يعد كتاب “Out to Work: The History of Wage-Earning Women in the United States” للكاتبة أليس كسلر-هاريس دراسة مهمة حول تاريخ النساء العاملات في الولايات المتحدة، حيث يرصد التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي أثرت على دور المرأة في العمل المأجور منذ العصور الاستعمارية حتى العصر الحديث. يعكس هذا الكتاب تعقيد العلاقة بين النساء والمجتمع، وكيفية تفاعل هذه العلاقة مع قضايا مثل الطبقة الاجتماعية والجنس والعرق والاقتصاد.
منذ بداية التاريخ الأمريكي، كانت النساء جزءًا لا يتجزأ من القوى العاملة، سواء في المنزل أو خارجه. في العصور الاستعمارية، كانت النساء في الغالب يعملن في المنزل ويقمن بأدوار حيوية مثل النسيج والطبخ ورعاية الأطفال. إلا أن هذه الأدوار لم تكن تعتبر عادة عملاً مدفوع الأجر، وإنما جزءًا من المسؤوليات المنزلية التقليدية التي كانت تُفرض على النساء.
مع تطور الاقتصاد الأمريكي وتوسع الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، تغيرت طبيعة العمل للنساء بشكل كبير. أصبح هناك فرص عمل جديدة في المصانع والخدمات، مما فتح الأبواب أمام النساء للعمل خارج المنزل وكسب المال. إلا أن هذه الفرص كانت محدودة في معظم الأحيان بقطاع النسيج أو الوظائف ذات الأجور المنخفضة، وكانت النساء العاملات يواجهن تمييزًا كبيرًا فيما يتعلق بالأجور والظروف العمل.
إحدى القضايا الرئيسية التي تتناولها أليس كسلر-هاريس في كتابها هي الطريقة التي تم بها تشكيل توقعات المجتمع لدور النساء العاملات بناءً على قيم معينة تتعلق بالجنس والطبقة. في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كانت الفكرة السائدة هي أن مكان المرأة الطبيعي هو في المنزل، حيث يجب أن تكرس حياتها لرعاية الأسرة والأطفال. هذه الفكرة قيدت بشدة إمكانيات النساء العاملات، وخاصة النساء من الطبقات الفقيرة أو الأقليات العرقية، اللواتي كن مضطرات للعمل لإعالة أسرهن.
من ناحية أخرى، ترصد الكاتبة كيف أن بعض النساء استطعن كسر هذه القيود الاجتماعية وفرض وجودهن في سوق العمل. خلال فترة الحربين العالميتين، على سبيل المثال، زادت الحاجة إلى الأيدي العاملة بسبب مشاركة الرجال في الجبهات، مما فتح المجال أمام النساء لتولي وظائف كانت تُعتبر سابقًا حكرًا على الرجال. على الرغم من ذلك، بعد انتهاء الحروب، تعرضت النساء لضغوط كبيرة للعودة إلى أدوارهن التقليدية في المنزل.
يُعتبر كتاب “Out to Work” مهمًا أيضًا لأنه يسلط الضوء على نضال النساء من أجل تحقيق حقوقهن في مكان العمل. منذ القرن التاسع عشر، بدأت النساء في تشكيل النقابات العمالية والمشاركة في الحركات العمالية، مطالبات بتحسين الأجور وظروف العمل. هذا النضال أخذ أشكالًا عديدة، بدءًا من الإضرابات العمالية إلى الحملات من أجل حقوق المرأة في التصويت، حيث أدركت النساء أن التحرر الاقتصادي لا يمكن فصله عن التحرر الاجتماعي والسياسي.
من خلال تسليط الضوء على هذه التحولات التاريخية، تقدم كسلر-هاريس قراءة عميقة عن كيفية تطور صورة المرأة العاملة في الولايات المتحدة وكيف أن هذه التطورات لم تكن نتيجة تغيرات اقتصادية فقط، بل كانت أيضًا نتاجًا لصراع طويل الأمد من أجل حقوق متساوية في العمل والمجتمع.
من المهم ملاحظة أن هذا الكتاب لا يقتصر فقط على سرد تاريخي للأحداث، بل يقدم أيضًا تحليلاً عميقًا لكيفية تأثير التوقعات الاجتماعية على تجربة النساء العاملات. فعلى سبيل المثال، تُظهر الكاتبة كيف أن النساء السود والنساء من الأقليات العرقية واجهن عقبات إضافية مقارنة بالنساء البيض، حيث كانت العنصرية والتمييز الطبقي جزءًا لا يتجزأ من تجربتهن في العمل.
في الختام، يعد كتاب “Out to Work” دراسة شاملة لتاريخ العمل المأجور للنساء في الولايات المتحدة. يُظهر الكتاب كيف أن النساء، على مر العصور، واجهن تحديات هائلة من أجل الحصول على حقهن في العمل المأجور وكيف أنهن استطعن على الرغم من كل العقبات أن يتركن بصمة واضحة في تاريخ الاقتصاد الأمريكي.