7 أساطير متداولة غير صحيحة عن شبكات الهواتف المحمولة

تُعد شبكات الهواتف المحمولة من أكثر الابتكارات التكنولوجية تطوراً وانتشاراً في العصر الحديث، حيث غيّرت جذرياً الطريقة التي يتواصل بها البشر، وتداخلت بشكل عميق في شتى مناحي الحياة اليومية، من الاتصالات الشخصية والمهنية إلى استخدام الإنترنت وإدارة الأعمال. إلا أن انتشار هذه التكنولوجيا السريعة ووجود فجوات معرفية لدى كثير من المستخدمين أوجد بيئة خصبة لانتشار عدد من الأساطير والمفاهيم المغلوطة التي لا تستند إلى حقائق علمية أو بيانات موثوقة. وغالباً ما تنتشر هذه الأساطير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو من خلال نقاشات عامة، لتخلق حالة من الخوف أو الالتباس أو سوء الفهم لدى الجمهور.

يتناول هذا المقال الموسّع تفنيداً علمياً وواقعياً لسبع من أكثر الأساطير شيوعاً حول شبكات الهواتف المحمولة، موضحاً خلفياتها ومبرراتها، ومدعوماً بآخر ما توصّلت إليه الدراسات العلمية والجهات المختصة في مجال الاتصالات والتكنولوجيا.

الأسطورة الأولى: إشارات الهواتف المحمولة تسبب السرطان

تُعتبر هذه الأسطورة من أكثر المزاعم إثارة للقلق بين الناس، إذ يربط الكثيرون بين التعرض لإشارات الهاتف المحمول، سواء عبر المكالمات أو الشبكات اللاسلكية، وبين الإصابة بأمراض خطيرة مثل السرطان، خصوصاً سرطان الدماغ. ويُعزى ذلك إلى الإشعاعات التي تصدر من الهواتف، والتي تُصنَّف ضمن الإشعاعات الكهرومغناطيسية غير المؤيّنة.

إلا أن البحوث العلمية حتى اليوم لم تجد دليلاً قاطعاً على وجود علاقة سببية مباشرة بين استخدام الهواتف المحمولة والسرطان. فقد أصدرت منظمة الصحة العالمية، ممثلة في الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC)، تقريراً يصنف إشارات الهاتف ضمن “العوامل المحتملة المسببة للسرطان” (Group 2B)، وهو نفس التصنيف الذي ينطبق على القهوة والمخللات. وهذا لا يعني إثبات وجود خطر، بل مجرد احتمال ضعيف لم يتم حسمه علمياً.

وخلصت دراسات عديدة طويلة الأمد، مثل دراسة “INTERPHONE”، وهي واحدة من أوسع الدراسات التي أُجريت حول هذا الموضوع، إلى عدم وجود علاقة واضحة أو ارتفاع ملموس في معدلات الإصابة بأورام الدماغ بسبب استخدام الهاتف المحمول.

الأسطورة الثانية: الهواتف المحمولة تُضعف جهاز المناعة

في ظل انتشار الأوبئة والأمراض المعدية، ازدهرت نظريات مؤامرة تربط بين التكنولوجيا الحديثة، مثل شبكات الجيل الخامس، وبين ضعف الجهاز المناعي أو تفشي الفيروسات. من بين هذه المزاعم، الادعاء بأن الإشارات الكهرومغناطيسية الصادرة من الهواتف المحمولة يمكن أن تضعف استجابة الجسم المناعية، ما يزيد من خطر العدوى.

لكن من الناحية العلمية، لا يوجد أي دليل يثبت أن الإشعاعات غير المؤيّنة — مثل تلك المستخدمة في شبكات الهاتف المحمول — لها تأثير مباشر أو غير مباشر على الجهاز المناعي للإنسان. فالإشارات الصادرة عن الهواتف المحمولة ضعيفة جداً مقارنة بالمصادر الإشعاعية القوية مثل الأشعة السينية أو النووية، التي يمكن أن تضر بخلايا الجسم.

