كيفية كتابة البحث العلمي من الناحية الشكلية

تُعد كتابة البحث العلمي خطوة أساسية وهامة في مسيرة الباحث العلمي، إذ يعبّر البحث العلمي عن مدى قدرة الباحث على تقديم محتوى منهجي، دقيق، ومنظم يعكس نتائج دراسته أو تجربته العلمية. ويُعتبر الجانب الشكلي للبحث العلمي من الجوانب التي تساهم بشكل كبير في سهولة قراءة البحث وفهمه، فضلاً عن كونه أحد المعايير التي تقيم جودة البحث. يتناول هذا المقال موضوع كتابة البحث العلمي من الناحية الشكلية بشكل شامل ومفصل، مستعرضاً القواعد الأساسية، الهيكل التنظيمي، التنسيق، وأفضل الممارسات لضمان تقديم بحث يتوافق مع المعايير العلمية المتعارف عليها دولياً.

أهمية الجانب الشكلي في البحث العلمي

لا يقتصر نجاح البحث العلمي على محتواه العلمي فقط، بل يتعدى ذلك إلى شكله وتنظيمه. الجانب الشكلي يشمل التنسيق، ترتيب الفصول والأقسام، توحيد الخطوط والعناوين، وطريقة عرض المصادر والمراجع. إذ يساعد الشكل المنظم القارئ على تتبع الأفكار، فهم المنهجية، وتحليل النتائج بسلاسة دون تشويش أو لبس. كما أن الشكل المتميز للبحث يعكس دقة الباحث واهتمامه بالتفاصيل، ما يضيف مصداقية للبحث نفسه.

الهيكل التنظيمي للبحث العلمي من الناحية الشكلية

يجب على كل بحث علمي أن يحتوي على عناصر أساسية مترابطة ومنسقة، منها: الغلاف، الملخص، المقدمة، مراجعة الأدبيات، المنهجية، النتائج، المناقشة، الخاتمة، قائمة المراجع، والملاحق إن وجدت. هذه الأقسام يجب أن تظهر بشكل واضح ومنظم، مع استخدام عناوين فرعية رئيسية وثانوية حسب الحاجة.

1. صفحة الغلاف (Cover Page)

تُعد صفحة الغلاف أول ما يراه القارئ، ويجب أن تحتوي على معلومات أساسية تشمل:

• عنوان البحث بشكل واضح ومختصر.

• اسم الباحث أو الباحثين.

• المؤسسة التعليمية أو البحثية.

• اسم المشرف (إذا كان البحث جزءًا من دراسة جامعية).

• تاريخ تقديم البحث (سنة وشهر).

• أحياناً يُضاف رقم التسجيل أو رقم المشروع حسب متطلبات المؤسسة.

يُنصح بأن تكون صفحة الغلاف متناسقة من حيث الخطوط والحجم، بحيث يكون العنوان بارزاً وسط الصفحة، مع ترتيب باقي المعلومات في أسفل الصفحة أو حسب نمط المؤسسة.

2. صفحة الملخص (Abstract)

الملخص جزء محوري في البحث العلمي، يلخص محتوى البحث من حيث الهدف، المنهجية، النتائج، والاستنتاجات الرئيسية. شكلياً يجب أن يكون الملخص:

• مكتوبًا في فقرة واحدة متماسكة.

• لا يتجاوز عادة 250-300 كلمة.

• يُكتب بخط واضح ومقروء.

• يُدرج في بداية البحث بعد صفحة الغلاف مباشرة.

الملخص يتيح للقارئ معرفة محتوى البحث بسرعة ويحدد مدى اهتمامه بقراءته كاملاً.

3. الفهرس (جدول المحتويات)

يلزم توفير فهرس دقيق ومنظم يعرض أقسام البحث وفصوله مع أرقام الصفحات، مما يسهل التنقل بين أقسام البحث. الفهرس يجب أن يكون:

• مرتباً تصاعدياً حسب تسلسل البحث.

• يتضمن العناوين الرئيسية والفرعية.

• يراعي تنسيق متناسق وواضح (مثل المسافات البادئة للعناوين الفرعية).

قواعد التنسيق العامة للبحث العلمي

1. نوع وحجم الخط

• استخدام خطوط واضحة مثل Times New Roman أو Arial.

• حجم الخط الأساسي يكون عادة 12 للنصوص.

• العناوين الرئيسية حجمها بين 14 و16، والعناوين الفرعية حجمها 12-14.

• الالتزام بخط واحد للبحث كله للحفاظ على التناسق.

2. الهوامش (Margins)

• تحديد هوامش الصفحة عادة بواقع 2.5 سم (1 إنش) من جميع الجهات.

• الهوامش تساعد في تقديم مظهر مرتب يسهل القراءة.

3. التباعد بين الأسطر (Line Spacing)

• استخدام تباعد 1.5 أو 2 بين الأسطر، وهذا يسهل قراءة النص.

• يمكن ترك مساحة إضافية بين الفقرات وليس فقط داخل الفقرة.

4. محاذاة النص

• غالباً ما يكون النص محاذياً لليسار (Left Align).

• في بعض اللغات، خصوصاً العربية، يكون النص مبرراً (Justified) ليعطي شكلًا متساوياً من الجهتين.

5. ترقيم الصفحات

• يجب ترقيم صفحات البحث بشكل تسلسلي.

• غالباً يبدأ الترقيم من صفحة المقدمة أو الملخص.

• مكان الرقم في أعلى الصفحة أو أسفلها حسب النظام المتبع.

