دَور ميسّر الحدث: إدارة حدث ما للوصول إلى نتيجة ناجحة

تُعدّ إدارة الفعاليات من أهم مكونات التواصل الفعّال في المجتمعات والمؤسسات الحديثة، حيث تشكّل نقطة التقاء بين الأهداف التنظيمية والطموحات الجماعية. وفي قلب هذه العملية المعقدة والحيوية، يبرز دَور ميسّر الحدث كعنصر حاسم في تحويل الفكرة إلى واقع ملموس، وضمان تحقيق النتائج المرجوة ضمن إطار زمني وبيئة ديناميكية مليئة بالتحديات. فميسّر الحدث ليس مجرد منسق لجدول أو ناطق رسمي باسم المنظمين، بل هو عقل الحدث النابض، يقود الحوار، ويضبط الإيقاع، ويوجّه التفاعلات نحو هدف مشترك.

أولاً: ماهية التيسير ولماذا هو مهم

مفهوم التيسير

التيسير هو عملية خلق بيئة تمكّن المشاركين من التفاعل بشكل فعّال ومثمر، وتحقيق أهداف محددة من خلال التوجيه والتنسيق الذكي، دون فرض رأي أو قيادة سلطوية. وميسّر الحدث هو الشخص الذي يتحمّل مسؤولية هذه المهمة، إذ يحرص على أن تسير الجلسات والأنشطة ضمن إطار من التنظيم والاحترام المتبادل، مع الحفاظ على تركيز المجموعة وفاعليتها.

أهمية التيسير في الفعاليات

لا يقتصر نجاح أي حدث على الحضور واللوجستيات، بل يتوقف إلى حد كبير على جودة الحوار، ومدى مشاركة الجمهور، وتحقيق الغايات المرجوة. وهنا تأتي أهمية التيسير، إذ يسهم في:

• خلق بيئة شاملة ومفتوحة للتعبير.

• إدارة الوقت وتوزيع الموارد بشكل فعّال.

• تعزيز الحوار البنّاء وتقليل التوترات.

• توجيه النقاشات نحو حلول قابلة للتنفيذ.

• التأكد من مشاركة جميع الحضور بطريقة عادلة ومثمرة.

ثانياً: المهارات الأساسية التي يجب أن يتحلى بها ميسّر الحدث

1. مهارات التواصل الفعّال

ميسّر الحدث يجب أن يكون متحدثًا لبقًا، منصتًا جيدًا، وقادرًا على نقل الرسائل بطريقة واضحة وودية، سواء للجمهور أو بين المشاركين. وتُعدّ القدرة على قراءة لغة الجسد، وفهم الفروق الثقافية، جزءًا لا يتجزأ من هذه المهارات.

2. مهارة إدارة الوقت

أحد الأدوار الجوهرية للميسّر هو تنظيم الوقت والتأكد من أن كل جزء من الحدث يتم تنفيذه وفق الخطة الزمنية دون تأخير أو تسرّع. هذه المهارة تمنع ارتباك الحضور وتحافظ على تدفّق الحدث.

3. التفكير التحليلي واتخاذ القرار السريع

القدرة على قراءة الوضع في الوقت الحقيقي، تحليل النقاشات، والقيام بتدخلات مدروسة عند الحاجة من دون تعطيل مجريات الحدث، هي من أبرز سمات الميسّر الناجح. فهو لا يتدخل عبثًا، بل يتدخل عندما يشعر بأن النقاش قد خرج عن مساره، أو أن المشاركين بحاجة إلى توجيه إضافي.

4. إدارة التفاعل الجماعي

ميسّر الحدث يجب أن يعرف كيف يخلق تفاعلاً جماعيًا بين الحاضرين، كيف يطرح الأسئلة، يفتح النقاشات، يطرح التحديات، ويشجّع الجميع على التفاعل بطريقة متساوية. هذه المهارة تعني كسر احتكار النقاش من قبل قلة من الحضور، وفتح المجال للأصوات الجديدة.

5. ضبط الأعصاب والهدوء تحت الضغط

في الفعاليات، تحدث المفاجآت والأزمات: تأخّر الحضور، أعطال تقنية، أو مشادات كلامية. قدرة الميسّر على التعامل مع هذه المواقف بهدوء وحكمة تمثّل الفرق بين حدث ناجح وآخر فاشل.

ثالثاً: مراحل إعداد الحدث من زاوية الميسّر

مرحلة ما قبل الحدث

في هذه المرحلة، يعمل الميسّر بشكل وثيق مع منظمي الحدث لتحديد الأهداف المرجوة، نوع الجمهور، الإطار الزمني، والنتائج المتوقعة. وتشمل مهامه هنا:

• دراسة الجمهور المستهدف وخصائصه الثقافية والسلوكية.

• وضع خطة تيسير تتضمن جدولًا تفصيليًا ومهامًا واضحة.

