شرح دعاء: “أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق وذرأ وبرأ”
يعد الدعاء من أبرز وسائل التضرع والتقرب إلى الله تعالى، وهو من الأدوات التي يكثر استعمالها في حياتنا اليومية، سواء في الأوقات العصيبة أو في أوقات الشكر والرضا. من بين الأدعية الواردة في السنة النبوية المباركة، يأتي دعاء: “أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق وذرأ وبرأ”، والذي يحرص المسلمون على ترديده لطلب الحماية من شرور الخلق وكل ما قد يضرهم.
يعتبر هذا الدعاء من الأدعية التي تركز على اللجوء إلى الله تعالى طلبًا للحماية والنجاة من الشرور بأنواعها، ويجمع في طياته معاني عظيمة من التوحيد والاعتراف بقدرة الله المطلقة على حماية عباده من كل مكروه.
معنى الدعاء
“أعوذ بكلمات الله التامات”:
يشير لفظ “أعوذ” في اللغة العربية إلى طلب الحماية واللجوء إلى الله تعالى من شر أو مكروه قد يصيب الإنسان. أما “كلمات الله التامات”، فيقصد بها الآيات الكريمة من القرآن العظيم، والتي هي كلمات الله التامة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها. تعبر هذه الكلمات عن أقوال الله سبحانه وتعالى التي لا يمكن أن تكون إلا صافية، طاهرة، صحيحة، ومبرأة من أي نقص أو خلل.
“التامات” تدل على الكمال والتكامل، فهي كلمات ذات معانٍ شاملة، لا يعجزها شيء، ولها تأثير بالغ في تغيير حال المسلم وحمايته من الشرور. فالله سبحانه وتعالى قد تكفل بحماية المؤمنين بكلماته التامة من كل شر وضرر.
“من شر ما خلق وذرأ وبرأ”:
كلمة “خلق” تشير إلى جميع الكائنات التي خلقها الله تعالى، سواء كانت بشرًا أو حيوانات أو نباتات أو حتى الكائنات الدقيقة التي لا نراها. في هذه العبارة، يستعيذ المسلم من شر كل مخلوق، أي أن الدعاء يتضمن طلب الحماية من أي أذى أو شر قد يأتي من مخلوقات الله التي خلقها.
أما كلمة “ذرأ”، فهي مأخوذة من الجذر العربي “ذَرَأَ”، والتي تعني “النشر والانتشار”. هنا، يشير لفظ “ذرأ” إلى كل الكائنات الحية التي نشرها الله في الأرض، مما يتضمن كل شيء منتشر في الكون من أشياء حية وغير حية، ويشمل أيضًا ما لم يتم اكتشافه بعد من المخلوقات التي تظهر مع مرور الزمن.
وأخيرًا، كلمة “برأ” تعني “خلق”، لكن المعنى هنا أوسع وأشمل. فالله تعالى هو الذي برأ أي خلق وأبدع مخلوقات جديدة، ويشير هذا إلى أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يخلق من العدم ويبث الروح في جميع مخلوقاته. وكأن الدعاء يعبر عن الاحتماء بكلمات الله التامة من كل ما خلقه وشرع فيه.
دلالات المعاني في الدعاء
هذا الدعاء يعبر عن موقف تواضع خالص أمام قدرة الله تعالى في حفظ عباده من جميع أنواع الشرور، سواء كانت شرورًا خارجية أو داخلية. حيث أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق لكل شيء، فهو القادر على دفع الأذى عن عباده بسبب عظمته وقدرته الكاملة. ويتضح من خلال هذه الكلمات أن المسلم يطلب من الله الحماية والنجاة من كل مخلوق وكل شيء قد يسبب له ضررًا، سواء كان هذا الضرر ماديًا أو معنويًا.
كما أن الدعاء يركز على اللجوء إلى الله من شرور المخلوقات التي تتفاوت في درجات شرها، وهو ما يتناسب مع فهم الإنسان بأن الشر لا يقتصر على أشخاص أو كائنات معينة، بل يمكن أن يظهر في أي شكل أو صورة من مخلوقات الله.
