دلالات أسماء الإشارة في القرآن

دلالات أسماء الإشارة في القرآن الكريم

تعتبر أسماء الإشارة من أدوات اللغة العربية الهامة التي تستخدم للإشارة إلى المعلوم والمجهول، والتقريب والتبعيد. وقد وردت هذه الأسماء في القرآن الكريم في العديد من الآيات القرآنية التي تنبثق منها دلالات متعددة، تساهم في توضيح المعاني المقصودة، وتفسير الآيات بشكل أعمق. إن دراسة دلالات أسماء الإشارة في القرآن الكريم يساعد على فهم كيفية استخدامها في سياقات مختلفة، وكذلك كيفية تأثير هذه الأسماء على معاني الآيات وتوجيهات الخطاب الإلهي. وفي هذا المقال، سيتم استعراض أهم دلالات أسماء الإشارة في القرآن الكريم، وتحليلها لغويًا وبلاغيًا.

1. تعريف أسماء الإشارة

أسماء الإشارة هي كلمات تستخدم للإشارة إلى شيء معين، وقد تتغير دلالتها حسب السياق الذي وردت فيه، سواء أكان القرب أو البعد أو التحديد. في اللغة العربية، توجد عدة أنواع من أسماء الإشارة تتفاوت بين القريب والبعيد، ومنها: “هذا، هذه، هؤلاء، ذلك، تلك، أولئك”. وتتسم هذه الأسماء بتقديم الإشارة القوية أو الضعيفة للمشار إليه، كما تلعب دورًا مهمًا في تحديد العلاقات بين الأسماء في الجمل.

2. دلالة القرب في أسماء الإشارة

تستخدم أسماء الإشارة القريبة للإشارة إلى الأشياء التي هي في حالة من القرب الزمني أو المكاني. في القرآن الكريم، تساهم هذه الأسماء في تحديد العلاقة بين المتحدث والمخاطب، كما أنها تبرز وجود قرب بين المرسل والمُرسل إليه، سواء كان ذلك في سياق مكاني أو زمني.

من أبرز هذه الأسماء: “هذا” و”هذه”، حيث تستخدم للإشارة إلى شيء قريب في الزمن أو المكان. مثلًا:

• قوله تعالى: {هذا فِيهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُم تُؤْمِنُونَ} (النساء: 9)

في هذه الآية، يُستخدم “هذا” للإشارة إلى شيء قريب في الزمن والمكان، وتحديدًا الخير الذي يتحدث عنه الله تعالى في سياق التوجيه والإرشاد.

وكذلك في قوله تعالى: {وَفَجَّرْنَا ٱلۡأَرۡضَ عُيُونٖا فَٱلۡتَقَى ٱلۡمَآءُ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ قَدَرٖ} (القمر: 12)، حيث أن “هذا” يدل على القرب الزمني والمكاني من الحدث الذي وقع، ويعكس دلالته في الإشارة إلى وقوع المعجزة في الحين ذاته.

3. دلالة البعد في أسماء الإشارة

أما أسماء الإشارة التي تعبر عن البعد فهي مثل “ذلك” و”تلك”، وهذه الأسماء تستخدم للإشارة إلى شيء بعيد سواء من حيث المكان أو الزمان. يُمكن أن يكون البعد مكانيًا أو معنويًا، حيث يساهم هذا في فهم السياق الذي يتم فيه الحديث عن شيء بعيد في الوقت أو المدى.

في القرآن الكريم، تتكرر هذه الأسماء في سياقات متعددة، منها:

• قوله تعالى: {وَإِنَّاۤ جَعَلۡنَا فِيهَا جَنَّٰتٍۢ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ ٱلۡأَنْهَٰرِ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ ٱلۡأَنْهَٰرِ لِيَحْشِرَ فَأَمْسَكْنَٰهُ فَتُحْشَرُ إِلَّىٰهُ} (الأنعام: 7).

هنا “ذلك” تشير إلى البعد الزمني، حيث يتم الإشارة إلى الفعل السابق، الذي هو بعيد بالنسبة لحالة من الأحداث التي تحدث في الوقت الحاضر.

أيضًا في قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّتٌۭ قَدْ خَلَتْ لَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْـَٔلُونَ عَمَّا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ} (البقرة: 141) حيث يشير “تلك” إلى الأمة البعيدة في الزمان، مع إشارة إلى القيم التي يجب أن تُتبَع في المستقبل.

4. دلالة القرب الزماني والمكاني في القرآن

بالإضافة إلى دلالات القرب والبعد المكانية، فإن هناك أيضًا دلالات قرب وزمنية عبر استخدام أسماء الإشارة في القرآن الكريم. هذه الأسماء تُستخدم بشكل خاص في الآيات التي تتحدث عن القرب الزماني للأحداث.

من الأمثلة على ذلك قوله تعالى في سورة الكوثر: {إِنَّآ أَعْطَيْنَٰكَ ٱلۡكَوْثَرَ} (الكوثر: 1)، حيث “إنا” تشير إلى القرب الزمني وتُبين ما أنعم به الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في الزمن القريب.

5. دلالة الجمع في أسماء الإشارة

أيضًا، تستخدم أسماء الإشارة للإشارة إلى الجمع، وهذا يكون في الغالب في حالة الإشارة إلى عدة أشياء أو أشخاص.

في قوله تعالى: {وَٱلۡمُؤْمِنُونَ وَٱلۡمُؤْمِنَٰتُۖ ۚ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖ} (التوبة: 71)، يشير الضمير “هم” إلى جمع الناس، بما في ذلك جميع المؤمنين والمؤمنات.

6. دلالة التفصيل في أسماء الإشارة

تتضح دلالة التفصيل من خلال استخدام أسماء الإشارة التي تدل على التفصيل أو التحديد بدقة أكبر. ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى في سورة آل عمران: {تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوا۟هَا عَلَيۡكَ بِٱلۡحَقِّ} (آل عمران: 3).

هنا، “تلك” تشير إلى آيات الله التي تتضمن التفصيل والبيان لحقائق معينة، وأن هذه الآيات هي خاصة ومحددة بعناية فائقة.

7. أسماء الإشارة في الخطاب القرآني

يستفيد الخطاب القرآني من دلالات أسماء الإشارة لتوجيه النصائح والتوجيهات إلى الإنسان. فالقرآن الكريم لا يُخاطب مجموعة من الناس بشكل واحد، بل يُميز بين من هو قريب وبين من هو بعيد، بين من هو حاضر وبين من هو غائب، وكذلك يفرق بين التوجيه المباشر وغير المباشر.

إن استخدام أسماء الإشارة يُسهم في توجيه الخطاب بأسلوب بلاغي رائع حيث يكثر التركيز على القرب أو البعد، ويُؤثر ذلك في صياغة المعاني الموحاة من الآيات القرآنية، وتُساهم هذه الأسماء في خلق ارتباط ذهني بين النص القرآني والمخاطب، مما يعزز الفهم ويزيد من التأثير.

8. الخلاصة

في النهاية، تمثل أسماء الإشارة في القرآن الكريم أداة بلاغية قوية تهدف إلى توضيح المعاني والمفاهيم بشكل دقيق ومحدد. فهي تساهم في تصنيف الأوقات والأماكن وتوزيع الانتباه بين الأشخاص والأشياء حسب قربهم أو بعدهم، سواء كان ذلك مكانيًا أو زمنيًا. إن فهم دلالات أسماء الإشارة وتفسيرها في القرآن الكريم يعزز من قدرتنا على استيعاب أعمق معاني النصوص القرآنية، ويُسهم في زيادة فهم الرسالة الإلهية الموجهة للبشرية.