• إعداد أدوات التيسير المناسبة (الشرائح، اللوحات، أوراق العمل، إلخ).

• التنسيق مع الفريق التقني والإداري لضمان الجاهزية.

أثناء الحدث

هنا يكون الميسّر في قلب الحدث، وعليه أن يوازن بين الحضور، الوقت، الحوار، والانضباط. وتتضمّن مسؤولياته:

• افتتاح الحدث بطريقة مفعمة بالطاقة، تعرّف الجمهور على أهداف اللقاء.

• تسهيل الانتقال بين الفقرات بشكل سلس.

• التدخّل الذكي لضبط النقاشات ومنع الانحراف عن الهدف.

• تنشيط المشاركة الجماعية وتشجيع التفاعل.

• إدارة أي أزمات طارئة بحرفية ومهنية عالية.

بعد الحدث

لا ينتهي دور الميسّر بانتهاء الفعالية، بل يستمر ليشمل:

• تقييم مدى تحقيق أهداف الحدث.

• جمع الملاحظات والتغذية الراجعة من الحضور.

• إعداد تقرير نهائي يتضمّن التوصيات المستقبلية.

رابعاً: أدوات وتقنيات التيسير الحديثة

استخدام التكنولوجيا في التيسير

مع التحول الرقمي، لم يعد التيسير مقتصرًا على اللقاءات الميدانية، بل شمل اللقاءات الافتراضية. ميسّر الحدث يجب أن يكون قادرًا على استخدام أدوات مثل:

• تطبيقات العروض التقديمية التفاعلية (Mentimeter، Slido).

• برامج إدارة الوقت والمشاركة (Zoom، MS Teams).

• لوحات التفكير الجماعي الرقمية (Miro، Jamboard).

تقنيات كسر الجمود (Icebreakers)

تُستخدم هذه التقنيات في بداية اللقاءات لتحفيز التفاعل، ومن الأمثلة:

• ألعاب تعارف قصيرة.

• أسئلة خفيفة لتحفيز التفكير.

• تمارين جماعية لتحفيز الانتباه.

أساليب المشاركة الجماعية

من أبرز الأساليب:

• المجموعات الصغيرة (Breakout Groups).

• جلسات العصف الذهني.

• الخرائط الذهنية والجدارية.

• التقييم التشاركي الجماعي.

خامساً: التحديات التي تواجه ميسّر الحدث

1. مقاومة المشاركة

بعض المشاركين قد يترددون في التعبير أو التفاعل، بسبب خجل أو عدم اهتمام. يجب على الميسّر أن يتعامل مع هذه الحالات بتقنيات تشجيعية ذكية دون فرض.

2. سيطرة بعض الأفراد على الحوار

وجود شخصيات قيادية أو متحدثة بشكل مفرط قد يعيق تدفّق الأفكار من الجميع. الحل يكمن في استخدام أدوات لتنظيم الكلام مثل “بطاقات الدور” أو “مؤقت الحديث”.

3. المشكلات اللوجستية أو التقنية

عطل في الميكروفون، خلل في العرض، أو تأخير في البرنامج، كلها تتطلب مرونة في التيسير وقدرة على تعديل الجدول لحماية ديناميكية الحدث.

4. تعدد وجهات النظر الحادة

في حال وجود صراعات أو خلافات، يُتوقّع من الميسّر أن يلعب دور الوسيط المهني، مع الحفاظ على الحياد التام وتشجيع الحلول المشتركة.

سادساً: الفروق بين ميسّر الحدث والمدير التقليدي

سابعاً: تأثير التيسير الجيد على نتائج الحدث

ميسّر محترف يمكنه تحويل حدث روتيني إلى تجربة ملهمة وتفاعلية، وتكون نتائجه ملموسة في:

• رفع مستوى رضا الحضور.

• تعزيز الشعور بالانتماء والتقدير.

• تسريع الوصول إلى قرارات عملية.

• فتح آفاق جديدة للتعاون المستقبلي.

• تقوية صورة المؤسسة الراعية في أعين الحضور.

ثامناً: التيسير كقيمة إنسانية وليس وظيفة فقط

في جوهره، يعكس التيسير قيمة عميقة من قيم العمل الجماعي، وهي الاحترام المتبادل، الإصغاء الفعّال، والتعاون. ولذلك، فإن دور ميسّر الحدث يتجاوز إدارة اللقاءات ليصبح نموذجًا للقيادة التشاركية في بيئة متغيّرة ومعقدة. فهو ينقل رسالة ضمنية تقول إن الجميع له صوت، وإن الحوار هو طريق الإنجاز.

المراجع

1. Kaner, S. (2014). Facilitator’s Guide to Participatory Decision-Making. Jossey-Bass.

2. Bens, I. (2012). Facilitation at a Glance!. GOAL/QPC.