خصال الفطرة: دراسة عميقة في الطبيعة الإنسانية
الفطرة هي حالة الطبيعة الإنسانية التي يولد الإنسان عليها، وهي تمثل مجموعة من الصفات والخصال التي لا يمكن للإنسان أن يكتسبها من البيئة أو المحيط، بل هي جزء من تكوينه البيولوجي والنفسي. إن الفطرة هي سمة أساسية من سمات الإنسان، التي تميزه عن غيره من المخلوقات. في هذا المقال، سنتناول خصال الفطرة في الإنسان من خلال تحليل هذه الطبيعة الأولية التي ترافق الإنسان منذ لحظة ولادته وتستمر معه طوال حياته.
تعريف الفطرة:
الفطرة في اللغة العربية هي الحال أو الطبع الذي يكون عليه الكائن الحي في بداية تكوينه، وهي تحمل معنى الطبيعة الأصلية التي لا يمكن تغييرها أو تعديلها بسهولة. وقد استخدم القرآن الكريم مصطلح “الفطرة” في قوله تعالى: “فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ عَلَيْهَا”، مما يعني أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان على فطرة معينة، وهي تمثل الحالة الأصلية التي تُعطي الإنسان قدرة على التفريق بين الخير والشر، والتمييز بين الصواب والخطأ.
الخصال الأساسية للفطرة في الإنسان:
-
الصدق:
من أهم خصال الفطرة التي يولد الإنسان عليها هو الصدق. يعد الصدق سمة فطرية تجعل الإنسان ينطق بالحق منذ لحظة نطقه الأولى. في السنوات الأولى من حياته، يلاحظ أن الطفل لا يميل للكذب بل يعبر عن نفسه بطريقة صادقة وبسيطة. هذا الميل نحو الصدق هو جزء من تكوينه الفطري الذي يعكس نقاء قلبه وصفاء ذهنه. -
البراءة:
البراءة هي صفة فطرية أخرى يتمتع بها الإنسان في بداية حياته. فالطفل الذي يولد لا يحمل في نفسه أية ملامح للشر أو الحقد. إن براءة الطفل تجعل من السهل عليه التعلم والتفاعل مع الآخرين بصدق ومحبة. وهذه البراءة تعتبر من أسمى وأجمل خصال الفطرة، فهي تعكس قدرة الإنسان على التفاعل بإيجابية مع العالم من حوله. -
الحاجة إلى التواصل:
يعتبر الإنسان كائنًا اجتماعيًا بطبعه، وهي خاصية فطرية لا يمكن أن يتم تجاوزها. منذ لحظة ولادته، يبدأ الإنسان في التواصل مع من حوله من خلال البكاء والإشارات والعينين، وهو ما يعكس حاجته الطبيعية للتفاعل مع غيره من البشر. تعتبر هذه الحاجة إلى التواصل أساسية لبناء العلاقات الإنسانية والمجتمعات. -
العدالة:
العدالة هي إحدى خصال الفطرة التي يولد الإنسان بها. تميل الفطرة الإنسانية إلى الشعور بالعدل والإنصاف، وهو ما يظهر بوضوح في مرحلة الطفولة عندما يبدأ الطفل في التمييز بين التصرفات الصحيحة وغير الصحيحة. إن ميل الإنسان إلى العدالة هو نتيجة لفطرته التي تحثه على مراعاة حقوق الآخرين. -
الرحمة:
الرحمة من أبرز خصال الفطرة التي يتمتع بها الإنسان. منذ الصغر، نجد أن الأطفال يظهرون تعاطفًا ورحمة تجاه الآخرين، سواء كانوا أقرانهم أو الحيوانات. إن هذه الرحمة تعكس جزءًا من الفطرة الإنسانية التي تشجع على التعاون والمساعدة المتبادلة بين الأفراد. إن الفطرة في هذا السياق تساهم في تعزيز الروابط الاجتماعية وتقوية المجتمعات. -
الفضول والتعلم:
الإنسان بطبعه فضوليا ويحب اكتشاف ما يحيط به. هذا الفضول هو من خصال الفطرة التي تساهم في نمو الإنسان وتطوره. يبدأ الطفل في طرح الأسئلة واكتشاف الأشياء من حوله منذ سن مبكرة، وهي عملية طبيعية لا يمكن أن يتمكن الإنسان من تجاوزها. إن حب الاستطلاع والتعلم هو جزء أساسي من فطرة الإنسان، ويشكل الدافع الرئيسي وراء تطوير القدرات العقلية والنفسية. -
التمسك بالحرية:
أحد الخصائص الفطرية الهامة في الإنسان هي تمسكه بحرية الإرادة. يشعر الإنسان منذ مراحل مبكرة أنه يمتلك الحق في اتخاذ قراراته الخاصة، وأنه يمتلك حرية الاختيار. وهذا يعكس رغبة الإنسان الفطرية في الاستقلالية والتحكم في مصيره. -
الاحتياج للعب:
اللعب هو وسيلة طبيعية للتعلم بالنسبة للإنسان. منذ ولادته، يشعر الإنسان بحاجة ماسة للعب والتفاعل مع البيئة المحيطة به. يعتبر اللعب جزءًا من تطور الإنسان الفطري، حيث يساعده في تعلم مهارات جديدة، وتنمية قدراته العقلية والبدنية. -
الإيمان بالله:
إن الإيمان بوجود قوة عليا أو إله هو من خِصال الفطرة التي يولد الإنسان بها. منذ الأزل، كان الإنسان يميل إلى الاعتقاد بوجود قوى خارقة تتحكم في الكون، وهذه الفطرة الإيمانية تظهر منذ مراحل الطفولة حيث يبدأ الإنسان في طرح الأسئلة عن معنى الحياة والموت والوجود. هذه الحاجة الروحية هي جزء من تكوين الإنسان الطبيعي، وهي تشكل أساسًا لمختلف الأديان والمعتقدات عبر التاريخ.
