خمول الغدة الدرقية وتأثيره على الدورة الشهرية
الغدة الدرقية هي إحدى الغدد الصماء المهمة في الجسم، حيث تقوم بإفراز هرمونات أساسية تلعب دورًا حيويًا في تنظيم العديد من وظائف الجسم. من أبرز هذه الهرمونات هو “الثيروكسين” (T4) و “ثلاثي يودوثيرونين” (T3)، اللذان يؤثران بشكل مباشر على عمليات الأيض، والنمو، والتنمية، إضافة إلى تنظيم درجة حرارة الجسم. عندما تتعرض الغدة الدرقية للخمول أو نقص في نشاطها، مما يعرف بـ”قصور الغدة الدرقية” أو “خمول الغدة الدرقية”، يمكن أن تحدث مجموعة من الاضطرابات الصحية التي تؤثر على الجسم ككل. إحدى هذه الاضطرابات التي تثير قلق الكثير من النساء هي تأثير خمول الغدة الدرقية على الدورة الشهرية.
في هذا المقال، سيتم استعراض العلاقة بين خمول الغدة الدرقية والدورة الشهرية، مع التركيز على الأعراض، الأسباب، التأثيرات الصحية المترتبة على هذه العلاقة، والعلاجات المتاحة.
ما هو خمول الغدة الدرقية؟
خمول الغدة الدرقية هو حالة مرضية يحدث فيها نقص في إفراز هرمونات الغدة الدرقية، مما يؤدي إلى تباطؤ العديد من العمليات الحيوية في الجسم. يمكن أن يكون هذا النقص ناتجًا عن عدة أسباب، مثل أمراض المناعة الذاتية (مثل مرض هاشيموتو)، نقص اليود في الجسم، أو حتى التأثيرات الجانبية لبعض الأدوية. ويعاني المصابون بهذه الحالة من مجموعة من الأعراض المزعجة، مثل التعب، وزيادة الوزن، وجفاف الجلد، واضطرابات النوم، وتغيرات في المزاج.
كيف يؤثر خمول الغدة الدرقية على الدورة الشهرية؟
الغدة الدرقية لها تأثير كبير على هرمونات الجسم الأخرى، بما في ذلك تلك التي تنظم الدورة الشهرية. بشكل عام، الدورة الشهرية هي عملية معقدة تعتمد على التوازن بين عدة هرمونات، مثل الاستروجين والبروجستيرون، بالإضافة إلى الهرمونات التي تنتجها الغدة النخامية، مثل الهرمون المنشط للحويصلة (FSH) والهرمون اللوتيني (LH). وبما أن الغدة الدرقية تؤثر بشكل غير مباشر على هذه الهرمونات، فإن نقص نشاطها يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات في الدورة الشهرية.
1. تغيرات في مدة الدورة الشهرية
من أكثر التأثيرات شيوعًا لخمول الغدة الدرقية على الدورة الشهرية هي تغيرات في مدة الدورة نفسها. قد تصبح الدورة الشهرية أطول أو أقصر من المعتاد. في حالات معينة، قد تحدث فترات غير منتظمة من النزيف، أو يمكن أن تصبح الدورة الشهرية أكثر ألمًا.
2. غزارة أو قلة النزيف
غزارة الدورة الشهرية هي واحدة من الأعراض المميزة لخمول الغدة الدرقية. بسبب انخفاض مستويات هرمونات الغدة الدرقية، قد تصبح الدورة الشهرية أكثر غزارة، حيث يؤدي تباطؤ عملية الأيض إلى زيادة مستويات هرمونات معينة قد تؤثر على جدار الرحم، مما يؤدي إلى زيادة في كمية الدم المفقود أثناء الدورة الشهرية. في بعض الحالات، يمكن أن يعاني النساء المصابات بخمول الغدة الدرقية من تدفق دم ثقيل جدًا قد يتسبب في فقر الدم.
من ناحية أخرى، يمكن أن تؤدي بعض الحالات الأخرى من خمول الغدة الدرقية إلى تقليل كمية الدم خلال الدورة الشهرية. هذا قد يؤدي إلى فترات قصيرة وضعيفة من النزيف، أو حتى انقطاع الطمث لفترات طويلة.
3. انقطاع الدورة الشهرية
قد تؤدي حالات قصور الغدة الدرقية الشديدة إلى انقطاع الدورة الشهرية تمامًا أو غيابها لفترات طويلة. هذا يحدث عندما تتأثر الهرمونات المسؤولة عن الإباضة (مثل الهرمون المنبه للجريب وهرمون اللوتين) بسبب نقص نشاط الغدة الدرقية، مما يؤدي إلى توقف عملية الإباضة.
