموسكو ضد المحور الغربي، خصوصاً الولايات المتحدة. العلاقات التاريخية بين كوريا الشمالية وروسيا تعززت في الأعوام الأخيرة، ما أدى إلى تبني مواقف متطابقة في العديد من الملفات الدولية.
4. أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية
وهما جمهوريتان انفصاليتان أُعلنتا من جانب واحد داخل الأراضي الجورجية، وتحظيان باعتراف روسيا وعدد محدود جداً من الدول. كل من أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية أعلنتا اعترافهما بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، في خطوة تتماشى مع الموقف الروسي. إلا أن هاتين الكيانتين لا تحظيان بعضوية في الأمم المتحدة، وبالتالي فإن اعترافهما لا يملك وزناً قانونياً دولياً فعلياً، لكنه يحمل رمزية سياسية واضحة في إطار تحالفات “الدول غير المعترف بها” جزئياً.
الجدول التوضيحي: الدول والكيانات التي اعترفت بجمهورية لوغانسك
| الدولة أو الكيان | نوع الاعتراف | تاريخ الاعتراف | ملاحظات |
|---|---|---|---|
| روسيا الاتحادية | اعتراف رسمي | 21 فبراير 2022 | وقّعت اتفاقيات تعاون ونشرت قوات داخل الأراضي المعترف بها |
| سوريا | اعتراف رسمي | 29 يونيو 2022 | أُعلنت الخطوة رسمياً عبر وزارة الخارجية السورية |
| كوريا الشمالية | اعتراف رسمي | 13 يوليو 2022 | جاء في إطار تقارب سياسي مع روسيا |
| أوسيتيا الجنوبية | اعتراف رسمي (كيان جزئي الاعتراف) | يوليو 2022 | كيان غير معترف به دولياً |
| أبخازيا | اعتراف رسمي (كيان جزئي الاعتراف) | يوليو 2022 | اعتراف ذو طابع رمزي ضمن المحور الروسي |
رفض المجتمع الدولي وتداعيات الاعتراف
الاعتراف بجمهورية لوغانسك أدى إلى موجة استنكار دولي واسعة. الأمم المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا واليابان وأستراليا وغيرها أدانت هذا الاعتراف واعتبرته انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، خصوصاً مبدأ احترام وحدة أراضي الدول وسيادتها.
ترافق هذا الاعتراف مع فرض عقوبات اقتصادية مشددة على روسيا وعلى الكيانات الانفصالية ذاتها. وتم إدراج قادة جمهوريات دونيتسك ولوغانسك على قوائم العقوبات الغربية، بما في ذلك تجميد الأصول ومنع السفر.
الأثر الجيوسياسي للاعتراف المحدود
يُظهر واقع الاعتراف المحدود بجمهورية لوغانسك أن المجتمع الدولي لا يعترف بشرعية هذه الكيانات، ويرفض أي محاولة لتغيير الحدود الدولية بالقوة. لكن في المقابل، فإن الدعم الروسي، وكذلك الدعم الرمزي من بعض الدول مثل سوريا وكوريا الشمالية، يكرّس واقعاً انفصالياً على الأرض، ويُعقد الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى تسوية سلمية للنزاع.
كما أن الاعترافات الرمزية، رغم محدوديتها، تساهم في شرعنة الكيان الانفصالي داخلياً وتوفر له غطاءً سياسياً للاستمرار، كما تُستخدم من قبل روسيا كأدوات لتعزيز نفوذها السياسي والعسكري في شرق أوروبا.
تطورات لاحقة: الضم الروسي للأراضي
في سبتمبر 2022، أعلنت روسيا تنظيم استفتاءات في الأراضي التي تسيطر عليها داخل أوكرانيا، بما فيها جمهورية لوغانسك، وأعلنت ضم هذه الأراضي إلى الاتحاد الروسي. هذا التحرك لم يحظَ بأي اعتراف دولي سوى من قبل الدول التي سبق أن اعترفت بالجمهوريتين الانفصاليتين. ومع ذلك، فقد ساهم في ترسيخ الواقع السياسي الذي فرضته روسيا، وأدى إلى تعزيز عزلتها الدولية.
الخلاصة
الاعتراف بجمهورية لوغانسك الشعبية يظل ظاهرة نادرة في النظام الدولي، ويُعتبر في معظمه مندرجاً ضمن سياق تحالفات جيوسياسية قائمة على معارضة الهيمنة الغربية ودعم النفوذ الروسي في المنطقة. ومع أن عدد الدول التي اعترفت بها محدود جداً، إلا أن هذا الاعتراف يكشف عن تشابك العلاقات الدولية وتعقيد النزاعات الحديثة التي تتجاوز الحدود الجغرافية لتصبح جزءاً من صراع عالمي على النفوذ والمصالح.
المراجع
-
وزارة الخارجية الروسية – الاعتراف بجمهوريات دونيتسك ولوغانسك.
-
بيانات الأمم المتحدة – الجمعية العامة بشأن وحدة أراضي أوكرانيا.