ووفقاً لتقارير صادرة عن منظمات صحية معترف بها مثل المعهد الوطني الأمريكي للسرطان (NCI) ومنظمة الصحة العالمية، فإن الموجات المستخدمة في الاتصالات لا تخترق الجسم بشكل عميق ولا تسبب تغيرات خلوية تؤثر على المناعة.

الأسطورة الثالثة: التغطية الأفضل تعني إشعاعاً أعلى وخطراً أكبر

يفترض البعض أن المناطق التي تتمتع بتغطية هاتف قوية هي أيضاً معرضة لمستوى أعلى من الإشعاع، وبالتالي فهي أكثر ضرراً بالصحة، وهو ما يدفع بعض السكان إلى الاعتراض على تركيب أبراج الشبكة في محيط مساكنهم.

إلا أن هذا الاعتقاد غير دقيق علمياً. فعندما تكون تغطية الشبكة ضعيفة، يضطر الهاتف لبذل جهد أكبر للبقاء متصلاً بالشبكة، مما يزيد من قوة الإشارة التي يصدرها الجهاز، وبالتالي يرفع مستوى التعرض للإشعاع. في المقابل، عندما تكون الشبكة قوية، يُقلّل الهاتف من جهده الإشعاعي ويعمل بكفاءة أكبر وبمستوى إشعاع أقل.

كما أن الأبراج الخلوية مصممة لتوزيع الإشارات بشكل منتظم وبقوة مدروسة لا تتجاوز المعايير الدولية المعتمدة، مثل تلك التي وضعتها لجنة الحماية من الإشعاع غير المؤيّن (ICNIRP)، ما يجعل وجودها في الأحياء السكنية آمناً ومفيداً لتحسين جودة الاتصال وتقليل انبعاثات الهواتف نفسها.

الأسطورة الرابعة: شبكات الجيل الخامس (5G) تسببت في تفشي فيروس كورونا

خلال ذروة جائحة كورونا، انتشرت موجة واسعة من نظريات المؤامرة التي تدّعي أن شبكات الجيل الخامس مسؤولة عن تفشي الفيروس، بل وذهب البعض إلى اتهام هذه الشبكات بإضعاف الجهاز التنفسي أو “نقل الفيروس” عبر الموجات الكهرومغناطيسية.

هذه النظرية تفتقر لأي أساس علمي أو منطقي. الفيروسات كائنات بيولوجية لا يمكن أن تنتقل عبر الموجات اللاسلكية أو الحقول الكهرومغناطيسية. كما أن انتشار فيروس كورونا حدث في مناطق لم تكن تحتوي بعد على أي بنية تحتية لشبكات الجيل الخامس.

وقد أصدرت عدة جهات علمية دولية، من ضمنها منظمة الصحة العالمية والاتحاد الدولي للاتصالات، بيانات رسمية تؤكد فيها عدم وجود أي صلة بين شبكات 5G وفيروس كورونا. كما أن التحقيقات الميدانية والتحاليل الإحصائية لم ترصد أي علاقة زمنية أو مكانية بين تغطية هذه الشبكات وانتشار العدوى.

الأسطورة الخامسة: استخدام الهاتف في محطات الوقود قد يسبب انفجاراً

من المعتقدات الشائعة أن استخدام الهاتف المحمول في محطات تعبئة الوقود يمكن أن يتسبب في حدوث انفجار أو حريق بسبب إشارات الهاتف أو الكهرباء الساكنة.

لكن هذه المخاوف مبالغ فيها إلى حد كبير. فحتى الآن، لم تُسجل أي حالة موثقة تؤكد وقوع انفجار في محطة وقود بسبب استخدام الهاتف المحمول. وأغلب الحوادث التي تحدث في هذه الأماكن تكون نتيجة الكهرباء الساكنة التي قد تنشأ عن احتكاك الملابس أو تفريغ شحنة كهربائية عند التعامل مع مضخة الوقود، وليس بسبب إشارات الهاتف.

