دورة التزاوج عند القطط

القطط من الحيوانات الثديية التي تثير اهتمام الكثيرين حول سلوكها الحيوي والفيزيولوجي، ومن بين الموضوعات الشائعة التي يكثر التساؤل عنها هو ما إذا كانت القطط تمر بدورة شهرية مشابهة لتلك التي تحدث عند البشر. لفهم هذا الموضوع بدقة، من الضروري التعمق في طبيعة التكاثر عند القطط، آلية دورة التزاوج لديها، والفرق بين دورة التبويض عندها وبين الدورة الشهرية البشرية، بالإضافة إلى تأثير هذه العملية على سلوك القطط وكيفية التعامل معها خلال هذه الفترات.

طبيعة دورة التكاثر عند القطط

القطط، مثلها مثل معظم الثدييات، لديها دورة تكاثرية تنظمها هرمونات خاصة، لكنها تختلف جوهريًا عن الدورة الشهرية لدى الإنسان. القطط ليست لديها دورة شهرية بالمعنى الذي يحدث عند البشر، بل تمر بما يعرف بـ”الدورة التناسُلية” أو “الدورة الشبقية” (Estrous cycle) التي تُعرف عادة باسم “الحرارة” أو “الطور الشبقي” (Estrus). خلال هذه الفترة، تكون القطة مستعدة للتزاوج والتلقيح، وتحدث تغيرات هرمونية وسلوكية واضحة.

الدورة الشبقية عند القطط هي جزء من دورة الحيض عند الحيوانات، لكنها تختلف كثيرًا عما يحدث في الإنسان من ناحية حدوث النزيف وانسلاخ بطانة الرحم. في القطط، لا يحدث نزيف دوري كما في البشر، لذلك لا يطلق عليها دورة شهرية، وإنما دورة شبقية مع فترات من الحرارة تستمر لعدة أيام.

مراحل دورة التزاوج عند القطط

تتكون دورة التزاوج عند القطط من عدة مراحل تتمثل في:

1. الطور الشبقي (Estrus): هي الفترة التي تكون فيها القطة في حالة استعداد للتزاوج. تتميز هذه المرحلة بسلوكيات مثل المواء المستمر، التدحرج، رفع الحوض، والتقرب من الذكور. تستمر هذه المرحلة عادة من 3 إلى 7 أيام، وقد تمتد أحيانًا إلى 10 أيام.

2. الطور البيني (Interestrus): فترة ما بين النوبات الشبقية، حيث تهدأ القطة وتعود إلى سلوكها الطبيعي إذا لم يحدث التزاوج.

3. الطور اللبي (Diestrus): إذا حدث التزاوج ونجح التلقيح، تدخل القطة هذه المرحلة، والتي تستمر طوال فترة الحمل.

4. الطور الانقسامي (Proestrus): فترة قصيرة قبل بداية الطور الشبقي تتميز بتغيرات هرمونية، لكنها لا تظهر سلوكيات الحرارة بشكل واضح.

تختلف مدة هذه المراحل حسب العوامل المناخية، صحة القطة، والعوامل البيئية مثل طول النهار.

الفرق بين الدورة الشهرية لدى الإنسان والدورة الشبقية لدى القطط

في الإنسان، تحدث الدورة الشهرية بانتظام كل 28 يومًا تقريبًا، وتشمل انسلاخ بطانة الرحم وظهور نزيف حيض. هذه الدورة تحضر الجسم لاحتمال حدوث حمل، وإذا لم يحدث التخصيب تُطرح بطانة الرحم ويبدأ الدورة من جديد.

أما عند القطط، فلا يحدث انسلاخ دوري لبطانة الرحم مع نزيف منتظم. بطانة الرحم لا تُطرح إلا إذا لم يحدث تلقيح بعد فترة من التزاوج، وأحيانًا قد يحدث نزيف طفيف ولكنه ليس منتظمًا ولا يشبه الحيض البشري. وعادة ما تعيد القطة دخول دورة الشبق كل عدة أسابيع خلال موسم التكاثر، والذي يتزامن غالبًا مع فصول الربيع والصيف حين تزداد فترة الإضاءة اليومية.

تأثير دورة التزاوج على سلوك القطط

تتغير سلوكيات القطة بشكل ملحوظ أثناء فترة الحرارة. من أبرز هذه التغيرات:

• الزيادة في المواء: تصدر القطة أصواتًا عالية ومتكررة لجذب الذكور.

• الاحتكاك بالأشياء: تتصرف القطة وكأنها تحاول استثارة الذكور، مثل الاحتكاك بالأثاث أو الأشخاص.

• رفع الحوض: عندما تلمس القطة، ترفع مؤخرتها بطريقة واضحة، مما يشير إلى استعدادها للتزاوج.

• القلق والتململ: قد تظهر القطة حركة مستمرة وتقل في نومها.