في بعض الأحيان، يمكن أن تكون الدورة الشهرية غائبة لفترة زمنية طويلة، مما يؤدي إلى مشاكل صحية إضافية مثل العقم أو صعوبة في الحمل.
4. تغيرات في المزاج والقلق
تعاني العديد من النساء المصابات بخمول الغدة الدرقية من تغيرات في المزاج تشمل الاكتئاب والقلق. هذه التغيرات قد تؤثر بدورها على الدورة الشهرية. في حالات معينة، قد تؤدي مستويات القلق والاكتئاب المرتبطة بالخمول الدرقي إلى تقلبات في توقيت الدورة الشهرية ودرجة انتظامها.
الأسباب التي تجعل خمول الغدة الدرقية يؤثر على الدورة الشهرية
يعود تأثير خمول الغدة الدرقية على الدورة الشهرية إلى العلاقة المعقدة بين الغدة الدرقية والهرمونات التي تنظم الدورة. إذ تعمل الغدة الدرقية على تنظيم استقلاب الجسم، ومن ثم تؤثر بشكل غير مباشر على عمليات إفراز الهرمونات الجنسية من الغدة النخامية والمبيضين.
عندما تصبح الغدة الدرقية أقل نشاطًا، يتغير توازن الهرمونات في الجسم، مما قد يؤدي إلى:
-
ارتفاع مستويات هرمون البرولاكتين: وهو هرمون يفرز من الغدة النخامية، ويعتبر أحد العوامل التي تتحكم في الدورة الشهرية. عندما تكون مستويات البرولاكتين مرتفعة بشكل غير طبيعي نتيجة لنقص نشاط الغدة الدرقية، فإن ذلك قد يؤدي إلى اضطرابات في الدورة الشهرية، بما في ذلك انقطاع الحيض.
-
انخفاض مستويات هرمون الاستروجين: قد يتسبب قصور الغدة الدرقية في انخفاض مستويات هرمون الاستروجين، مما يؤثر على تطور البويضة في المبيضين وبالتالي يؤدي إلى اضطرابات في الدورة الشهرية.
-
زيادة مستويات هرمون التستوستيرون: قد تؤدي الغدة الدرقية الكسولة إلى زيادة مستويات هرمون التستوستيرون، مما يمكن أن يتسبب في اضطرابات في التوازن الهرموني للنساء، مما يؤدي إلى اضطرابات الدورة الشهرية وأعراض مشابهة لتلك التي يعاني منها النساء المصابات بمتلازمة تكيس المبايض.
علاج خمول الغدة الدرقية وتأثيره على الدورة الشهرية
لحسن الحظ، يمكن علاج خمول الغدة الدرقية بشكل فعال، وهذا العلاج قد يحسن من تنظيم الدورة الشهرية. يتم عادةً علاج هذه الحالة باستخدام الأدوية الهرمونية مثل “الليفوثيروكسين”، وهو دواء يحتوي على هرمونات درقية صناعية يتم استخدامها لتعويض النقص في إفرازات الغدة الدرقية. بعد بدء العلاج، يبدأ مستوى الهرمونات في الجسم بالعودة إلى حالته الطبيعية، مما يساعد على استعادة الدورة الشهرية إلى حالتها المعتادة.
من المهم أن تتم متابعة علاج خمول الغدة الدرقية مع الطبيب بشكل دوري لضمان أن مستويات الهرمونات تبقى ضمن النطاق الطبيعي. قد يحتاج الأطباء إلى تعديل الجرعات بناءً على استجابة الجسم للعلاج.
الخلاصة
تعد العلاقة بين خمول الغدة الدرقية والدورة الشهرية علاقة معقدة تؤثر بشكل مباشر على انتظام الدورة ومداها وكمية النزيف. يمكن أن يتسبب خمول الغدة الدرقية في عدة مشاكل صحية، بما في ذلك تغيرات في الدورة الشهرية، غزارة النزيف، أو حتى انقطاع الدورة الشهرية تمامًا. ومن خلال التشخيص المبكر والعلاج المناسب باستخدام الأدوية الهرمونية، يمكن تحسين الأعراض وإعادة التوازن الهرموني للجسم، مما يعيد تنظيم الدورة الشهرية.
