دول بحر الصين الجنوبي

يمثل بحر الصين الجنوبي واحداً من أهم المسطحات البحرية في العالم، سواء من حيث الموقع الجغرافي الاستراتيجي، أو الموارد الطبيعية الغنية، أو التنافسات الجيوسياسية المتزايدة حوله. ويقع هذا البحر في جنوب شرق آسيا، ويمتد من مضيق تايوان في الشمال إلى مضيق ملقا في الجنوب، وتطل عليه مجموعة من الدول التي تنتمي إلى قارة آسيا، بعضها من القوى الإقليمية الصاعدة، وبعضها يشكل محاور صراع إقليمي ودولي. يحتوي هذا البحر على ممرات بحرية من بين الأكثر ازدحاماً على مستوى العالم، ويمثل شرياناً حيوياً للتجارة الدولية.

فيما يلي، نقدم دراسة شاملة لجميع الدول المطلة على بحر الصين الجنوبي، من حيث الموقع الجغرافي، الأهمية الاقتصادية والعسكرية، النزاعات البحرية، والأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالبحر، فضلاً عن تحليل العلاقات فيما بينها وسياق التنافس الدولي حول هذا الممر البحري الحيوي.

الموقع الجغرافي وحدود بحر الصين الجنوبي

يمتد بحر الصين الجنوبي ليغطي مساحة تقارب 3.5 مليون كيلومتر مربع. يحده من الشمال الصين وتايوان، ومن الغرب فيتنام، ومن الجنوب ماليزيا وبروناي وإندونيسيا، ومن الشرق الفلبين. يتميز البحر بوجود مئات الجزر والشعاب المرجانية، أبرزها جزر سبراتلي وجزر باراسيل، وهي محور رئيسي للنزاعات الإقليمية بين الدول المطلة عليه.

قائمة الدول المطلة على بحر الصين الجنوبي

يمكن حصر الدول المطلة على بحر الصين الجنوبي في سبع دول رئيسية، هي:

الصين: القوة المهيمنة في بحر الصين الجنوبي

تعتبر الصين الدولة الأكثر نفوذاً في بحر الصين الجنوبي، حيث تطالب بما يسمى “خط النقاط التسع” الذي يغطي حوالي 90% من مساحة البحر. بدأت الصين منذ سنوات في بناء جزر صناعية ومرافق عسكرية في جزر سبراتلي وباراسيل، وهو ما أثار اعتراضات دولية واسعة، خاصة من الولايات المتحدة ودول الجوار.

تمثل هذه السياسات الصينية مسعىً للهيمنة على الممرات البحرية الرئيسية والسيطرة على الموارد الهائلة من النفط والغاز والثروة السمكية في المنطقة. وعلى الرغم من صدور حكم من محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي عام 2016 يبطل مطالب الصين، فإن بكين تجاهلت الحكم واستمرت في تعزيز وجودها العسكري.

الفلبين: الحليف الأمريكي في جنوب شرق آسيا

تعد الفلبين من أبرز المعارضين للمطالب الصينية. وتستند مانيلا إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) في المطالبة بحقوقها الاقتصادية الحصرية. وقد حصلت في عام 2016 على حكم دولي يدعم موقفها، غير أن تنفيذ هذا الحكم على الأرض بقي معلقاً في ظل التوازنات الإقليمية.

الفلبين وقعت اتفاقيات دفاع مشترك مع الولايات المتحدة، وقد بدأت تسمح باستخدام قواعدها العسكرية من قبل القوات الأمريكية في سياق ردع التمدد الصيني في المنطقة.

فيتنام: القوة الإقليمية المنافسة للصين

فيتنام لها تاريخ طويل من النزاع مع الصين، يشمل مواجهات بحرية مباشرة في العقود الماضية. تطالب هانوي بجزر باراسيل وسبراتلي، وتعتبرها جزءاً لا يتجزأ من أراضيها. تنشط فيتنام في تعزيز قدراتها البحرية وتحديث أسطولها العسكري بدعم من روسيا والهند.

كما تعمل فيتنام على توسيع شراكاتها الاقتصادية والعسكرية مع الدول الغربية واليابان من أجل الحفاظ على توازن القوة في بحر الصين الجنوبي.

ماليزيا وبروناي: دبلوماسية هادئة ومطالب قانونية

ماليزيا لها مطالب بحرية ضمن منطقتها الاقتصادية الخالصة، وتسيطر على عدد من الجزر في سبراتلي. تتبنى سياسة أقل تصادمية من الفلبين أو فيتنام، وتركز على المسارات الدبلوماسية في مواجهة التصعيد الصيني.