وتُعد إشارات الهاتف المحمول أضعف بكثير من أن تُحدث شرارة قادرة على إشعال بخار الوقود، كما أن الهواتف مصممة للامتثال للمعايير الكهربائية الخاصة بالسلامة في البيئات المختلفة. إلا أن بعض الجهات تفضّل منع استخدام الهواتف في المحطات كإجراء احترازي لتقليل التشتت والانتباه أثناء التعامل مع الوقود.

الأسطورة السادسة: يمكن لموجات الهاتف المحمول التجسس على العقل أو التحكم فيه

يندرج هذا الزعم ضمن الخيال العلمي أكثر من كونه في إطار الواقعية، حيث يعتقد البعض أن موجات الهاتف أو شبكات الجيل الخامس قادرة على التأثير على الدماغ البشري أو حتى قراءة الأفكار والتحكم في السلوك.

علمياً، لا توجد آلية معروفة يمكن من خلالها للموجات الكهرومغناطيسية غير المؤيّنة أن تنفذ إلى الدماغ وتؤثر على وظائفه الإدراكية أو العصبية بهذا الشكل. فالتفاعلات الكهرومغناطيسية تعمل على مستوى فيزيائي محدود ولا تمتلك القدرة على برمجة الدماغ أو فك شيفرة الوعي الإنساني.

كما أن موجات الهاتف المحمول تُبث على ترددات ميكروية معينة محددة ومقنّنة وفقاً لمعايير عالمية تضمن عدم تجاوز حد الإشعاع المسموح به. وبالتالي، فإن جميع الادعاءات التي تشير إلى قدرة هذه الموجات على التجسس العقلي أو النفسي تفتقر لأي دليل علمي وتندرج ضمن التهويل أو السيناريوهات الدرامية.

الأسطورة السابعة: وضع الهاتف تحت الوسادة أثناء النوم آمن تماماً

يلجأ الكثيرون إلى إبقاء الهاتف المحمول تحت الوسادة أثناء النوم بدافع الراحة أو الاعتماد عليه كمنبه، دون إدراك العواقب المحتملة لهذا السلوك.

فعلى الرغم من أن إشعاع الهاتف ليس خطيراً بما يكفي لإحداث ضرر فوري، إلا أن وضعه تحت الوسادة قد يؤدي إلى ارتفاع حرارته في بيئة معزولة عن التهوية، خصوصاً أثناء الشحن، مما قد يسبب ارتفاعاً حرارياً خطيراً أو حتى حريقاً ناتجاً عن بطارية الليثيوم.

إضافة إلى ذلك، فإن الإشارات اللاسلكية التي يرسلها الهاتف باستمرار — لا سيما أثناء استقبال الإشعارات أو التحديثات — تظل فعّالة ليلاً، ما يعني تعرّضاً مستمراً لموجات قد تؤثر على نوعية النوم أو تسبب صداعاً لدى بعض الأفراد شديدي التحسس.

ينصح الخبراء بترك الهاتف بعيداً عن الرأس أثناء النوم، ويفضل وضعه في “وضع الطيران” لتقليل الإشارات اللاسلكية، خاصة في حال ضرورة إبقائه بجانب السرير.

جدول توضيحي: مقارنة بين الحقيقة والأسطورة

خاتمة

تُعد شبكات الهواتف المحمولة جزءاً محورياً من البنية التحتية الرقمية العالمية، وقد لعبت دوراً أساسياً في تطور المجتمعات والاقتصادات. إلا أن التعامل الخاطئ مع المعلومات والترويج للأساطير والمفاهيم المغلوطة حول هذه الشبكات يساهم في خلق جو من الشك والخوف غير المبرر. من المهم الاعتماد على المصادر العلمية الموثوقة وتجنّب الوقوع في فخ المعلومات الخاطئة، لضمان الاستخدام الآمن والمستنير لهذه التكنولوجيا.

المراجع:

• International Agency for Research on Cancer (IARC), WHO

• National Cancer Institute, USA (2023)