بدلاً من محاولة العثور على شغفك دع شغفك يعثر عليك
لطالما كان البحث عن الشغف أحد المواضيع الأكثر تداولًا في الأوساط الاجتماعية والتطوير الذاتي. منذ سنوات، تم تصوير الشغف على أنه المفتاح السحري للنجاح الشخصي والمهني. الكثيرون يظنون أن الشغف هو تلك القوة التي تدفعهم لتحقيق أسمى أهدافهم، وأنه يجب عليهم تحديده بدقة، والبحث عنه بكل طاقاتهم. ولكن ماذا لو كانت هذه الفكرة نفسها هي ما يجعل البعض في حالة من الضياع؟ ماذا لو كان هناك طريقة أخرى أكثر طبيعية وأقل ضغطًا لاكتشاف الشغف؟ بدلًا من محاولات مستمرة للعثور على هذا الشغف، لماذا لا نسمح له هو نفسه أن يعثر علينا؟
الشغف ليس شيئًا نبحث عنه فقط
في عالمنا الحالي، حيث يتم التأكيد على أهمية الشغف في تحقيق النجاح، نجد العديد من الأشخاص الذين يعانون من “الفقدان المؤقت للشغف”. يصبح كل شيء محاطًا بحاجات خارجية: المال، الشهرة، النجاح الاجتماعي، وهذه كلها تصبح مؤشرات لتحديد ما إذا كنا في الطريق الصحيح أم لا. ومع ذلك، فإن هذه المتطلبات الخارجية قد تكون سببًا رئيسيًا في جعلنا نبتعد عن أنفسنا الحقيقية.
الناس غالبًا ما يشعرون أنهم يجب عليهم اتباع طريق معين ليجدوا شغفهم. يُقال لهم أن الشغف هو شيء يجب أن يتم اكتشافه بوعي كامل، من خلال نشاطات خاصة أو عبر محطات معينة في الحياة. ولكن في الحقيقة، يمكن أن يصبح هذا البحث المستمر مصدرًا للضغط والإحباط. الشغف ليس بالضرورة شيئًا ملموسًا يمكن تحديده وتعبئته في قالب معين؛ بل هو في كثير من الأحيان، حالة ذهنية تنشأ عندما نعيش اللحظة بشكل كامل، عندما نسمح لأنفسنا بالانغماس في ما نحب دون أن نحتاج إلى البحث المستمر عن مصدر لهذا الحب.
كيف يمكن أن يعثر الشغف علينا؟
من المهم أن نعيد تعريف الفكرة التقليدية للشغف. بدلاً من أن نرى الشغف كهدف بعيد المنال، يجب أن نعتبره شيئًا يمكن أن يظهر لنا بشكل طبيعي عندما نكون في حالة انسجام مع أنفسنا ومع العالم حولنا. كيف يحدث ذلك؟
-
التركيز على التجارب اليومية
نعيش في عالم يتسم بالسرعة والمشتتات. وغالبًا ما نصرف نظرنا عن اللحظات الصغيرة التي يمكن أن تكشف لنا عن شغفنا. عندما نتوقف عن التفكير في “ما يجب أن نكون عليه” أو “ماذا يجب أن نحب”، نبدأ في الاستمتاع بتجاربنا اليومية، مما قد يؤدي إلى اكتشاف اهتمامات جديدة. في تلك اللحظات العفوية، قد نكتشف نشاطات كانت دائمًا أمامنا، لكنها بقيت غير مرئية لأننا كنا نبحث عنها في مكان آخر. -
الاستماع للداخل
يصبح الشغف أكثر وضوحًا عندما نتوقف عن الاستماع للأصوات الخارجية التي تحدد لنا ماذا يجب أن نحب أو نرغب في القيام به. على الرغم من أن نصائح الأصدقاء، العائلة، أو حتى وسائل الإعلام قد تكون مفيدة، إلا أنها غالبًا ما توجهنا بعيدًا عن مسارنا الحقيقي. من خلال الاستماع إلى أفكارنا الداخلية، يمكننا اكتشاف اهتماماتنا التي قد تكون قد تجنبناها لأننا كنا نعتقد أنها لا تتماشى مع معايير النجاح المتعارف عليها. إذا تعلمنا أن نكون أكثر استجابة لاحتياجاتنا وأفكارنا الحقيقية، سيتحقق الشغف بشكل أكثر طبيعية. -
التجربة دون التوقعات