بروناي من جانبها تطالب بجزء صغير من البحر، وتُعرف بأنها الأقل إثارة للخلافات بين الدول المطلة. تعتمد على القانون الدولي وتنسق مع دول رابطة آسيان في إدارة الملف.

تايوان: موقف مشابه للصين ولكن بلا قوة داعمة

تايوان تطالب بجميع جزر بحر الصين الجنوبي، بناء على موقف تاريخي يعود إلى ما قبل الانفصال السياسي مع الصين. إلا أن وضعها كدولة غير معترف بها من قبل معظم المجتمع الدولي يجعل موقفها القانوني والسياسي ضعيفاً نسبياً، على الرغم من أنها تسيطر فعلياً على جزيرة تايبينغ (إيتو آبا) في سبراتلي.

إندونيسيا: نزاعات محدودة في جزر ناتونا

رغم أن إندونيسيا لا تطالب بجزر في بحر الصين الجنوبي، فإنها تواجه نزاعات مع الصين بشأن المنطقة الاقتصادية الخالصة قرب جزر ناتونا. وقد عززت إندونيسيا وجودها العسكري في المنطقة، وأطلقت تدريبات بحرية موسعة كإشارة على استعدادها للدفاع عن حدودها البحرية.

الأهمية الاقتصادية لبحر الصين الجنوبي

يمثل بحر الصين الجنوبي محوراً استراتيجياً للاقتصاد العالمي. تمر عبره أكثر من ثلث التجارة البحرية العالمية، ويُقدَّر حجم التجارة السنوية عبره بأكثر من 3 تريليونات دولار أمريكي.

يُعتقد أن البحر يحتوي على احتياطات ضخمة من النفط والغاز الطبيعي تقدر بما يزيد عن 11 مليار برميل نفط و190 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، إضافة إلى أنه يضم واحداً من أغنى مصائد الأسماك في العالم، ما يزيد من حدة التنافس بين الدول المطلة عليه.

التوازن العسكري في المنطقة

التواجد العسكري في بحر الصين الجنوبي أصبح كثيفاً ومعقداً. إضافة إلى الصين والدول الساحلية، هناك تواجد مستمر للولايات المتحدة الأمريكية، التي تعتبر أن حرية الملاحة في المنطقة خط أحمر. وقد أرسلت واشنطن مراراً سفناً حربية للمرور عبر البحر في إطار ما تسميه بـ “عمليات حرية الملاحة”.

كما تسهم دول أخرى مثل اليابان وأستراليا والهند في موازنة النفوذ الصيني، عبر المناورات المشتركة والتعاون الدفاعي مع دول آسيان.

النزاعات البحرية والوساطات الدولية

النزاعات في بحر الصين الجنوبي تشمل مطالبات متداخلة ومعقدة، تعيق الوصول إلى اتفاق شامل. ورغم جهود رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) لإرساء “مدونة سلوك” قانونية ملزمة، فإن المفاوضات لا تزال متعثرة بسبب تعنت بعض الأطراف، خصوصاً الصين.

من جهة أخرى، تسعى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى تدويل المسألة وتقديم دعم دبلوماسي للدول التي تواجه مطالب الصين، ما يضفي على النزاع بعداً جيوسياسياً عالمياً.

خريطة النزاعات البحرية في بحر الصين الجنوبي

فيما يلي تمثيل مبسط للمطالبات الإقليمية:

أهمية بحر الصين الجنوبي للمستقبل العالمي

يمثل بحر الصين الجنوبي نموذجاً مصغراً للصراعات المستقبلية على الموارد والممرات التجارية، ويعكس التنافس بين القوى الصاعدة والتقليدية في النظام العالمي. ومن المحتمل أن تبقى المنطقة نقطة توتر دائم، ما لم تُبرم تسويات دولية قائمة على القانون الدولي والاحترام المتبادل للسيادة والمصالح الاقتصادية.

المراجع

• United Nations Convention on the Law of the Sea (UNCLOS)

• Asia Maritime Transparency Initiative (CSIS)

• The International Crisis Group Reports

• World Bank South China Sea Trade Reports

• Jane’s Defence Weekly (Reports on Military Developments)

• وزارة الشؤون الخارجية الفلبينية

• تقارير وكالة الأنباء الصينية الرسمية (شينخوا)

• دراسات المركز الإندونيسي للدراسات البحرية

• مجلة الشؤون الدولية الصينية – جامعة بكين