طريقة تنظيم المحتوى داخل البحث

المقدمة

تشكل المقدمة تمهيداً للبحث، وتوضح المشكلة أو السؤال البحثي وأهمية الدراسة. شكلياً:

• تبدأ بعنوان واضح “المقدمة”.

• تُكتب فقراتها بأسلوب واضح ومرتب.

• قد تتضمن تعريفات مختصرة لمصطلحات البحث.

مراجعة الأدبيات

هذا القسم يعرض الدراسات السابقة والنظريات التي ارتكز عليها البحث. يجب:

• تنظيم المعلومات تحت عناوين فرعية منطقية.

• عرض الدراسات بشكل منهجي، وليس مجرد سرد.

• التأكيد على الفجوات التي يستهدفها البحث.

المنهجية

تحتوي على شرح الأدوات والطرق المستخدمة لجمع البيانات وتحليلها. من الناحية الشكلية:

• استخدام فقرات واضحة ومتسلسلة.

• استخدام جداول أو رسوم بيانية عند الحاجة لشرح الخطوات أو الأدوات.

النتائج

تعرض البيانات التي تم جمعها بطريقة منظمة، غالباً باستخدام جداول، رسوم بيانية، أو نصوص وصفية. ينصح ب:

• استخدام جداول منظمة توضح الأرقام والبيانات.

• إدراج الأشكال والرسومات مع عناوين واضحة تحت كل منها.

• الإشارة للنتائج بشكل مباشر دون تفسير.

المناقشة

هنا يتم تفسير النتائج وربطها بالفرضيات والأبحاث السابقة. شكلياً:

• فصل الأفكار في فقرات متتابعة.

• إبراز نقاط القوة والقيود في الدراسة.

الخاتمة

تختصر أهم ما توصل إليه البحث، وتشير إلى أهم النتائج والتوصيات. تكون قصيرة ومباشرة.

طريقة عرض الجداول والأشكال

الجداول والأشكال تلعب دوراً مهماً في البحث العلمي، ويجب اتباع قواعد واضحة لعرضها:

• يُرقم كل جدول أو شكل (مثل جدول 1، شكل 1) بشكل متسلسل.

• يوضع عنوان واضح لكل جدول أو شكل، يكون مختصراً ومعبراً.

• العنوان يوضع أعلى الجداول وأسفل الأشكال.

• يتم ذكر المصدر إذا تم اقتباس الجدول أو الشكل من دراسة أخرى.

• يجب أن تكون الجداول واضحة، ذات خطوط مقروءة، ولا تحتوي على معلومات زائدة.

التوثيق العلمي والمراجع

التوثيق الدقيق للمصادر هو أحد الركائز الأساسية للبحث العلمي، ويجب اتباع نمط توثيق محدد ومتسق طوال البحث. أشهر أنماط التوثيق:

• APA: يُستخدم في العلوم الاجتماعية.

• MLA: شائع في العلوم الإنسانية.

• Chicago: يستخدم في بعض الأبحاث المتخصصة.

يُراعى عند كتابة المراجع:

• سرد جميع المصادر التي تم الاستعانة بها.

• ترتيب المراجع أبجدياً حسب اسم المؤلف.

• تضمين كافة التفاصيل الضرورية مثل اسم الكتاب أو المقال، اسم الناشر، السنة، رقم الصفحة.

• كتابة المراجع بخط أصغر قليلاً من النص الأساسي.

الملاحق

في بعض الأبحاث التي تحتوي على بيانات كبيرة أو أدوات استبيان أو مواد إضافية، يُستخدم قسم الملاحق. شكلياً:

• توضع الملاحق في نهاية البحث بعد المراجع.

• يتم ترقيمها (ملحق أ، ملحق ب، أو Appendix A, B).

• تحتوي على مواد لا يناسب إدراجها في متن البحث.

نصائح ختامية للجانب الشكلي في البحث العلمي

• المحافظة على توحيد نمط الخطوط والعناوين طوال البحث.

• مراجعة البحث من حيث التنسيق قبل التسليم أو النشر.

• استخدام برامج معالجة النصوص مثل Microsoft Word أو LaTeX التي توفر أدوات تنسيق متقدمة.

• تجنب الأخطاء الإملائية والنحوية لأنها تؤثر على الشكل العام.

• الالتزام بالمعايير التي تحددها المؤسسة أو المجلة العلمية.

جدول يوضح بعض المعايير الشكلية للبحث العلمي

الخلاصة

تُعد الكتابة الشكلية للبحث العلمي حجر الزاوية الذي يضمن وصول البحث إلى القارئ بأفضل صورة ممكنة، ويعكس الاحترافية والدقة في العمل العلمي. عبر الالتزام بالهيكلية والتنظيم والتنسيق المناسب، يصبح البحث أكثر وضوحاً وقابلية للمتابعة، مما يزيد من فرص قبوله ونشره في المجلات العلمية الرصينة. الشكل العلمي المنظم لا يقل أهمية عن المحتوى، فهو وسيلة عرض تجعل الأفكار والمعلومات أكثر تأثيراً وموثوقية. بالتالي، على الباحثين أن يمنحوا الجانب الشكلي أهمية توازي المحتوى العلمي، مع الالتزام التام بالمعايير الدولية وأسلوب الكتابة الأكاديمية.

المصادر والمراجع

1. American Psychological Association. (2020). Publication Manual of the American Psychological Association (7th ed.). Washington, DC: APA.

2. Creswell, J. W. (2014). Research Design: Qualitative, Quantitative, and Mixed Methods Approaches (4th ed.). Sage Publications.