دعاء الأرق وراحة النوم

دعاء الأرق وعدم النوم

تُعدّ نعمة النوم من أعظم النعم التي منَّ الله بها على الإنسان، إذ يصفها الله تعالى في كتابه الكريم بأنها راحة وسكنٌ ووسيلة لتجديد النشاط، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا﴾ [النبأ: 9]. ولكن في بعض الليالي، قد يجد الإنسان نفسه طريح الفراش، تتقاذفه الهواجس، وتؤرقه الأفكار، ويغلب عليه القلق، فلا يغمض له جفن، ولا ينعم بنعاس، فيدخل في معاناة الأرق التي قد تمتد لساعات أو أيام، وربما أكثر.

في مثل هذه الحالات، تبرز أهمية الالتجاء إلى الله عز وجل بالدعاء، فهو وحده القادر على طمأنة النفس، وبثّ السكينة في القلب، وتيسير النوم، كما ورد في هدي النبي صلى الله عليه وسلم جملة من الأدعية التي تعين على النوم وتُذهب الأرق، وهي دعوات تحمل في طياتها إيمانًا وتسليماً لله، وطمأنينةً روحية لا تضاهيها وسائل الدنيا.

مفهوم الأرق في ضوء الشريعة الإسلامية

الأرق ليس مجرد حالة نفسية أو عضوية، بل هو أيضًا ابتلاء قد يمرّ به العبد لحكمة من الله، إما لرفع درجته، أو تنبيهه، أو تذكيره، وفي أحيان أخرى يكون نتيجة لانشغال القلب، أو الخوف، أو كثرة الذنوب التي تحجب عن القلب السكينة.

وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى حالة الأرق حين ورد عنه أنه كان إذا أوى إلى فراشه قال:

“بِاسْمِكَ اللهم أَمُوتُ وَأَحْيَا”

وفي رواية أخرى:

“اللهم باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين”.

هذه الكلمات القصيرة تختزن في طياتها تسليماً كاملاً لله، وتفويضاً له في أمر الحياة والموت، وهي بمثابة تسكين للروح القلقة، وطمأنة للنفس المتعبة.

الأذكار والدعوات التي تقال عند الأرق

قد وردت عدة أدعية في السنة النبوية تُقال عند تعذر النوم، وقد أثبت كثير من العلماء والباحثين في علم النفس الديني أن هذه الأدعية لها أثر مباشر على تهدئة الجهاز العصبي وخفض مستوى التوتر، ومن هذه الأدعية:

1. دعاء يُقال عند عدم القدرة على النوم

ورد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أرقاً أصابه، فقال له الرسول:

“قل: اللهم غارت النجوم، وهدأت العيون، وأنت حيٌّ قيوم، لا تأخذك سنة ولا نوم، يا حي يا قيوم، أهدئ ليلي، وأنم عيني”

(رواه ابن السني، وصححه الألباني)

هذا الدعاء يعبّر عن تسليم القلب لله، والاعتراف بعظمته، والاستعانة به في لحظة ضعف وإنهاك جسدي ونفسي.

2. قراءة آية الكرسي

من العادات النبوية الثابتة قبل النوم قراءة آية الكرسي:

﴿اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ…﴾ [البقرة: 255]

وهي آية تحفظ الإنسان من الشيطان حتى يصبح، وتمنح القلب راحة عميقة تدفع عنه الوساوس.

3. المعوذات

عن عائشة رضي الله عنها قالت:

“كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه، جمع كفيه ثم نفث فيهما، وقرأ: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، ثم مسح بهما ما استطاع من جسده”

(متفق عليه)

وهي من السنن المهجورة في عصرنا رغم أثرها العظيم في طرد القلق، والحماية من الكوابيس، والتخلص من الطاقات السلبية.

أدعية أخرى من السُّنة لمن لم يستطع النوم

الأرق في ضوء علم النفس الإسلامي

من منظور علم النفس الإسلامي، فإن الأرق غالبًا ما يرتبط بالحالة الروحية للفرد. فمن يكثر ذكر الله تعالى، وتلاوة القرآن، والاستغفار، ويبتعد عن الذنوب والمعاصي، غالبًا ما يتمتع بطمأنينة داخلية تنعكس في صورة نوم هادئ.

أما من يحمل في قلبه الغل، أو التوتر، أو يعيش في قلق مستمر، فغالبًا ما يجد النوم عنه محجوبًا. لذلك، لا يقتصر الحل على الدواء أو المهدئات، بل يبدأ بإصلاح الباطن، والرجوع إلى الله.