في كثير من الأحيان، نحن نغرق في البحث عن الشغف لأنه يتم تصويره كشيء يجب أن يكون “مؤثرًا” أو “مهمًا” في حياة الآخرين. ولكن عندما نبدأ في الانخراط في أنشطة جديدة دون فرض توقعات مسبقة، قد نجد أنفسنا منغمسين في شيء نستمتع به دون الحاجة إلى تحليله بشكل مفرط. التجربة الحقيقية تأتي عندما نقبل فكرة أن بعض الأنشطة قد تؤدي إلى اكتشاف شغفنا، بينما قد لا نكتشفه إلا بعد وقت طويل من الاستكشاف. -
الاستمتاع بالمجهول
الحياة ليست دائمًا واضحة، وأحيانًا قد تكون أفضل اللحظات هي تلك التي تأتي من خلال الخروج عن المألوف والابتعاد عن منطقة الراحة. عندما نتوقف عن محاولة تحديد كل شيء، ونتعلم الاستمتاع بالمجهول، يمكننا أن نفتح المجال لفرص غير متوقعة للظهور. قد يكون شغفك شيئًا لم تكن تدرك أنه موجود حتى الآن، وقد يظهر لك في الوقت الذي تتوقع فيه أقل شيء. -
التحلي بالصبر
الشغف هو في كثير من الأحيان شيء يتطور مع الزمن. قد يظهر في فترة من الحياة تكون فيها أكثر مرونة وتقبلًا لما تقدمه لك الحياة. الشغف لا يحدث فجأة، بل يتطلب بعض الوقت ليترسخ ويظهر في الأوقات المناسبة. بدلاً من أن نضغط على أنفسنا ليظهر الآن، يجب أن نتعلم كيف نمنح الوقت والمساحة لتجاربنا كي تتطور ببطء، كما تتطور علاقتنا مع هذا الشغف.
الشغف ليس دائمًا ثابتًا
من المفارقات في عالم الشغف أن هذا الأخير ليس ثابتًا. في مرحلة معينة من حياتنا، قد نكون متحمسين لشيء معين، ولكن مع مرور الوقت، قد يتغير هذا الاهتمام أو يختفي. الشغف ليس شيئًا يجب أن نبقى ملتزمين به للأبد؛ إنه شيء يمكن أن يتغير ويتطور. وعندما نتبنى هذه الفكرة، نصبح أكثر مرونة في التعامل مع التحديات والفرص التي تأتي في حياتنا.
الحياة مليئة بالتغييرات، والشغف هو جزء من هذه التغييرات. بدلاً من السعي وراء شيء ثابت، يجب أن نسمح له أن يتشكل ويأخذ أشكالًا جديدة مع مرور الوقت. قد يكون شغفنا اليوم مختلفًا عن شغفنا غدًا، ولكن الأهم من ذلك هو قدرتنا على الاستمتاع بتلك اللحظات التي نجد فيها أنفسنا منغمسين في شيء نبذله فيه كل جهدنا.
كيف يؤثر الشغف على حياتنا؟
وجود الشغف في حياتنا له تأثيرات كبيرة. إن الشغف يمنحنا القوة للاستمرار، ويعطينا دافعًا قويًا لتحقيق أهدافنا. وعندما نتوقف عن البحث المستمر عن الشغف، فإننا نمنح أنفسنا الفرصة للتفكير بطريقة أعمق وأكثر معنى. يصبح الشغف أداة للتطور الشخصي، ويغذي جوانب عديدة في حياتنا، بما في ذلك العلاقة مع الآخرين، الأداء المهني، والنمو الشخصي. بدلاً من أن نراه كهدف يجب الوصول إليه، يجب أن نراه كرحلة ممتعة نتعلم منها وننمو.
الختام
الشغف ليس شيءً نبحث عنه في مكان بعيد أو بعيد المنال. بل هو شيء ينبثق من داخلنا عندما نسمح لأنفسنا بتجربة الحياة بشكل كامل، عندما نتوقف عن فرض ضغوطات على أنفسنا لنكون دائمًا في سعي مستمر نحو النجاح. بدلاً من أن نطارد الشغف، يجب أن نسمح له أن يعثر علينا. قد يأتي في وقت غير متوقع، وفي لحظة نكون فيها أكثر استعدادًا لقبوله. وعندما يحدث ذلك، سنجد أن الشغف لم يكن غريبًا أو بعيدًا عنّا، بل كان دائمًا جزءًا من طريقنا.
