قصة فيلم “Five Feet Apart”: حين يبعدك المرض عن من تحب
فيلم Five Feet Apart هو دراما رومانسية موجهة بشكل خاص إلى الشباب، ولكنّه يتناول قضايا عميقة وحساسة تتعلق بالصحة، الحب، والموت، والتي يمكن أن تمس كل شخص بغض النظر عن عمره. الفيلم من إنتاج عام 2019، وقد حقق نجاحًا كبيرًا بفضل قصته المؤثرة وشخصياته التي تركت بصمة في قلوب الجمهور. إذ تجمع أحداثه بين الحب والألم، بين الشجاعة والضعف، وبين الأمل واليأس، مما يجعلها تجربة سينمائية مليئة بالمشاعر والتوترات النفسية.
القصّة: حب مستحيل بسبب المرض
تدور أحداث فيلم Five Feet Apart حول شخصيتين رئيسيتين هما ستيلا وويل، اللذان يلتقيان في المستشفى بسبب إصابتهما بمرض التليف الكيسي، وهو مرض وراثي يهاجم الرئتين ويحد من القدرة على التنفس بشكل طبيعي. المرض يجعل من المستحيل على المصابين به التفاعل مع الأشخاص المحيطين بهم بشكل طبيعي، لدرجة أن الاتصال الجسدي يصبح خطرًا على حياتهم.
ستيلا (التي تؤدي دورها الممثلة هيلي لو ريتشاردسون) هي فتاة في السابعة عشرة من عمرها، وهي مصابة بهذا المرض منذ فترة طويلة. تعيش حياتها بترتيب دقيق وتحت رقابة مشددة من قبل عائلتها وفريقها الطبي. تمثل ستيلا الفتاة التي تجد في النظام والانضباط ملاذًا من الخوف المتزايد من مرضها. ومن خلال هذا الانضباط، تحاول أن توازن بين المرض والحياة اليومية.
أما ويل (الذي يلعب دوره الممثل كول سبروس), فهو شاب مراهق آخر يعاني من نفس المرض، لكنه أكثر تمردًا ضد القيود التي يفرضها المرض على حياته. على الرغم من كونه طموحًا ومليئًا بالحياة، يعاني ويل من حالة صحية متدهورة ويدرك أنه قد لا يعيش طويلاً. هذا الصراع الداخلي بين الأمل في الحياة والقبول بالواقع القاسي يخلق شخصية معقدة وغير مستقرة عاطفيًا.
في سياق الفيلم، ستيلا و ويل يلتقيان في المستشفى ويشعران بترابط فوري. لكن نظرًا لظروف مرضهما، يواجهان صعوبة كبيرة في الاقتراب من بعضهما البعض. يتم فرض قاعدة صارمة عليهما في المستشفى، وهي أنهما يجب أن يبقيا على مسافة خمسة أقدام (حوالي متر ونصف) بعيدًا عن بعضهما البعض طوال الوقت. في الواقع، هذه المسافة هي أكثر من مجرد مسافة فعلية؛ فهي تمثل العائق المادي والعاطفي الذي يفرضه المرض على علاقتهما.
العلاقة بين ستيلا وويل: حب محدود ومحكوم بالمسافة
أحد أهم عناصر الفيلم هو العلاقة بين ستيلا وويل، حيث يصور الحب في شكل محدود وملزم. بعيدًا عن المشاعر التي تنشأ بينهما، تكون العلاقة محكومة بعدد من القيود الصحية. فحتى لمسة يد بسيطة قد تعني خطرًا عليهما. يجسد الفيلم تلك اللحظات الصغيرة التي نعتبرها عادية في حياتنا اليومية، مثل التلامس الجسدي أو التواجد بالقرب من شخص نحبه، وكيف يمكن أن تصبح تلك اللحظات مستحيلة إذا كان المرض هو من يحكم حياتنا.
العلاقة بين ستيلا و ويل تتطور تدريجيًا من صداقة عميقة إلى حب حقيقي، مع أن هذا الحب لا يملك الفرصة ليزدهر تمامًا. المحادثات بينهما تتراوح بين الفرح والتوتر، بين التشجيع والتحذير. هذا التناقض العاطفي هو ما يجعل الفيلم مؤثرًا للغاية، حيث يعكس حقيقة صراع مرضى التليف الكيسي الذين لا يملكون رفاهية التقارب الجسدي مع أحبائهم. الحب في Five Feet Apart هو حب مستحيل ولكنه حي في نفس الوقت، يواجه خطر الفقدان في كل لحظة.