فوائد الدعاء
-
الوقاية من الشرور:
يعتبر هذا الدعاء من الأدعية التي يرددها المسلمون للوقاية من مختلف أنواع الأذى. فعندما يردد المسلم هذا الدعاء، فإنه يطلب من الله تعالى أن يحميه من شرور الخلق جميعًا. وهذا يشمل الوقاية من الأمراض، الحوادث، الحسد، السحر، وكل ما قد يضر الإنسان في حياته اليومية. -
التمسك بالتوحيد:
إعلان التوكل على الله سبحانه وتعالى في هذا الدعاء يعزز مفهوم التوحيد في حياة المسلم. فهو يعتمد على كلمات الله التامة والتي لا يمكن أن يضاهيها شيء، مما يعني أن المؤمن يتوكل على الله في كل شؤون حياته ويعترف بقدرته الكاملة على حماية عباده. -
الطمأنينة والسكينة:
من خلال التمسك بهذا الدعاء، يحصل المسلم على الراحة النفسية والطمأنينة، حيث يدرك أن الله سبحانه وتعالى هو الوحيد القادر على حمايته من كل شر، مما يمنحه راحة داخلية. -
الاستعاذة بكل ما هو طاهر وكامل:
الدعاء يتضمن استعاذة بكلمات الله التي هي خالية من النقص والعيب. وبالتالي، لا يكون هناك خوف من أي خطر أو شر لأن الله هو الذي يتولى كل شيء. -
دفع العين والحسد:
إن الحسد والعين من أعظم أعداء الإنسان في بعض الأحيان، ولهذا فإن الدعاء يعتبر من الأسلحة الفعالة لدفع الأذى الناتج عن الحسد والعين، حيث يتوجه المسلم بطلب الحماية إلى الله.
كيفية استخدام الدعاء في الحياة اليومية
يمكن للمسلم أن يكثر من ترديد هذا الدعاء في أي وقت من أوقات اليوم. ومن أفضل الأوقات التي يوصى بها في الأذكار هي قبل النوم وبعد الصلاة وفي الصباح الباكر. وقد ورد في الحديث النبوي الشريف أن من دعا بهذا الدعاء فإنه يكون في حماية الله طوال اليوم. وقد أُوصي به لتجنب الأذى والشرور، سواء كانت محسوسة أو معنوية.
المعنى اللغوي والشرعي لكلمات الدعاء
من المهم أن نعرف أن الدعاء يحتوي على كلمات متناسقة ومرتبة على شكل معادلة محكمة. ففي بداية الدعاء، تأتي كلمة “أعوذ” التي هي بمثابة أول خطوة في اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى. وهذه الكلمة تحمل في طياتها إقرارًا من المسلم بعجزه عن حماية نفسه وأنه لا ملجأ له إلا إلى الله. بعدها، تأتي كلمات “من شر ما خلق وذرأ وبرأ”، وهي تعبيرات واسعة وشاملة لطلب الحماية من جميع أنواع الشرور التي قد تصيبه من أي جهة كانت، سواء كانت تلك الشرور من مخلوقات الأرض أو السماء.
أثر الدعاء في النفس والمجتمع
يؤثر هذا الدعاء بشكل كبير في النفس البشرية. فهو يساعد المسلم على تقوية إيمانه بالله تعالى ويعزز لديه شعور الرضا والسكينة. كما يزرع في قلب المسلم ثقته الكاملة في قدرة الله على الحماية. وبالإضافة إلى ذلك، إذا تم ترديد الدعاء في جماعات، فقد ينتشر الأثر الطيب بين الناس مما يزيد من تلاحم المجتمع المسلم وزيادة الشعور بالأمان النفسي والروحي.
خاتمة
دائما ما يكون الدعاء وسيلة محورية للتواصل مع الله تعالى واللجوء إليه في السراء والضراء. وعندما نردد دعاء: “أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق وذرأ وبرأ”، فإننا نلتجئ إلى أقوى سبل الحماية في هذه الدنيا، ونتوكل على الله في دفع كل شر قد يواجهنا.
