دور الأسرة والمدرسة في الأمن

دور الأسرة والمدرسة في المحافظة على الأمن

يُعد الأمن أحد الركائز الأساسية لاستقرار الأفراد والمجتمعات، ويعكس توافره مدى تطور الدولة وتماسكها. وقد تبيَّن عبر التجارب الإنسانية المتعددة أن الأمن لا يُبنى فقط من خلال الجهود الأمنية الرسمية، بل تُسهم في ترسيخه مؤسسات اجتماعية أساسية مثل الأسرة والمدرسة. فهذان الكيانان يشكلان النواة الأولى لتنشئة الأفراد وغرس القيم السلوكية والأخلاقية التي تُؤسس لعلاقات اجتماعية سليمة تنبذ العنف والتطرف والانحراف.

في هذا الإطار، تتعزز أهمية دراسة دور الأسرة والمدرسة في المحافظة على الأمن بمفهومه الشامل، سواء الأمن الشخصي أو الاجتماعي أو الفكري، انطلاقًا من واقع أن السلوكيات المنحرفة أو المهددة للأمن تبدأ غالبًا من خلل في التنشئة أو في منظومة التعليم والتربية.

أولاً: مفهوم الأمن الشامل

الأمن بمفهومه الشامل لا يقتصر على الحماية من الاعتداءات الجسدية أو الجرائم الجنائية، بل يشمل الأمن النفسي والاجتماعي والفكري والاقتصادي. وتتجلى أهمية هذا المفهوم في أن المواطن الآمن نفسيًا وفكريًا هو أكثر التزامًا بالقانون، وأقل عرضة للانحراف أو الإضرار بالمجتمع.

ويُعد الأمن الفكري من أبرز مكونات الأمن الشامل، إذ يسهم في حماية عقول الناشئة من الغلو والانحرافات العقائدية والسلوكية. كما أن الأمن الاجتماعي يضمن وجود روابط قوية بين أفراد المجتمع ويحد من الجريمة والتفكك.

ثانيًا: دور الأسرة في بناء الأمن

الأسرة هي المؤسسة الاجتماعية الأولى التي تحتضن الطفل، وتؤثر بشكل بالغ في شخصيته وتوجهاته. ويمكن تلخيص دور الأسرة في المحافظة على الأمن في النقاط التالية:

1. غرس القيم والسلوك السليم

الأسرة هي المحضن الأول لغرس القيم الأخلاقية مثل الصدق، الأمانة، الاحترام، التسامح، التعاون، والانتماء. هذه القيم تشكّل الحصانة الأولى للفرد ضد السلوكيات المنحرفة والجرائم.

2. الرقابة الأسرية والمتابعة

تمارس الأسرة رقابة مباشرة وغير مباشرة على الأبناء. فهي تتابع سلوكياتهم، تحركاتهم، ورفاقهم، وتوجههم نحو السلوك القويم. وقد أثبتت الدراسات أن غياب الرقابة الأبوية يزيد من احتمالية تورط الأبناء في أنشطة خطرة.

3. الاحتواء العاطفي والدعم النفسي

وجود بيئة أسرية داعمة ومتفهمة يساعد على تكوين شخصية متزنة ومتزنة نفسيًا. كما أن الشعور بالأمان العاطفي داخل الأسرة يقي الأبناء من البحث عن البدائل في جماعات قد تكون منحرفة.

4. توعية الأبناء بمخاطر الفكر المتطرف

تلعب الأسرة دورًا مهمًا في التوعية ضد الانحرافات الفكرية التي قد تؤدي إلى العنف أو الإرهاب، وذلك من خلال نقاشات واعية، وتعزيز الانتماء الوطني والديني المعتدل.

5. القدوة الحسنة

الأب والأم هما قدوة الأبناء الأولى. لذلك فإن سلوكياتهم تؤثر بشكل مباشر في تكوين الضمير الجمعي للفرد، وتُرسّخ في داخله صورة نموذجية للسلوك القانوني والسلمي.

ثالثًا: دور المدرسة في تعزيز الأمن

تُعد المدرسة الامتداد المؤسسي للتربية الأسرية، وتتحمل مسؤولية تعليمية وتربوية محورية. وهي بيئة متكاملة تؤثر في القيم والسلوك وتعيد تشكيل الفرد فكريًا واجتماعيًا.

1. تعليم الانضباط واحترام القانون

توفر المدرسة إطارًا نظاميًا يُعوِّد الطلاب على احترام القوانين المدرسية، مما يساهم في ترسيخ احترام النظام العام، ويقلل من احتمالية ارتكابهم لمخالفات أو جرائم مستقبلًا.

2. تعزيز الانتماء الوطني

من خلال المناهج الوطنية، والنشاطات اللاصفية، والمناسبات الوطنية، تسهم المدرسة في تعزيز روح الانتماء للوطن، وهو ما يُسهم في تحصين الطلاب ضد الاستقطاب الفكري أو الجماعات المتطرفة.