الصراع الداخلي: مواجهة الموت في الحياة اليومية
من أبرز المواضيع التي يتناولها الفيلم هو الصراع الداخلي الذي يعيشه كلا من ستيلا وويل. على الرغم من التحديات التي يواجهها كل منهما، إلا أن الصراع الأكثر تأثيرًا هو داخل الشخصيات نفسها. ستيلا على سبيل المثال، تسعى بكل قوتها للبقاء على قيد الحياة، ولذلك فإنها تلتزم بكل تعليمات الأطباء، وتجنب أي نوع من المخاطر. ولكن داخلها، هناك خوف دائم من أنها قد لا تتمكن من أن تعيش حياة كاملة مثل الآخرين.
أما ويل، فهو متمرد على الواقع، ويرفض الانصياع للتعليمات الطبية بشكل كامل. له فلسفة خاصة عن الحياة والموت؛ حيث يرى أنه لا فائدة من اتباع القيود التي تفرضها حالة صحته إذا كان ذلك يعني حرمانه من تجربة حياة كاملة. هذا التناقض بين الاثنين يخلق توترات بينهما، ويجعل العلاقة أكثر تعقيدًا، إذ لا يمكن أن تكون هناك نهاية سعيدة وحتمًا لن يكون بإمكانهم العيش معًا كما يفعل أي شخص آخر.
الموت كجزء من الحياة
ينقل Five Feet Apart مشاعر الشجاعة والضعف المتشابكة التي يمر بها المرضى المصابون بالتليف الكيسي. ولكن في قلب هذه المشاعر، يكمن أيضًا موضوع الموت الذي يطاردهم طوال الوقت. على الرغم من أن ستيلا و ويل يحاولان الاستمتاع بالأوقات التي يقضيانها معًا، إلا أن الخوف من الموت يعكر صفو حياتهما، إذ يتساءلان في كل لحظة: هل ستكون هذه هي اللحظة الأخيرة؟
المرض في الفيلم ليس مجرد حالة جسدية، بل هو أيضًا حالة نفسية تؤثر على كل جوانب الحياة. الفيلم يظهر بوضوح كيف أن المرض يمكن أن يعزل الأفراد عن محيطهم، سواء كان ذلك من خلال القيود الجسدية أو من خلال العزلة العاطفية. مشهد تلو الآخر، يعكس الفيلم شعور المرضى بأنهم مقيدون في حياتهم، بينما يراهم العالم من الخارج على أنهم أشخاص ضعفاء وفاقدين للأمل.
النهاية: حب لا يموت
على الرغم من أن Five Feet Apart يركز على الحب الذي يواجه قيودًا جسدية وعاطفية شديدة، إلا أن النهاية تحمل رسالة أمل. في النهاية، تقبل ستيلا وويل حقيقة مرضهما، وتدرك كل شخصية أنه حتى في ظل الصعوبات والقيود، يمكن أن يكون الحب والمشاعر الحقيقية أكثر قوة من أي شيء آخر. الحب في Five Feet Apart ليس مجرد تلامس جسدي، بل هو رابط عاطفي وروحي يبقى حيًا رغم كل العوائق.
في لحظة درامية مؤثرة، تختار ستيلا أن تبتعد عن ويل وتعيش حياتها كما ينبغي لها، ولكنها تفعل ذلك من مكان من السلام الداخلي. إن القرار الذي تتخذه يعكس النمو الشخصي الذي يحدث لدى كل من ستيلا وويل، ويبين أن الحب الحقيقي لا يحتاج إلى الاقتراب الجسدي ليبقى قويًا، بل يكفي أن يبقى في القلب.
التأثير العاطفي والإنساني للفيلم
Five Feet Apart ليس مجرد قصة حب بين مراهقين، بل هو قصة إنسانية تتعلق بالقوة الداخلية والقدرة على التكيف مع الظروف. الفيلم يقدم رسالة حول أهمية تقدير اللحظات الصغيرة في الحياة، مثل التواجد مع من نحب، ويظهر كيف أن الأمراض المزمنة يمكن أن تغير حياتنا بشكل جذري، لكنها لا تقضي على رغبتنا في العيش بحب.
بالإضافة إلى الأداء الرائع من هيلي لو ريتشاردسون وكول سبروس، استطاع الفيلم أن يلمس قلوب الجمهور ويثير مشاعرهم تجاه الأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة. من خلال تصوير مشاهد مؤلمة، تمكّن الفيلم من عرض الحياة اليومية لمرضى التليف الكيسي بطريقة تحترم معاناتهم وتحفز التفكير في كيفية التعامل مع هؤلاء الأشخاص في حياتنا اليومية.
باختصار، Five Feet Apart هو فيلم يعكس واقع الحياة في ظل المرض ويقدم درسًا في الأمل، الصبر، والحب غير المشروط. هو قصة حب بسيطة ومعقدة في نفس الوقت، لا يمكن أن تنسى بسهولة.