هذه السلوكيات نتيجة إفراز هرمونات مثل الإستروجين التي تؤثر على الجهاز العصبي والمزاجي.

الخصائص البيولوجية للدورة الشبقية عند القطط

تُعد القطط من الحيوانات ذات التبويض المحفز (Induced ovulators)، بمعنى أن الإباضة لا تحدث إلا عند حدوث التزاوج نفسه، حيث يؤدي التحفيز الميكانيكي أثناء التزاوج إلى إفراز هرمون معين يسبب الإباضة. هذه الخاصية تختلف عن الإنسان حيث تحدث الإباضة بشكل دوري مستقل عن التزاوج.

وهذا يفسر لماذا تدخل القطة دورة الشبق وتكون مستعدة للتزاوج لفترات متقطعة طالما لم يتم تلقيحها. إذا لم يحدث تزاوج، تعود القطة إلى فترة الطور البيني ومن ثم تدخل دورة الشبق مرة أخرى بعد فترة قصيرة، وهكذا تستمر العملية.

العوامل المؤثرة على دورة التزاوج عند القطط

تتأثر دورة التزاوج بعدة عوامل رئيسية تشمل:

• الضوء: القطط حساسة لفترة الإضاءة، حيث أن زيادة ساعات الضوء في اليوم تحفز نشاط الغدة النخامية وتؤدي إلى تحفيز الدورة الشبقية. لذلك، تكثر الفترات الشبقية في الربيع والصيف.

• الحرارة: درجات الحرارة المعتدلة تعزز النشاط التناسلي.

• الصحة العامة: الحالات المرضية والتغذية تؤثر على انتظام الدورة.

• العمر: القطط تبدأ بالدخول في دورة الشبق منذ بلوغها الجنسي الذي يختلف بين 5 إلى 10 أشهر تقريبًا.

هل تمر القطط بنزيف يشبه الدورة الشهرية؟

عادة لا تظهر القطط نزيفًا دمويًا مثل الذي يحدث في الدورة الشهرية البشرية، لكن قد تلاحظ بعض الإفرازات الدموية القليلة خلال بعض مراحل الدورة الشبقية، لكن هذا ليس أمرًا شائعًا، ولا يمثل دورة شهرية.

إذا ظهرت نزوف دموية واضحة من القطة، قد يكون ذلك علامة على وجود مرض أو إصابة، ويجب استشارة الطبيب البيطري.

الفرق بين القطط المنزلية والقطط البرية في دورة التزاوج

القطط المنزلية التي تعيش في بيئات ذات إضاءة اصطناعية أو داخل المنازل قد تختلف دورة تزاوجها قليلاً بسبب اختلاف العوامل البيئية. أما القطط البرية فتكون دوراتها مرتبطة بشكل أكبر بالتغيرات الموسمية الطبيعية.

كيفية التعامل مع القطط خلال فترة الحرارة

أصحاب القطط التي لم تُعقم عادةً يعانون من سلوكيات الحر الشديد للقطط في بعض الأوقات. من الإجراءات المتبعة لتخفيف هذا السلوك:

• العناية بالقطط: توفير بيئة هادئة ومريحة.

• تجنب الإثارة: تقليل تعرض القطط لمثيرات مثل وجود ذكور.

• القيام بالتعقيم: وهو الحل الأمثل للحد من هذه الدورات والسلوكيات المصاحبة، إضافة لمنع الحمل غير المرغوب فيه ومشاكل صحية مستقبلية.

آثار دورة التزاوج على الصحة الإنجابية للقطط

تكرار الدخول في دورة الشبق دون تلقيح يسبب أحيانًا إرهاقًا هرمونيًا للجسم، ويزيد من خطر الإصابة ببعض أمراض الرحم والثدي. القطط التي تتعرض لتكاثر متكرر دون راحة تكون أكثر عرضة للأمراض مثل التهاب الرحم أو الأورام الثديية.

لذلك يُوصى بالعناية الصحية الدورية والمتابعة مع الطبيب البيطري لضمان صحة القطة.

ملخص الجدول التالي يوضح الفروقات الرئيسية بين الدورة الشهرية البشرية والدورة الشبقية عند القطط:

مصادر ومراجع

• كتاب “Biology of the Cat” – J. Turner and P. Bateson (2014)

• مقال علمي: “Reproductive Physiology of the Domestic Cat” في مجلة Journal of Feline Medicine and Surgery (2018)

يتضح من هذا العرض أن القطط لا تمتلك دورة شهرية كما في البشر، بل تمر بدورة شبقية خاصة بالتكاثر، والتي تؤثر على سلوكها وهرموناتها بطريقة مختلفة تمامًا عن الدورة الشهرية الإنسانية. فهم هذه الاختلافات مهم لأصحاب القطط والمربين في التعامل السليم مع القطط خلال فترات الحرارة والتزاوج.