دور المرأة في الاقتصاد الوطني: قوة فاعلة ومحرك أساسي للتنمية المستدامة

تُعتبر المرأة اليوم أحد أهم الركائز الأساسية في أي اقتصاد وطني متطور، إذ بات حضورها ومشاركتها الفعالة في مختلف القطاعات الاقتصادية ضرورة ملحة تفرضها متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية الحديثة. لم يعد دور المرأة يقتصر على المسؤوليات التقليدية داخل الأسرة فقط، بل توسع ليشمل مجالات شتى مثل العمل، والريادة، والابتكار، والمساهمة في صنع القرار الاقتصادي. إن دمج المرأة في الاقتصاد الوطني يُسهم بشكل كبير في تعزيز النمو الاقتصادي، وتقليل معدلات الفقر، وتحقيق التنمية المستدامة، كما يلعب دوراً محورياً في تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية.

التطور التاريخي لدور المرأة في الاقتصاد

على الرغم من أن دور المرأة في الاقتصاد كان في الماضي محدوداً ومقيداً بالعديد من القيود الثقافية والاجتماعية، إلا أن التحولات التي شهدها العالم في العقود الأخيرة أدت إلى توسيع آفاق مشاركتها. في المجتمعات التقليدية، كانت المرأة تشغل غالباً أدواراً في الحقول الزراعية أو الأعمال المنزلية، أما اليوم فقد أصبحت المرأة تشارك بنشاط في القطاعات الصناعية والخدمية والتعليمية والتقنية. وتُظهر الإحصاءات العالمية أن النساء يشكلن ما يقارب نصف القوى العاملة في العديد من الدول، وأن مساهمتهن في الناتج المحلي الإجمالي تزداد يوماً بعد يوم.

مساهمة المرأة في النمو الاقتصادي

تلعب المرأة دوراً محورياً في تحقيق النمو الاقتصادي عبر عدة أبعاد، منها:

1. زيادة حجم القوى العاملة: إندماج المرأة في سوق العمل يرفع من إجمالي عدد العاملين، ما يزيد من الإنتاجية الوطنية.

2. تحسين نوعية العمل: النساء غالباً ما يجلبن مهارات فريدة، منها الدقة والتنظيم والتعاون، التي ترفع جودة الإنتاج والخدمات.

3. تعزيز ريادة الأعمال: باتت العديد من النساء مؤسسات ناجحات لمشاريع صغيرة ومتوسطة، مما يخلق فرص عمل جديدة ويزيد من التنوع الاقتصادي.

4. زيادة الاستهلاك والاستثمار: دخول المرأة إلى سوق العمل يرفع من دخل الأسرة ويزيد من قدرتها على الاستثمار والاستهلاك، مما يحفز الدورة الاقتصادية.

تُظهر الدراسات الاقتصادية أن وجود المرأة في سوق العمل يعزز من فرص التنمية المستدامة، إذ أن تمكين المرأة يؤدي إلى استثمار أفضل في الصحة والتعليم، ما ينعكس إيجابياً على المجتمع بأكمله.

التحديات التي تواجه مشاركة المرأة في الاقتصاد

على الرغم من التقدم الملحوظ، لا تزال هناك العديد من التحديات التي تعيق دور المرأة في الاقتصاد الوطني، ومن أهمها:

• الفجوة في الأجور: تعاني النساء من تفاوت كبير في الأجور مقارنة بالرجال، حتى عند أداء نفس المهام الوظيفية.

• العقبات الثقافية والاجتماعية: ما زالت بعض المجتمعات تفرض قيوداً على عمل المرأة، خاصة في القطاعات التقليدية، أو تتبنى تصورات نمطية تقلل من قدراتها.

• نقص التمثيل في المناصب القيادية: تقل فرص وصول النساء إلى مناصب صنع القرار سواء في القطاع العام أو الخاص.

• غياب الدعم المؤسسي: قلة السياسات التي تدعم دمج المرأة في سوق العمل، مثل إجازات الأمومة، وخدمات الرعاية النهارية للأطفال.

• التوازن بين العمل والأسرة: لا تزال مسؤوليات الأسرة تشكل عائقاً أمام مشاركة المرأة بشكل فعال في العمل.

السياسات والبرامج الداعمة لمشاركة المرأة في الاقتصاد

لتعزيز دور المرأة في الاقتصاد الوطني، اعتمدت العديد من الدول سياسات وبرامج متنوعة، من أهمها:

• تشجيع التعليم والتدريب المهني: توفير فرص تعليمية وتدريبية تخصصية للنساء في المجالات التقنية والإدارية.

• تعزيز ريادة الأعمال النسائية: منح تمويلات وقروض ميسرة للنساء الراغبات في تأسيس مشاريع خاصة.

• تفعيل التشريعات المناهضة للتمييز: سن قوانين تمنع التمييز في العمل وتحمي حقوق المرأة.

• إنشاء بيئة عمل مرنة: اعتماد جداول عمل مرنة، وتوفير مرافق رعاية للأطفال.