3. بناء الوعي الأمني

بعض المدارس تنظم ندوات وورش عمل بالتعاون مع الجهات الأمنية لرفع الوعي لدى الطلاب بمفاهيم مثل الأمن السيبراني، مخاطر المخدرات، التنمر، والجرائم الإلكترونية.

4. كشف المؤشرات المبكرة للسلوك المنحرف

يمكن للمعلّمين والمستشارين التربويين رصد التغيرات السلوكية التي قد تشير إلى تعرض الطالب لضغوط نفسية أو محاولات استقطاب خارجي. هذا الرصد المبكر يساعد على التدخل في الوقت المناسب قبل تطور المشكلة.

5. الدمج الاجتماعي للطلاب

من خلال تعزيز روح الجماعة، والتعاون، والمشاركة في الأنشطة، تسهم المدرسة في بناء طلاب متوازنين نفسيًا واجتماعيًا، وهو ما يقلل من التوجهات الفردانية والانعزالية المهددة للأمن.

رابعًا: التكامل بين الأسرة والمدرسة

لا يمكن للأسرة أن تؤدي دورها بمعزل عن المدرسة، ولا العكس. فنجاح الجهود في تحقيق الأمن يتطلب تنسيقًا متواصلًا وتكاملاً وظيفيًا بين الطرفين.

خامسًا: أبرز التحديات في دور الأسرة والمدرسة الأمني

رغم الدور المهم، تواجه الأسرة والمدرسة مجموعة من التحديات التي قد تُعيق أداء دورهما الأمني، ومن أبرزها:

1. تفكك الأسرة وغياب أحد الوالدين

تفكك الأسر وغياب دور الأب أو الأم نتيجة الطلاق أو الانشغال الدائم يؤدي إلى فراغ عاطفي وسلوكي قد يدفع الأبناء للانحراف.

2. ضعف الحوار بين الأجيال

الهوة الثقافية واللغوية بين الجيل الجديد والجيل القديم تجعل من الصعب التواصل، ما يؤدي إلى ضعف التوجيه والتأثير.

3. الضغوط الاقتصادية والاجتماعية

قد تجعل الضغوط الحياتية اليومية الأسر تهمل دورها الرقابي والتوجيهي لصالح تأمين المتطلبات المعيشية، ما يؤثر سلبًا على بناء شخصية الأبناء.

4. التكنولوجيا والانفتاح المعلوماتي

الانفتاح على العالم الرقمي وغياب الرقابة الفعالة من الأسرة أو المدرسة يجعل الطفل معرضًا لاستقطابات فكرية وسلوكية خطيرة عبر الإنترنت.

سادسًا: حلول لتعزيز دور الأسرة والمدرسة في الأمن

لمواجهة التحديات وتعزيز دور الأسرة والمدرسة في حماية الأمن، تُقترح الإجراءات التالية:

• إطلاق برامج توعية للأسرة حول كيفية التعامل مع الأبناء في مراحل النمو المختلفة، والتواصل معهم بطريقة فعالة.

• تدريب المعلمين على المهارات النفسية والسلوكية لرصد علامات الانحراف، ومعرفة أساليب التربية الوقائية.

• تعزيز المناهج التربوية بالقيم الوطنية والإنسانية، وتحقيق توازن بين التعليم المعرفي والتربوي.

• تفعيل الشراكات بين المدارس والجهات الأمنية والاجتماعية لتبادل الخبرات وتطوير برامج الوقاية المجتمعية.

• استخدام التكنولوجيا بشكل إيجابي من خلال تطوير تطبيقات رقابية تعليمية وتربوية تساعد الأسرة والمدرسة في التوجيه والمتابعة.

خاتمة

في المجتمعات المتقدمة، لا يُنظر إلى الأمن على أنه مسؤولية الأجهزة الأمنية فقط، بل يُعد مسؤولية مجتمعية تبدأ من الأسرة، وتُستكمل في المدرسة، وتُرسّخ عبر مؤسسات الدولة المختلفة. فالتربية السليمة، والتنشئة القيمية، والوعي الاجتماعي، هي الضمانات الحقيقية لاستقرار المجتمع واستدامة أمنه. إن بناء مجتمع آمن يتطلب التفاعل الجاد والواعي من جميع الأطراف، وأولها الأسرة والمدرسة باعتبارهما مهد الفرد وأساس المجتمع.

المراجع:

1. الأمن الفكري ودور المؤسسات التعليمية، مجلة البحوث الأمنية – وزارة الداخلية السعودية

2. دور الأسرة في الوقاية من الجريمة، مركز البحوث والدراسات الاجتماعية – جامعة الملك سعود