أذكار النوم كوسيلة وقائية من الأرق

جاءت الأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم كوسيلة شاملة لتحصين المسلم من الأرق ومن كل شر قد يطرأ أثناء نومه. ومن أبرز هذه الأذكار:

• التكبير والتحميد والتسبيح قبل النوم: عن علي رضي الله عنه أن فاطمة رضي الله عنها اشتكت ما تلقى من الرحى، فقال النبي:
  
  “ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟ إذا أويتما إلى فراشكما فكبرا أربعاً وثلاثين، وسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين”
  
  (متفق عليه)

• الاستغفار: حيث أن الاستغفار من أعظم أبواب الراحة النفسية والسكينة، قال تعالى:
  
  ﴿وَيَمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: 12]، وهذا وعد قرآني بأن الاستغفار يجلب كل خير، ويدفع الأذى.

أهمية النوم في الإسلام وتأثيره على العبادة

النوم ليس مجرد حاجة بيولوجية، بل هو عامل مهم في التوازن النفسي والروحي، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن النوم الكافي يعين المسلم على أداء الصلاة والعبادات، وذُكر في الحديث:

“إن لبدنك عليك حقاً”

(رواه البخاري)

وعليه، فإن من لم يستطع النوم، فهو معرض للإرهاق البدني الذي يعيق أداؤه للفرائض، مما يجعل الدعاء للنوم، والحرص على أذكار الليل، أمرًا ذا أبعاد دينية وسلوكية.

الجمع بين الدعاء والأسباب الحسية لعلاج الأرق

الإسلام لا يكتفي بالدعاء وحده، بل يحث أيضًا على اتخاذ الأسباب الحسية التي تُعين على النوم، ومنها:

• تنظيم مواعيد النوم والاستيقاظ.

• تجنب المنبهات كالكافيين في الليل.

• تجنب استخدام الأجهزة الإلكترونية قبل النوم.

• أداء ركعتين خفيفتين بنية قيام الليل أو الاستعانة بالله.

وعندما تُجمع هذه العوامل مع الدعاء، يكون الأثر أشمل وأعمق.

نظرة العلماء إلى دعاء الأرق

العلماء اتفقوا على مشروعية الدعاء عند الأرق، بل واعتبروه من السنن المهجورة التي ينبغي إحياؤها، لأنه يُظهر افتقار العبد لربه، ويُشعره بأن النوم نعمة لا تكتمل إلا بفضل الله. ومنهم من أشار إلى أن تكرار الدعاء يُعَدّ في حد ذاته نوعاً من الذكر الذي قد يُورث النعاس تدريجياً، نظراً لما يصاحبه من طمأنينة.

أثر اليقين في إجابة الدعاء على النوم

من الشروط الأساسية التي تزيد من فاعلية دعاء الأرق أن يكون الإنسان على يقين بأن الله تعالى يسمعه وسيجيب دعاءه، وهذا ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث:

“ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة”

(رواه الترمذي)

هذا اليقين وحده كفيل ببث الراحة في القلب المضطرب، وبالتالي تسهيل الدخول في حالة النوم.

أثر الصلاة على النبي في تسهيل النوم

من الأمور التي يغفل عنها الكثيرون، فضل الصلاة على النبي في بث الطمأنينة وتهدئة النفس. فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من صلى عليه صلاة واحدة، صلى الله عليه بها عشراً. وهي صلاة تجلب السلام الداخلي، وتفرّج الكروب، وتجلب البركة في الوقت والنوم واليقظة.

خلاصة

الدعاء عند الأرق ليس مجرد ترديد كلمات، بل هو انكسار قلب، وصدق توجه إلى خالق النوم والسكون. إنه تعبير عن ضعف العبد أمام قلقه وخوفه واحتياجه للراحة. وقد حفلت السنة النبوية بعدة أدعية جامعة تنقل المؤمن من دائرة القلق إلى فضاء السكينة، شرط أن تُقال بصدق، ويقين، وبتكرار واستمرارية.

ومع الجمع بين هذه الأدعية المباركة والوسائل الحسية كتنظيم نمط الحياة والنوم الصحي، يمكن التغلب على الأرق، والتمتع بنوم هانئ يعين على طاعة الله، ويجدد الطاقة النفسية والجسدية.

المراجع

• صحيح البخاري

• صحيح مسلم

• كتاب “الأذكار” للإمام النووي