• تشجيع مشاركة المرأة في قطاعات غير تقليدية: دعم دخول النساء إلى مجالات مثل الهندسة، التكنولوجيا، والعلوم.

هذه الجهود أدت إلى زيادة نسبة مشاركة المرأة في الاقتصاد، وتعزيز قدرتها على المساهمة في مختلف القطاعات الحيوية.

تأثير مشاركة المرأة في الاقتصاد على التنمية المستدامة

تعتبر مشاركة المرأة في الاقتصاد ركيزة أساسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة. فتمكين المرأة يؤدي إلى:

• خفض معدلات الفقر: حيث تساهم المرأة المدخولة لسوق العمل في تحسين دخل الأسرة وتوفير حياة كريمة.

• تحسين صحة وتعليم الأسرة: الإنفاق على الصحة والتعليم يرتفع عندما تكون المرأة عاملاً، مما ينعكس إيجابياً على الجيل القادم.

• تحقيق المساواة بين الجنسين: مما يعزز العدالة الاجتماعية وينمي الشعور بالانتماء المجتمعي.

• زيادة الإنتاجية والابتكار: النساء يجلبن وجهات نظر جديدة وأساليب إبداعية في مكان العمل.

• تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي: تنوع القوى العاملة يجعل الاقتصاد أكثر مرونة أمام الأزمات.

أمثلة دولية على نجاح المرأة في الاقتصاد

تشهد العديد من الدول نماذج ناجحة لمشاركة المرأة في الاقتصاد، حيث أصبحت النساء قوى دافعة للتنمية. على سبيل المثال:

• في الولايات المتحدة، تشغل النساء نسبة كبيرة من المناصب الإدارية العليا، وتحقق النساء رواد الأعمال نجاحات متزايدة، مما يدعم الاقتصاد ويخلق فرص عمل جديدة.

• في السويد والدول الإسكندنافية عموماً، تعتبر مشاركة المرأة في سوق العمل من أعلى المعدلات، مع دعم مؤسسي قوي يعزز التوازن بين الحياة المهنية والأسرية، ما يجعلها نموذجاً يُحتذى به في تمكين المرأة اقتصادياً.

• في دول الخليج العربي، برغم التحديات التقليدية، شهدت السنوات الأخيرة نمواً كبيراً في مشاركة المرأة في قطاعات مثل المالية، التعليم، والتقنية، بدعم من سياسات حكومية تسعى إلى تنويع الاقتصاد والاعتماد على موارد بشرية متنوعة.

دور المرأة في قطاعات اقتصادية محددة

القطاع الزراعي

على الرغم من أن العمل الزراعي يُعد تقليدياً من القطاعات التي تشهد مشاركة نسائية مكثفة، فإنها غالباً ما تواجه تحديات في الوصول إلى الموارد مثل الأرض والتمويل. ومع ذلك، تلعب المرأة دوراً أساسياً في زيادة الإنتاج الزراعي وتحسين الأمن الغذائي.

القطاع الصناعي

شاركت المرأة بشكل متزايد في الصناعات التحويلية، خصوصاً في مجالات مثل تصنيع الملابس، الصناعات الغذائية، والالكترونيات، حيث توظف مهاراتها ودقتها في الإنتاج.

القطاع الخدمي

يُعتبر القطاع الخدمي من أكثر القطاعات التي تعتمد على النساء، سواء في التعليم، الصحة، الخدمات المالية، أو السياحة. تشكل النساء نسبة عالية من العاملين في هذه المجالات، وهن أساس تحسين جودة الخدمات.

القطاع التكنولوجي

رغم أن القطاع التكنولوجي لا يزال يهيمن عليه الذكور، إلا أن مشاركة المرأة فيه تتزايد تدريجياً، مع تركيز على تشجيع النساء على تعلم مهارات البرمجة، والذكاء الاصطناعي، وريادة الأعمال التقنية.

جدول يوضح نسب مشاركة المرأة في بعض القطاعات الاقتصادية

الخاتمة

تمثل المرأة قوة اقتصادية متجددة تعزز من قدرة الاقتصاد الوطني على مواجهة التحديات وتحقيق النمو المستدام. يتطلب ذلك مواصلة إزالة العقبات الاجتماعية والثقافية، وتعزيز السياسات الداعمة، وتمكين المرأة من الوصول إلى جميع الفرص الاقتصادية بلا تمييز. إن الاستثمار في تنمية مهارات المرأة وتمكينها اقتصادياً ليس فقط حقاً اجتماعياً، بل هو استراتيجية اقتصادية حكيمة تضمن تحقيق رفاهية المجتمع بأسره وازدهاره على المدى الطويل.

المراجع

1. World Bank Group. (2022). Women, Business and the Law 2022. Washington, DC: World Bank.

2. United Nations Development Programme (UNDP). (2023). Gender Equality and Economic Growth: The Role of Women in the Labor Market. New York, NY: UNDP.