خطر هز الطفل وأضراره

لا تهزي طفلك أبداً

الهز العنيف للطفل، والذي قد يقوم به البعض كوسيلة لتهدئته أو لإسكاته عند البكاء المستمر، يمثل أحد أكثر التصرفات خطورةً على حياة الطفل وسلامة جهازه العصبي. وعلى الرغم من النية غير المؤذية في الغالب خلف هذا السلوك، إلا أن الهز العنيف يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات صحية كارثية، بعضها قد يكون دائماً أو قاتلاً. يُعرف هذا السلوك في الأدبيات الطبية باسم “متلازمة هزّ الرضيع” (Shaken Baby Syndrome)، وهو حالة خطيرة تصيب الدماغ نتيجة تحريك الطفل بعنف.

المقال التالي يستعرض بتفصيل علمي وجوانب إنسانية الأسباب التي تجعل من هزّ الطفل جريمة صحية، وآثارها الفسيولوجية والنفسية، والبدائل السليمة للتعامل مع بكاء الطفل، بالإضافة إلى الدور التوعوي للأسرة والمجتمع في الوقاية من هذه الظاهرة.

مفهوم متلازمة هز الرضيع

متلازمة هز الرضيع هي نوع من إصابات الدماغ الرضية (Traumatic Brain Injury) تحدث عندما يُهز الطفل بعنف، مما يؤدي إلى تحريك الدماغ داخل الجمجمة بشكل مفاجئ. الأطفال، وخصوصاً من هم دون سن السنتين، يمتلكون عضلات رقبة ضعيفة لا تقوى على حماية الرأس من الصدمات الناتجة عن الهز، كما أن دماغهم لا يزال طرياً وسهل التأثر.

عندما يتحرك دماغ الطفل بسرعة داخل الجمجمة نتيجة للهزّ، فإن الأوعية الدموية الدقيقة قد تتمزق، مما يؤدي إلى نزيف في الدماغ أو في الشبكية، ويصاحبه تورم دماغي يمكن أن يؤدي إلى تلف دائم أو وفاة.

الأسباب النفسية والسلوكية وراء هزّ الطفل

غالباً ما يلجأ الأهل أو مقدمو الرعاية إلى هزّ الطفل عندما يشعرون بالإحباط نتيجة بكائه المتكرر أو دون سبب واضح. تتفاقم هذه المشكلة مع قلة النوم، ضغوط الحياة اليومية، ونقص الوعي بكيفية التعامل مع الطفل. في بعض الحالات، قد يكون الهزّ رد فعل غاضب أو متهور نتيجة شعور بالعجز أو الغضب.

من هنا، تبرز أهمية التثقيف الأسري والدعم النفسي للأمهات والآباء الجدد، وتوفير شبكات مساعدة قريبة يمكن اللجوء إليها عند الشعور بالضغط، لتجنب هذا النوع من ردود الأفعال المؤذية.

الأعراض والمضاعفات الناتجة عن هز الطفل

يمكن أن تختلف أعراض متلازمة هز الرضيع من خفيفة إلى مهددة للحياة. وتشمل أكثر الأعراض شيوعاً:

• فقدان الوعي أو غيبوبة

• صعوبة في التنفس

• التقيؤ المتكرر

• شحوب في الوجه أو زُرقة الشفتين

• تشنجات أو نوبات صرعية

• فقدان الشهية أو الرغبة في الرضاعة

• مشاكل في حركة العين أو الحول المفاجئ

• فقدان القدرة على رفع الرأس أو التحكم بالرقبة

المضاعفات طويلة الأمد تشمل:

• تأخر في النمو العقلي والجسدي

• اضطرابات في البصر أو العمى

• ضعف في الحركة أو شلل دماغي

• صعوبات في التعلم

• مشكلات سلوكية دائمة

• وفاة الطفل في الحالات الشديدة

بيانات وإحصائيات طبية

تشير التقديرات العالمية إلى أن آلاف الأطفال يتعرضون سنوياً لمتلازمة هز الرضيع، وتحديداً في الأشهر الستة الأولى من العمر. أكثر من 25% من الحالات تؤدي إلى الوفاة، فيما يعاني 80% من الناجين من إعاقات دائمة.

جدول توضيحي لمضاعفات متلازمة هز الرضيع:

تشخيص الإصابة

يعتمد تشخيص متلازمة هز الرضيع على عدد من الأدوات الطبية تشمل:

• التصوير بالرنين المغناطيسي MRI للكشف عن النزيف أو التورم الدماغي

• فحص قاع العين لتحديد وجود نزيف في الشبكية

• الأشعة السينية للكشف عن كسور في العظام (خصوصاً الأضلاع)

• اختبارات دم وفحوصات عصبية

غالباً ما يكون الأطباء في حالة شك عندما لا تتطابق رواية الوالدين مع الأعراض الظاهرة على الطفل، مما يدفعهم إلى التوسع في التحقيقات الطبية.