العوامل التي تؤثر في الفطرة:
على الرغم من أن الفطرة تمثل مجموعة من الخصائص الثابتة التي يولد بها الإنسان، إلا أن هناك عوامل تؤثر على هذه الفطرة وتعدلها على مر الزمن. قد تكون هذه العوامل بيئية أو اجتماعية أو ثقافية.
-
البيئة:
تلعب البيئة دورًا كبيرًا في تشكيل الفطرة الإنسانية. فالطفل الذي ينشأ في بيئة إيجابية مليئة بالحب والرعاية غالبًا ما يحتفظ بخصال فطرية صحية مثل الصدق والرحمة والعدالة. بينما في بيئات قاسية أو مليئة بالعنف قد تتغير بعض هذه الخصائص، مما يؤدي إلى ظهور سلوكيات غير مرغوب فيها. -
التعليم:
يعتبر التعليم عاملاً مؤثرًا في صقل الفطرة وتوجيهها. من خلال التعليم، يمكن أن ينمي الإنسان خصاله الفطرية بشكل إيجابي أو قد يساهم في انحراف بعضها إذا تم استخدامه بطريقة غير صحيحة. التعليم لا يقتصر فقط على المعرفة الأكاديمية بل يشمل أيضًا القيم الأخلاقية والسلوكية التي ترسخ في الإنسان خلال سنوات نشأته. -
الضغوط الاجتماعية:
الحياة الاجتماعية وما يتعرض له الإنسان من ضغوط قد تؤثر على الفطرة بطرق مختلفة. في بعض الأحيان، قد يؤدي التكيف مع هذه الضغوط إلى تغيير بعض الجوانب الفطرية مثل الصدق أو الرحمة أو العدالة. قد تتطور بعض العادات التي تتنافى مع الفطرة مثل الأنانية أو الكذب نتيجة للضغوط الاجتماعية والمادية. -
القدوة والمثال:
إن الأشخاص الذين يؤثرون في حياة الإنسان، سواء كانوا الوالدين أو المعلمين أو الأصدقاء، يلعبون دورًا كبيرًا في تعزيز أو تعديل خصال الفطرة. القدوة الصالحة يمكن أن تحفز الإنسان على التمسك بمبادئه الفطرية، في حين أن القدوة السيئة قد تدفعه نحو تبني سلوكيات مخالفة للطبيعة الفطرية.
الفطرة في الإسلام:
في الإسلام، تعتبر الفطرة من النعم الكبرى التي أنعم الله بها على الإنسان. وقد ورد في الحديث الشريف عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قوله: “ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه”. هذا الحديث يوضح أن كل إنسان يولد على فطرة سليمة، ولكن البيئة والتربية هي التي تحدد كيفية تطور هذه الفطرة. بالتالي، لا بد من الحفاظ على الفطرة السليمة وتنميتها من خلال التربية الإسلامية السليمة التي تعزز من خصال الصدق والعدالة والرحمة وغيرها.
الخاتمة:
الفطرة هي من أعظم نعم الله على الإنسان، وهي تعكس الجانب النقي والطيِّب في طبيعته. على الرغم من أن البيئة والظروف الحياتية قد تؤثر في هذه الفطرة، إلا أن خصال الفطرة التي يولد الإنسان بها تظل جزءًا لا يتجزأ من شخصيته. من خلال فهم خصال الفطرة والعمل على تنميتها والحفاظ عليها، يمكن للإنسان أن يعيش حياة متوازنة أخلاقيا ونفسيا، ويكون له دور إيجابي في المجتمع.