الجانب القانوني والأخلاقي

تُعد متلازمة هز الرضيع أحد أشكال إساءة معاملة الأطفال، وتُعامل في العديد من البلدان كجريمة يعاقب عليها القانون. ويُحاسب مرتكبها بتهم الإيذاء الجسدي أو الإهمال أو حتى القتل غير العمد في حال وفاة الطفل.

التقصير في توعية الآباء أو تجاهل علامات الإساءة قد يُعد هو الآخر إخلالاً جسيماً بالواجب الأخلاقي والطبي، مما يجعل من الضروري سن قوانين تعليمية وإعلامية تُلزم الجهات المختصة بإطلاق حملات توعوية للأهالي.

البدائل الصحية للتعامل مع بكاء الطفل

من الضروري أن يُدرك الأهل أن بكاء الطفل، خاصة في الأشهر الأولى، هو وسيلته الوحيدة للتواصل، وقد يكون لأسباب كثيرة مثل الجوع، المغص، الحاجة للنوم، البلل، أو حتى الرغبة بالاحتضان. وبدلاً من اللجوء للهزّ، يمكن اتباع الأساليب التالية:

• التأكد من نظافة الحفاض وتغذية الطفل بشكل كافٍ

• احتضان الطفل بلطف أو لفه في بطانية ناعمة

• وضع الطفل في أرجوحة أو كرسي هزاز خاص بالرضع

• تشغيل موسيقى هادئة أو أصوات بيضاء

• إعطاء الطفل لهاية

• عمل تدليك لطيف للبطن بحركات دائرية

في حال استمرار البكاء وعدم جدوى كل الطرق، يوصى بوضع الطفل في مكان آمن، مثل السرير، وأخذ استراحة قصيرة لتهدئة النفس. الاستعانة بأحد أفراد العائلة أو الأصدقاء عند الشعور بالإجهاد النفسي خيار ضروري وصحي.

دور التوعية المجتمعية ومقدمي الرعاية الصحية

الوقاية من متلازمة هز الرضيع تبدأ من التثقيف أثناء الحمل وبعد الولادة. يجب أن يتلقى الوالدان معلومات دقيقة ومبسطة من قبل المستشفيات والمراكز الصحية حول:

• مخاطر هز الطفل حتى وإن كان بنية حسنة

• كيفية تهدئة الرضع دون اللجوء للعنف

• أهمية مشاركة المسؤوليات بين الوالدين لتخفيف الضغط النفسي

• علامات الإجهاد والإرهاق النفسي التي تستدعي طلب المساعدة

البرامج التوعوية المرئية والمكتوبة، إضافة إلى التوجيه من القابلات والممرضات وأطباء الأطفال، لها أثر فعّال في الحد من هذه الظاهرة، كما أن الدعم المجتمعي والرسمي للأسر الجديدة أمر بالغ الأهمية.

أهمية الرعاية النفسية للآباء والأمهات

الضغط النفسي بعد الولادة يُعد شائعاً جداً، وخصوصاً لدى الأمهات، ويُعرف ذلك بالاكتئاب ما بعد الولادة. في ظل هذا الواقع، تزداد فرص الوقوع في سلوكيات خاطئة مثل الهزّ العنيف دون وعي. وهنا تتضح الحاجة إلى:

• تقديم استشارات نفسية مجانية أو بأسعار رمزية

• إنشاء خطوط دعم هاتفي على مدار الساعة للأمهات الجدد

• تشجيع الأمهات على مشاركة تجاربهن دون خجل

• توعية الآباء بضرورة المساندة والدعم العاطفي لزوجاتهم

إن وجود بيئة داعمة من العائلة والأصدقاء، بالإضافة إلى التقدير المجتمعي للأمومة، يُعتبر عاملاً مهماً في تقليل نسب إساءة المعاملة للأطفال حديثي الولادة.

الخلاصة

هز الطفل، سواء عن جهل أو عن قصد، يمثل خطراً فادحاً على حياته ونموه المستقبلي، وتجاهل هذه الحقيقة قد يؤدي إلى نتائج مأساوية لا يمكن علاجها. إن وعي الأسرة، والدعم النفسي، والتثقيف المستمر، وتفعيل آليات الرعاية المجتمعية، هي العناصر الأساسية التي تضمن سلامة الطفل الجسدية والعقلية. فالأطفال، وخاصة في أعمارهم المبكرة، هم كائنات هشّة تحتاج إلى الحماية القصوى، ولا مجال للتهاون في التعامل معهم.

المراجع:

1. American Academy of Pediatrics. (2021). Shaken Baby Syndrome: Recognizing Abusive Head Trauma.

2. Mayo Clinic. (2022). Shaken baby syndrome – Symptoms and causes.